بعد أسبوع من البريكست.. الشركات البریطانیة تبدأ بالنحيب

بعد أسبوع من البريكست.. الشركات البریطانیة تبدأ بالنحيب

بدأت بريطانيا مع مطلع 2021 صفحة جديدة في علاقتها مع أكبر شريك تجاري لها وهو الاتحاد الأوروبي، وقد تسبب ذلك في سلسلة من المشاكل الاقتصادية والتجارية، خاصة بالنسبة للشركات.

وقالت إيش نلسون في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية (New York Times) إن الشركات البريطانية بدأت في غضون أسبوع تلمس آثار صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث تأخر تسليم الواردات الغذائية بسبب عدم توفر الأوراق الجمركية الصحيحة، وتوقفت شركات الخدمات اللوجستية عن شحن البضائع، واكتشف تجار التجزئة أن سلاسل التوريد قد عفا عليها الزمن.

وبعد عقود من العمل داخل الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة للاتحاد الأوروبي باتت الشركات البريطانية تواجه تحديات وتغييرات جديدة كل يوم، فمنذ اليوم الأول بعد إمضاء الصفقة الموافق ليوم الاثنين لم يعد من الممكن تداول أسهم الشركات الأوروبية على المنصات التي تتخذ من لندن مقرا لها، وانتقلت بدلا من ذلك إلى منصات التداول الأوروبية مثل أمستردام وباريس.

ويوم الثلاثاء، واجه متجر التجزئة البريطاني “ماركس آند سبنسر” (Marks & Spencer) مشكلة في نقل السلطات الطازجة والأطعمة الجاهزة الأخرى عبر القناة الإنجليزية إلى فروعه في فرنسا.

ويوم الأربعاء، صرح محافظ البنك المركزي البريطاني أمام لجنة برلمانية بأن صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستكلف الاقتصاد البريطاني حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات القليلة المقبلة.

ويوم الخميس، أبلغ مربو السلمون في أسكتلندا -الذين تنقل منتجاتهم من البحر إلى الأسواق الفرنسية في غضون 24 ساعة- عن حدوث تأخيرات في عملهم بموجب شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الجديدة، وقالت مجموعة “سكوتلاند” (Scotland) للأغذية والمشروبات إن قواعد التجارة الجديدة والمعقدة تسببت في تعطل عمل شركات المأكولات البحرية.

ويوم الجمعة، صرحت شركة التسليم الأوروبية الكبيرة “دي بي دي” (DPD) -التي نقلت أكثر من مليار طرد حول العالم في سنة 2019- بأنها ستتوقف عن إرسال الطرود من بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي حتى منتصف الأسبوع المقبل على الأقل، وذلك إلى حين إيجاد أنظمة دفع حدودي جديدة.

أعباء تنظيمية وإدارية
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بسرعة فرض عبئا لوجستيا وتنظيميا وإداريا لم تكن العديد من الشركات مستعدة لتحمله، وفي ظل الجائحة وخوض البلاد جولة ثالثة من الإغلاق لن يؤدي ذلك إلا إلى زيادة الوضع سوءا، وحسب المحللين فإن الاقتصاد يتجه نحو ركود مزدوج.

والعام الماضي، وضعت بعض الشركات جانبا جهود التخطيط لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في محاولة للصمود في مواجهة الجائحة، لكن حتى الشركات التي حاولت الاستعداد لهذه اللحظة واجهت عقبة أساسية، إذ لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة التجارة مع الاتحاد الأوروبي حتى 24 ديسمبر/كانون الأول، ولم يصبح نص الاتفاق متاحا حتى 26 من نفس الشهر.

اعلان
ووفقا لبيانات وكالة الضرائب البريطانية، فإن العديد من الشركات البريطانية (150 ألف شركة على الأقل) لم تقم بأعمال تجارية أبدا خارج الاتحاد الأوروبي، وبالتالي ليست لديها خبرة في التعامل مع أنظمة الجمارك.

الوضع في أيرلندا الشمالية يزيد الأمر تعقيدا، حيث ستبقى جزئيا في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، وهو استثناء يلغي الحدود مع جمهورية أيرلندا ولكنه ينشئ حدودا في البحر الأيرلندي.

وتوقعت بعض الشركات حدوث مشكلات عبر الحدود مع أوروبا، لذلك لجأت إلى تكديس مخزوناتها من السلع قبل انتهاء فترة الانتقال، وقد أدى ذلك إلى إبقاء الشحنات عبر الحدود دون مستواها الطبيعي إلى حد ما، وخلال الأسابيع القليلة المقبلة ومع نفاد هذه المخزونات سوف يرتفع النشاط التجاري، مما سيؤدي إلى تفاقم التأخيرات.

العديد من الشركات البريطانية لم تقم بأعمال تجارية أبدا خارج الاتحاد الأوروبي وليست لديها خبرة في التعامل مع أنظمة الجمارك (غيتي إيميجز)
متطلبات قواعد المنشأ
هناك مشكلة جديدة أخرى يواجهها كبار تجار التجزئة ذوو المواقع الدولية وهي “متطلبات قواعد المنشأ” التي تحدد ما إذا كان المنتج الذي يغادر بريطانيا تتوفر فيه شروط التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني أن تجار التجزئة الدوليين الذين يستخدمون مواقع في بريطانيا كمراكز توزيع لم يعد بإمكانهم الآن إعادة تصدير منتجاتهم تلقائيا إلى متاجرهم في الاتحاد الأوروبي دون دفع الرسوم الجمركية.

فعلى سبيل المثال، لا يمكن لشركة ما استيراد الجينز من بنغلاديش أو الجبن من فرنسا إلى مركز في إنجلترا ثم إعادة الإرسال إلى متجر في أيرلندا دون دفع رسوم التصدير، وقد أكد اتحاد التجزئة البريطاني أن ما لا يقل عن 50 من أعضائه يواجهون مثل هذه التعريفات.

وبينما تكافح الشركات البريطانية لمواكبة التغييرات التي تطرأ على قواعد التجارة فإن السؤال المطروح الآن هو: ماذا ستفعل بريطانيا بالسيادة والحرية اللتين ضمنتهما من خلال مغادرة الاتحاد الأوروبي؟ يتعين على الحكومة أن تقرر إلى أي مدى تريد الابتعاد عن قواعد أوروبا، والمجالات التي قد ترغب في تحريرها، وما إذا كانت تريد دفع ثمن ذلك.

وحسب ديفيد هينيغ مدير مشروع سياسة التجارة بالمملكة المتحدة في المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي، فإن التجارة الحديثة والتنظيم الحديث يتطلبان مستوى من التكامل، خاصة إذا لم تكن الدولة كبيرة مثل الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن المملكة المتحدة تجري تجارب لمحاولة اكتشاف ما إذا كان بإمكانها الحفاظ على مكانتها دون الحاجة إلى اتباع قواعد الآخرين.

وبالنسبة للشركات، هناك حتى الآن القليل من الفوائد الملموسة الفورية من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويرى مؤيدو البريكست أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان دائما يتمحور حول السيادة وليس الأعمال التجارية، وقد سمح لبريطانيا بمراجعة قوانين الهجرة الخاصة بها.

واستبعدت الكاتبة تحقيق أي مكاسب كبيرة على المدى القصير من الترتيبات التجارية الجديدة لبريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، في ظل استمرار الوباء في التأثير على الاقتصاد.