هل سنودّع الحقبة الترامبية؟

هل سنودّع الحقبة الترامبية؟

ودّع الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب العالم بإصدار 73 قرارا بالعفو عن محكومين بجرائم فدرالية مما يضاعف عدد الذين أصدر العفو عنهم خلال حكمه، كما قام بتخفيف أحكام 70 آخرين، وتوزّع العفو على أشخاص بجرائم متنوعة، بينها الفساد بأشكاله والسرقة وإطلاق النار والتزوير والابتزاز وبيع المخدرات وغيرها.
وفي خطبته الأخيرة كرئيس أمام ضباط وجنود، قال ترامب إنه «سيعود بطريقة أو بأخرى» وهي طريقته للقول إن سكان كوكب الأرض لن يتمكنوا من التخلّص منه، أو حتى نسيانه، فالرئيس الأمريكي الراحل شخص ليس مؤهلا عقليا لقبول فكرة أنه يخطئ كبقية البشر، ولا يتقبل هزيمة من أي نوع، وقد تعوّد، على مدار حياته، على طرد من يقولون له إنه مخطئ، في مسلسل ظل مستمرا طيلة حياته قبل الرئاسة، فحين يُفلس كان يجد من يساعدونه بالأموال، وحين ينزعج من زوجة يطلقها، وهو مسلسل استمر بعد رئاسته مع عدد هائل من الوزراء والمستشارين (بينهم ستيفن بانون الذي شمله العفو الأخير) والموظفين الكبار والصغار.
الأمريكيون من جهتهم، قاموا بتنفيذ الجزء الأول من مسلسل توديع ترامب، بطرده من الرئاسة، وحسب آخر استطلاعات أجريت في الولايات المتحدة، من شركة الأبحاث المستقلة وجامعة كوينيبياك وشركة غالوب فإن رفض ترامب بلغ نسبة 62٪ من الأمريكيين، وبذلك حظي بأسوأ تقييم لشخصه منذ بداية حكمه، ومن الناحية التنفيذية، فإن جو بايدن، الرئيس الجديد، سيصدر، حسب ما ذكرته وسائل إعلام عديدة، 17 قرارا تنفيذيا لشطب قرارات ترامب السابقة، ومنها منع مواطني عدة دول مسلمة من دخول أمريكا، وبناء جدار على حدود المكسيك، والعودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، ولمنظمة الصحة العالمية، وغير ذلك من القرارات.
عمدة واشنطن، موريل باوزر، حاولت تلخيص المهمة المطلوبة من الأمريكيين بعد رحيل ترامب بعرض صورة المروحية التي نقلته وعائلته خارج واشنطن، والتعليق عليها بالقول: «حان وقت لملمة الأشلاء، وشفاء هذه الأمة العظيمة» في تعبير عن الكارثة السياسية والبشرية الهائلة التي أدت إليها حقبة ترامب.
وبشكل يعكس التأثير السلبيّ لترامب على كافة نواحي الحياة، كان لافتا أن تصوت نقابة الممثلين الأمريكيين «بغالبية ساحقة» على إطلاق إجراءات تأديبية ضد ترامب قد تؤدي لطرد الرئيس المنتهية ولايته، والذي كان لمدة طويلة مقدما لبرنامج تلفزيون الواقع الشهير «ذي أبرانتيس» من صفوفها، وذلك على خلفية اقتحام أنصاره لمبنى الكابيتول، وبسبب هجومه على قيم الديمقراطية والحقيقة واحترام المواطنين من كل الأعراق والأديان، وكذلك على حملة التضليل الإعلامي الخطيرة الهادفة لتشويه سمعة الصحافيين وتهديدهم.
وكما سيقوم الأمريكيون بـ«لملمة الأشلاء» فإن مناطق كثيرة في العالم ستقوم بذلك فعليا، بدءا من دوره في زيادة الخراب البيئي العالمي، ومرورا بمساندته الكبيرة لطغاة العالم، واعتباره رمزا للتيارات الشعبوية والسلطوية واليمينية المتطرفة، وستتذكره المنطقة العربية بالتأكيد، وخصوصا الفلسطينيين، الذين شهدوا خلال عهده اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إلى القدس، وقطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية، ووكالة الغوث «الأونروا» والمستشفيات في القدس الشرقية، وإغلاق مكتب م. ت. ف. في واشنطن، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وتشريع المستوطنات، ورعاية التطبيع الخ.
يشبه وجود ترامب في الحكم إلى حد كبير، الوباء الذي اجتاح العالم، وتناظر خروجه منها مع اكتشاف أنواع اللقاح، والاستعداد لتطعيم مئات الملايين، على أمل الخروج من هذه الكارثة الكبرى، ولعلّ انتخاب ترامب، وتمكّن الأمريكيين من إفشال محاولته الحمقاء للبقاء في البيت الأبيض، ورفض نتائج الانتخابات، سيقدّم نوعا من اللقاح لهذا الوباء، وللحقبة الترامبية برمّتها، التي ناءت بكلكلها على صدر العالم.

القدس العربي