ركّب بشار الأسد، بإيحاء روسي، مؤامرة كونية على نظامه، طرفها الخارجي الرئيس هو الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، أما الداخلي فهو المتآمر الدائم: الشعب السوري، عميل واشنطن وتل أبيب القديم، الذي لم يعد فيه فرد واحد غير عميل أو إرهابي. وبهذه التركيبة، صارت معركة الأسدية ضد مؤامرة إمبريالية/ صهيونية انخرط السوريون فيها زرافاتٍ ووحدانا، فانقلبت جرائم جيشها ضدهم إلى بطولاتٍ وطنيةٍ كسرت الأيدي التي امتدت إليها.
هذه التركيبة عن تآمر الشعب السوري مع صهاينة واشنطن وتل أبيب، عدوه اللدود بحكم إخلاصه الأبدي لقيادته الثورية، تثير العجب، وتطرح أسئلة منها: لماذا امتنع شريكا الشعب في المؤامرة عن حمايته من الذبح، وتركا الأسدية تشطبه من موازين الصراع، وتقوّض دوره في المؤامرة؟ فهل كان البيت الأبيض عاجزا عن حمايته، أو مستغنيا عنه وعن دوره؟ في الحالة الأولى، تكون المؤامرة سيئة التخطيط، وينتظرها فشل حتمي، لأسباب منها إما ضعف واشنطن وتل أبيب وخوفهما من مجابهة جيش الأسد، وافتقارهما لما يكفي من قوة لتحاشي الهزيمة على يديه، أو أنهما لم توظفا قوتهما لهزيمة الأسدية. وفي الحالتين، لا تكون هناك مؤامرة على الأسدية، بل مؤامرة على السوريين، بدليل تخلي البيت الأبيض عنهم، وتنكّره عبر تصريحاتٍ متكرّرة لثورتهم، بحجة أنها ثورة مزارعين واطباء أسنان، كما قال أوباما؟ إذا كانت واشنطن وتل أبيب تتآمران على الأسد، فلماذا لم تستغلا تمرّد الشعب عليها كعدو، لتنقضّا عليها، عندما وصلت عامي 2012 و2015 إلى حافة الانهيار، وسارع حزب الله والجيش الروسي إلى إنقاذها، وكان إسقاطها متاحا، وسهلا، لكنهما تفرّجتا على الغزاة، وهم يسقطون الشعب الثائر، حليفهما المزعوم، وأحجمتا عن فعل أي شيءٍ لحماية أطفاله ونسائه من السلاح الكيميائي، حتى بعد خط أوباما الأحمر، وتهديده شخصيا باستخدام القوة ضد الأسدية، إن أقدمت على قصف السوريين به. وعندما قصفته، وضربت عرض الحائط بالتهديد، لم يعاقبها. وقبل أن تفتش لجنة الأمم المتحدة المواقع التي يسمح الأسد بتفتيشها من دون غيرها، وحين تبين أنه لم يسلم كل ما لديه من اسلحة كيميائية، امتنعت واشنطن عن تطبيق البند السابع من قرار مجلس الآمن عن نزعها منه. أهكذا عودتنا واشنطن وتل أبيب أن تتآمرا، وكيف تتآمران إن وقفتا مكتوفتي الأيدي فيما بعد، بينما الأسدية تتسلّى باستخدام اسلحتها المحظورة دوليا؟
هل كان من المؤامرة تأييد أميركا وإسرائيل دخول حزب الله، ثم روسيا، إلى سورية لسحق ثورتها وإنقاذ الأسد، وكيف يفسر امتناعهما عن ممارسة أي رد فعل عليهما، لو كانا يتآمران حقا على النظام الأسدي؟
سأفترض أن واشنطن نأت بجيشها عن المؤامرة، لماذا امتنعت عن تزويد المعارضة المتآمرة معها بصواريخ مضادّة للطائرات، وعن فرض منطقة حظر جوي يحمي ما احتله حليفها السوري المتآمر عام 2013، ويعادل ثلثي الأرض السورية، تركها المتآمران الدوليان تسقط في يد إيران وحزب الله وروسيا: الأطراف التي كانت تحبط مؤامرتها؟ أخيرا، إن كانت واشنطن متآمرة على الأسد، بماذا يفسّر إحجامها عن تطبيق قرارات دولية داعمة لشريكها السوري في المؤامرة، وكان تطبيقها يحقق أهدافها؟
تقوم أكذوبة المؤامرة الأسدية/ الروسية على سذاجةٍ تدّعي أن الجيش الأسدي الذي يرى جنرالات روسيا أنه يصلح للتشبيح والتعفيش، ولا يصلح لتحقيق انتصار، هزم أميركا وإسرائيل والشعب السوري، بمجرّد أن دعمته موسكو بقرابة أربعين طائرة، وغزا الحرس الثوري ما يدّعي أنها بلاده. إذا كان هذا هو ما حدث حقا، أين كانت المؤامرة، وكيف سمحت أميركا للمعفشين والمشبحين بهزيمتها، وكيف تشبّح إسرائيل ليلا ونهارا فوق سورية، إن كان جيش التعفيش قد أفشل مؤامرتها؟
ينطلي هذا الكذب على قلةٍ مسحت الأسدية عقولها، ويسخر منه شعب الثورة!
ميشيل كيلو
العربي الجديد