تبارى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير الدفاع بيني غانتس في أيهما يصادق أكثر من الآخر على الترخيص ببناء وحدات استيطانية جديدة في أراضي الضفة الغربية المحتلة، ليس بسبب اختلاف بينهما حول مبدأ توسيع المستوطنات وطبيعة أو مواقع الأراضي المخصصة للبناء فكلاهما على رأي مطابق أو يكاد، بل بسبب تنافسهما على استباق رحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ولم يكن غريباً أن يكون عرّاب هذه المشاريع الجديدة جيرالد كوشنر مستشار ترامب وصهره وأحد مهندسي ما يسمى «صفقة القرن» بالتضافر مع السفير الأمريكي لدى دولة الاحتلال دافيد فردمان الذي لا يقلّ حماساً عن كوشنر في إسباغ الصفة الشرعية على مختلف جوانب الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
كذلك ليس الأمر أن الحكومة الإسرائيلية تنتظر الإذن من الرئيس المنتخب جو بايدن كي تطلق أو توقف مشاريع الاستيطان، فالاحتلال يعتبر قرارات مثل هذه «سيادية» لا تخص واشنطن أو أية جهة حليفة أو صديقة لدولة الاحتلال، كما أن مجموعات الضغط الإسرائيلية في البيت الأبيض وفي قلب الكونغرس كفيلة بتغطية أي قرار يصون الاحتلال. غير أن بعض الاحتياط قد يكون خامر نتنياهو وغانتس في أن بايدن قد يقتدي برئيسه السابق وصديقه باراك أوباما في الامتناع عن استخدام حق النقض الأمريكي ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يقضي بوقف الاستيطان، كما حدث أواخر ولاية أوباما الثانية سنة 2016. وليس مستبعداً أيضاً احتمال حرص قادة الاحتلال على إنذار الإدارة الأمريكية الجديدة بأن أي تغيير في سياسة الاستيطان الإسرائيلية ليس وارداً، بل العكس هو الصحيح.
كذلك يبدو وزير شؤون المستوطنات في حكومة الاحتلال على عجلة من أمره قبيل مغادرة ترامب، فقد سارع إلى إعداد مشاريع إسباغ الصفة الشرعية على عدد من البؤر الاستيطانية في أراضي الضفة الغربية، تجاوزت 124 وحدة بما في ذلك ضمن أراضي القدس المحتلة، وهذه جرى تشييدها بمعزل عن الترخيص الحكومي أصلاً، وخالفت أنظمة البناء التي تعتمدها سلطات الاحتلال ذاتها. وفي حال منح الشرعية لهذه البؤر الاستيطانية فإنها، من جانب آخر، سوف تنتهك المخططات التي وضعتها إدارة ترامب ذاتها لترسيم «صفقة القرن» الأمر الذي لم يمنع نتنياهو من الوعد بإقرارها. وهنا أيضاً لا يبدو التسابق مستغرباً بالنظر إلى أن مشاريع الاستيطان زادت في عهد ترامب بمعدل أربعة أضعاف، وفي التوازي معها تضاعفت معدلات هدم بيوت الفلسطينيين لتأمين مساحات إضافية من الأراضي وبناء وحدات استيطانية جديدة.
وإذا لم يكن مختلفاً كثيراً عن المألوف أن تناصر الإدارات الأمريكية سياسات الاستيطان الإسرائيلية، وأن تذهب إدارة ترامب في هذا أبعد بكثير من سابقاتها، فإن مما يؤسف له أن هذه السياسات ذاتها تجري وتتوطد وتتفاقم على مرأى ومسمع أنظمة عربية انخرطت في التطبيع مع دولة الاحتلال، وتزعم في الآن ذاته أنها حريصة على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. وبهذا المعنى فإن التشجيع الضمني الذي يلقاه أمثال نتنياهو وغانتس من العرب المهرولين إلى التطبيع، والساكتين عن الانتهاكات الإسرائيلية المتعددة ضد القانون الدولي الذي يعتبر المستوطنات غير شرعية، ليس أقلّ قيمة من التشجيع العلني الذي يصدر عن ترامب ورجال إدارته.
القدس العربي