جاءت الأزمة الخليجية مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وقطعت أولى خطوات حلها مع انتهاء ولايته بقدوم الرئيس الديمقراطي جو بايدن، الذي توعّد بانتهاج سياسة مغايرة لسياسة سلفه تجاه السعودية ودول أخرى بالمنطقة.
وقطعت كل من السعودية والبحرين والإمارات بالإضافة إلى مصر علاقاتها مع دولة قطر في يونيو/ حزيران 2017، بعد أيام فقط من أول جولة خارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب تسلمه السلطة في الولايات المتحدة في يناير/ كانون الثاني من نفس العام.
شكلت الدول الأربع تحالفا رباعيا حاول فرض شروط قاسية على الدوحة التي رفضتها جميعا طيلة أكثر من ثلاثة أعوام.
وركزت الدول الأربع في شروطها الثلاثة عشر على “دعم قطر للجماعات الإرهابية” وعلاقاتها مع إيران وتركيا وحركات الإسلام السياسي والتغطية الإعلامية لشبكة الجزيرة، وهي الاتهامات التي رفضتها الدوحة وأبت الامتثال لمطالب تلك الدول أو أي مساس بقرارها السيادي.
ومن بين أهم الملفات الخلافية سواء التي وردت في الشروط الثلاثة عشر والتي ارتبطت بسقف زمني رفضته دولة قطر، أو المبادئ الستة التي أعلنتها الرباعية العربية لمكافحة الإرهاب، دور حركات الإسلام السياسي في المنطقة والموقف القطري الداعم لها، والتغطية الإعلامية لشبكة الجزيرة ومنصات إعلامية ممولة قطريا، والعلاقات بين دولة قطر وإيران، وما يتعلق بالتواجد العسكري التركي، ودعم الجماعات الإرهابية مثل جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) وتنظيم القاعدة، والمجموعات المسلحة المتطرفة مثل الحشد الشعبي وجماعة الحوثي وغيرهما.
طيلة سنوات، فشلت جهود الوساطة الكويتية “الرسمية” بقيادة أمير الكويت الراحل صباح الأحمد الجابر الصباح وسلطنة عمان بوساطة غير رسمية وجهود أخرى بذلتها الولايات المتحدة.
ومع عقد قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في 5 يناير/ كانون الثاني الجاري بمدينة العلا شمال غربي السعودية، تكون الأزمة الخليجية قد دخلت مسارا جديدا ينحو باتجاه المصالحة الدائمة على الرغم من عدم تطرق البيان الختامي للقمة إلى ما اتفق عليه أو آليات تنفيذ المصالحة وحل الملفات الخلافية بين قطر والدول الأربع.
ويرى محللون أن السعودية اختارت توقيت المضي باتجاه المصالحة مع اقتراب وصول جو بايدن المرتقب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري، ومخاوفها من تصريحات سابقة.
يرى محللون أن السعودية اختارت توقيت المضي باتجاه المصالحة مع اقتراب وصول جو بايدن المرتقب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، ومخاوفها من تصريحات سابقة.
تلك التصريحات أكد فيها بايدن إعادة تقييم العلاقات مع السعودية وإخضاع سجلها في حقوق الانسان للتدقيق، في إشارة إلى الاعتقالات التي طالت ناشطين في مجال حقوق الإنسان وقادة الفكر واغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وتبعات الحرب في اليمن ومقتل آلاف المدنيين وبلوغ الأزمة الإنسانية مراحل خطيرة، إضافة إلى عزم بايدن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب منه ترامب في مايو/ أيار 2018.
هناك ثمة شكوك حول جدية المصالحة الخليجية المعلن عنها.
يعتقد الكثيرون أن المصالحة افتقرت إلى بحث الملفات الخلافية “الحساسة” واقتصرت على إجراءات بعيدة عن الجانب السياسي، بهدف إعادة بناء الثقة، مثل إعادة فتح الأجواء البرية والجوية والبحرية للدول الأربع أمام حركة الطائرات والشاحنات والسفن القطرية، وحرية تنقل مواطني الدول المعنية بالأزمة الخليجية، إضافة إلى ما يتعلق باستمرار الحوارات مستقبلا.
لم يتطرق بيان “العلا” لعودة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء، لكن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أفاد في تصريحات لوسائل الإعلام أن “مخرجات القمة أكدت طيًا كاملًا لنقاط الخلاف مع قطر”، وعودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة ثانية.
يعتقد على نطاق واسع أن طرفي الأزمة وجدا نفسيهما أمام واقع يرغمهما على طي صفحة الخلافات أو جزء منها في المرحلة الراهنة، حيث تشهد الولايات المتحدة متغيرات جذرية محتملة بعد استلام بايدن السلطة وموقفه المعلن بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية، وما يتعلق بالملف النووي الإيراني، والتوترات في المنطقة، والتطبيع مع إسرائيل، وغيرها من قضايا المنطقة.
تشهد الولايات المتحدة متغيرات جذرية محتملة بعد استلام بايدن السلطة وموقفه المعلن بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية، وما يتعلق بالملف النووي الإيراني، والتوترات في المنطقة، والتطبيع مع إسرائيل، وغيرها من قضايا المنطقة.
ووقع القادة الخليجيون ورؤساء الوفود “بيان العلا” في ختام أعمال الجلسة الافتتاحية للقمة 41 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون للدول الخليجية، التي عقدت برئاسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بغياب الملك سلمان بن عبد العزيز.
أكد بيان القمة على “قوة وتماسك مجلس التعاون ووحدة الصف بين أعضائه، والرغبة في تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط بينها، ووقوفها صفا واحدا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس”.
رحبت القمة بالتوقيع على “بيان العلا” بهدف تعزيز وحدة الصف والتماسك بين دول المجلس وعودة العمل الخليجي المشترك إلى “مساره الطبيعي” في إشارة إلى المصالحة الخليجية دون التطرق إليها بشكل مباشر.
لم يتطرق بيان أو إعلان “العلا” إلى النقاط الخلافية بين دولة قطر والدول الأخرى، أو أي إشارة إلى آليات تنفيذ المصالحة الخليجية التي يدور الحديث عنها على لسان المسؤولين الخليجيين في تصريحاتهم الرسمية، والتي تؤكد على أن تفاصيل مسار المصالحة ستكون على جدول أعمال جلسات حوارية ثنائية أو مشتركة ستعقد لاحقا.
ومع أن مسؤولين من الدول الأربع لم يتطرقوا في تصريحاتهم بصراحة عن تفاصيل ما يمكن أن يكون قد اتفق عليه مع دولة قطر، إلا أن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تحدث لصحيفة “فاينانشال تايمز” عن موافقة بلاده على التعاون في مكافحة الإرهاب، وترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، وتعليق القضايا القانونية المتعلقة بالمقاطعة.
ومن المتوقع أن تشهد الأسابيع المقبلة، حوارات ثنائية بين دولة قطر والدول الأربع لمناقشة القضايا الخلافية.
قد يكون ولي العهد السعودي الذي ينظر إليه على أنه صاحب قرار فرض الحصار على دولة قطر ومقاطعتها بالتنسيق مع حليفه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لديه رغبة حقيقية في جذب دولة قطر إلى المجلس ثانية من أجل إعادة وحدة الصف الخليجي وتماسكه في مواجهة التهديدات الإيرانية المحتملة بعد انتهاء ولاية حليفه دونالد ترامب.
ويميل مراقبون غربيون إلى ترجيح احتمالات حاجة الولايات المتحدة إلى دور قطري فاعل يستغل العلاقة المتينة بإيران للعب دور الوسيط بين إدارة بايدن وإيران، التي أعلن وزير خارجية قطر أن علاقات بلاده معها لن تتغير أو تتأثر بالمصالحة المرتقبة.
لا تزال المصالحة الحقيقية في مراحلها الأولى، في وقت لا زالت تتباين سياسات الدول الخليجية حول ملفات عدة، مثل الملف اليمني والليبي والسوري وملفات حركات الإسلام السياسي والعلاقات مع تركيا وإيران.
لكن من غير المستبعد أن تكون هناك انفراجة قادمة تستند إلى اتفاقيات بين القادة المعنيين بالأزمة لم تظهر في بيان “العلا” أو تصريحات المسؤولين، تفاديا لإحراج أي منهم في حال كانت هناك ضمانات معينة أو تنازلات من طرف أو آخر.
(الأناضول)