على الرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها العراق منذ أكثر من ثمانية أشهر، وسببت تراجع النشاط الاقتصادي وأجبرت الحكومة على خفض قيمة الدينار لمواجهة العجز الهائل في إيراداتها، فإن مخصصات المؤسسة العسكرية من موازنة عام 2021 لم تتقلص، بل زادت مقارنة بالسنوات الماضية، وقياساً على الوفرة المالية التي كانت تحققها البلاد في السابق.
وتبلغ هذه المخصصات بمجملها 27.617 تريليون دينار (18.7 مليار دولار)، وتشمل النفقات التشغيلية وتسليح الجيش وهيئة الحشد الشعبي وجهاز مكافحة الإرهاب ووزارة الداخلية بجميع مؤسساتها الأمنية.
كما أن الموازنة تضمنت طلب قروض من جهات دولية لتسليح هذه المؤسسات، تتجاوز قيمتها 600 مليون دولار خلال عام 2021، ليبلغ الإنفاق العسكري نحو 16.6 في المئة من الإنفاق العام للبلاد.
تسليح محدود
وبرر وزير الدفاع العراقي جمعة عناد، في تصريحات صحافية بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الجيش، استمرار ارتفاع الإنفاق العسكري بالنقص الكبير الذي تعانيه المؤسسة العسكرية بعد حرب السنوات الثلاث ضد تنظيم “داعش”.
وأضاف عناد أن نسبة تسليح الجيش لا تتجاوز 30 في المئة، وهناك نقص كبير في المعدات والمستلزمات الضرورية لعمله، مشيراً إلى أنه يستخدم حالياً رادارات مدنية في عمله، بدلاً من العسكرية التي يفتقدها.
مخصصات أكبر
وتؤيد لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب ما ذهب إليه عناد في شأن الحاجة إلى مزيد من المخصصات للمؤسسة العسكرية لتوفير حاجاتها.
ويقول عضو اللجنة، عباس سروط، إن الوزارات الأمنية تطلب أكثر من المبلغ المخصص لها في الموازنة، لحاجتها إلى معدات قتالية للدفاع الجوي والقوة الجوية وإنشاء معسكرات.
وتحتاج الوحدات العسكرية إلى معدات متطورة كلفتها عالية، بخاصة في الجانب الاستخباري، لكن من الصعب وضع مخصصات لها في موازنة 2021، وفق سروط، الذي أكد أن “الوضع الاقتصادي الذي يمر به العراق لا يسمح بزيادة مخصصات القوات المسلحة”.
لكن اللجنة المالية في مجلس النواب تختلف في تصوراتها مع لجنة الأمن والدفاع وعموم المؤسسات العسكرية العراقية، إذ تعتبر أن مخصصاتها مبالغ فيها، وستخفض لتنسجم مع الإمكانات الحالية.
ويقول مقرر اللجنة أحمد الصفار، إن الأرقام الواردة في الموازنة غير واقعية، ومن ضمنها الخاصة بالنفقات العسكرية، وأنه سيجري النقاش في شأنها لتخفض، مشيراً إلى أن العراق لا يمر بحال حرب لتكون لديه خطة تسليحية.
ويضيف الصفار أن “مسودة موازنة 2021 ستناقش في مجلس النواب بكل بنودها، بخاصة أنها غير منسجمة مع التوجه الحكومي بترشيد النفقات”.
ويبيّن الصفار أن اللجنة ستستضيف الوزراء ومديري الهيئات لمناقشة حاجاتهم وأرقام الموازنة لإجراء التغييرات اللازمة.
نقص معدات
ويرى خبراء عسكريون أن العراق بحاجة إلى تجهيزات ومعدات عسكرية في بعض الفرق التي تواجه مشكلات حقيقية أثناء تأديتها واجباتها، مما قد يتسبب بتراجع أداء التشكيلات العسكرية الأخرى.ويعتقد المستشار العسكري السابق صفاء الأعسم، أن العراق بحاجة إلى شراء أسلحة متطورة من ضمنها أسلحة دفاع جوية وطائرات، مشيراً إلى أن الموازنة المخصصة ستسد جزءاً من الأمور اللوجستية الخاصة بإنشاء مخازن لهذه الأسلحة والتدريب عليها.
ويضيف الأعسم أن هناك حاجة إلى تطوير الجهد الاستخباري للأجهزة الأمنية وشراء سلاح متطور، لا سيما أن العراق غيّر وجهته التسليحية إلى المعسكر الغربي، بعد أن كان يعتمد على روسيا.
وفقد الجيش عدداً من معداته وأسلحته خلال الحرب مع “داعش”، وفق الأعسم، الذي شدد على ضرورة سد هذا النقص كون البلاد مهددة في ظل الخلاف بين إيران والولايات المتحدة، فضلاً عن الانتهاك المستمر للسيادة العراقية.
ترهل إداري كبير
يرى رئيس مؤسسة عراق المستقبل للدراسات الاقتصادية منار العبيدي، أن الموازنة المرصودة للوزارات الأمنية ستكون في غالبيتها تشغيلية خاصة برواتب الموظفين، مشيراً إلى وجود ترهل إداري كبير في هذه المؤسسات.
ويضيف العبيدي أن “الإنفاق على المؤسسة العسكرية زاد منذ العام 2010 بسبب الأعداد المتزايدة من الموظفين في القطاع الأمني، في وزارتي الدفاع والداخلية وهيئة الحشد الشعبي والاستخبارات وغيرها، مقترحاً تحويل كثير من هذه الكتلة البشرية إلى تنفيذ مشاريع صناعية وزراعية لرفع الناتج المحلي”.
ويمكن خفض هذه النفقات من خلال الكشف عن أعداد الفضائيين (تعبير يطلق على الأسماء الوهمية من الموظفين) في وزارتي الداخلية والدفاع، وفق العبيدي.
ويوجد في العراق نحو مليونا عنصر أمني يتوزعون على مؤسسات الجيش والشرطة والأمن الوطني والحشد الشعبي والاستخبارات وجهاز مكافحة الإرهاب.
وعلى الرغم من هذه الأعداد إلا أن مناطق عدة في البلاد لا تزال تشهد خروقات أمنية كبيرة، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من العسكر والمدنيين، خصوصاً في المناطق التي تشهد نشاطاً لتنظيم “داعش”، في شمال وغرب بغداد.
كما أن تعامل الأجهزة الأمنية غير الحاسم مع الخروقات والهجمات التي تقوم بها الميليشيات الشيعية، دفع إلى التشكيك في مدى كفاءتها في حفظ استقرار البلاد.
مؤيد الطرفي
اندبندت عربي