هل بقيت نظرية “نهاية التاريخ” صامدة في أوج أزمات العالم

هل بقيت نظرية “نهاية التاريخ” صامدة في أوج أزمات العالم

ربما لم تكن أي فكرة منذ نهاية الحرب الباردة موضع نقاش أكثر من مفهوم فرانسيس فوكوياما عن “نهاية التاريخ”. ففي مقال نشر عام 1989 واستخدم فيه عبارة “نهاية التاريخ” كعنوان، وإن كان كسؤال، ثم في كتابه عام 1992 “نهاية التاريخ والرجل الأخير”، جادل الباحث والفيلسوف السياسي بجامعة ستانفورد الأميركية أنه مع انهيار الشيوعية كان الطريق واضحًا من أجل الانتشار العالمي للديمقراطية الليبرالية والرأسمالية على النمط الغربي.

وقد أشار إلى أن الجنس البشري ربما يكون قد وصل نوعًا ما إلى نقطة النهاية في تطوره الاجتماعي والسياسي، لكن الأمور لم تسر بهذه البساطة، وقد أمضى فوكوياما العقود الثلاثة الماضية في التعامل مع المنتقدين وتطوير آرائه بشكل أكبر.

ويقول فوكوياما (68 عاما) إن مفهومه الأصلي المشتق من الفيلسوف الألماني جي هيغل، كثيرا ما أسيء فهمه، إذ يشدد على أنه لم يقصد أبدًا أن يجادل في أن الديمقراطية والرأسمالية ستنتشران في كل مكان، بل بالأحرى أن الديمقراطية فقط هي القادرة على تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية للاعتراف الفردي وأنه لا توجد بدائل أفضل من حيث يبدو أن العالم يتطور نحوها.

وفي مقابلة أجراها معه الكاتب مايكل هيرش لمجلة فورين بوليسي الأميركية، أكد فوكوياما أنه لا يزال يعتقد أن هذا صحيح، لكن هناك العديد من المزالق للديمقراطية التي لم يتوقعها كما ظهر مؤخرًا في صعود وسقوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب.جددت التقلُّبات التي شهدتها الولايات المتحدة مؤخرا النقاش القديم حول دور الهُوية في السياسة الأميركية وبصورة خاصة في أحداث اقتحام مبنى الكونغرس (الكابيتول) في وقت سابق هذا الشهر، وقد توقع فوكوياما في مقال عام 2014 ثم في كتاب “الهوية: مطلب الكرامة وسياسة الاستياء” الصادر في 2018، قوة سياسات الهوية المدفوعة بالاستياء في تقويض الديمقراطية.

ويعتقد المفكر الأميركي أن أحد الأشياء التي حدثت على الطرف اليميني أكثر مما حدث على الطرف اليساري هو الانتقال من الاستقطاب والانقسامات السياسية القائمة على قضايا السياسة إلى تلك القائمة على الهوية، بمعنى أن القضية الأساسية هي الولاء لرؤية معينة لما يجب أن تبدو عليه الأمة وما يجب أن تكون عليه قيم الأشخاص الذين يديرونها، بدلاً من تناول قضايا الإجهاض أو الأسلحة أو معدلات الضرائب أو أي من الأشياء التي كانت تعمل على زيادة الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين.

وبسبب جنون ترامب، رأى أن الأمر بات شخصيًا للغاية. ويسرد كيف أدهشته متابعة تعليقات الأشخاص الذين يقومون بأعمال شغب على منصة بارلر. واستنادا على ما جرى، فإن المعيار الحقيقي وفق وجهة نظره لا يدور حول إصدار حكم مستقل، أو الاعتقاد بأن ما حصل فكرة جيدة أم سيئة، بل يتعلق بما سيفعله الناس حينما يطلب منهم الرئيس ذلك وفقا للهوية التي يتبناها.

ومن الواضح أن هذا الأمر سيء لجميع أنواع الأسباب، وفق فوكوياما، لأنه لا يعتمد في الواقع على المداولات فقط، بل على هذا الولاء القبلي الخالص. ففي التقليد القديم، كان هذا الولاء القبلي مرتبطًا بالهوية المسيحية، أما الأنواع الجديدة من الولاءات فتستند فقط إلى نظريات المؤامرة المجنونة.

وفي ضوء ما حصل في الولايات المتحدة، فإن لدى فوكوياما قناعة بأن ذلك يمكن أن يحدث في دول أخرى. وعلى سبيل المثال، يفكر المواطنون في الشرق الأوسط دائمًا في أن شخصًا ما يسحب الأوتار وراء الكواليس، وهو يمثل الواقع بالنسبة إليهم، ولكن الدرجة التي ترسخت فيها هذه المعتقدات جديدة بالفعل.

ولا يبدو أن ترامب حالة فريدة في التاريخ الأميركي، فربما كان يحصل مع أي رئيس آخر، وثمة أمثلة كثيرة على مثل هذه الوضع كمجتمع جون بيرش والكثير من المجانين في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لكن رجل النبوءات غير المكتملة يعتقد أن أنواع المؤسسات كانت قادرة على السيطرة على الخطاب إلى حد أكبر بكثير.

وهذا هو الاختبار الحقيقي للبلد الآن، لأن جو مكارثي كان ظاهرة مشابهة وقد دأب على نشر نظريات مؤامرة مجنونة حول تسلل الشيوعيين إلى الجيش ووزارة الخارجية. وكان كل الجمهوريين يخشون الوقوف ضده حتى قاومته السناتورة مارغريت تشيس سميث والجيش وعدد قليل من المؤسسات الأخرى، ثم انهارت المكارثية بسرعة كبيرة. والسؤال المحوري بالنسبة إلى فوكوياما هو هل يمكن أن يحدث شيء من هذا القبيل اليوم؟

وهنا يستبعد المفكر الأميركي تكرار نموذج ماكارثي نظرا لتغيّر العوامل والدوافع والأسباب. فهناك بعض الأشياء التي قد تجعل المرء يعتقد أن الأمر سينجح هذه المرة مع ترامب أو غيره، لكن الشركات الأميركية لا تريد حقًا الاشتراك في هذا، ومن الواضح أن ابتعاد بعض الجمهوريين المؤسسيين عن الرئيس السابق ترامب مهم.

كما أن مسألة تضييق الشبكات الاجتماعية على ترامب تعد مسألة مهمة، حيث يقول فوكوياما إن “تويتر كان يعرف حقًا كيفية إطعام هذا الوحش بانتظام، وبمجرد أن يتم تجويعه فيمكن إضعافه”، ويشرح كيف أنه لا يمكن منعهم من التواصل، وبالتأكيد لن يتم استبعاد هؤلاء بشكل كامل لكن لا ينبغي إعطاؤهم أكبر من حجمهم. ويبدو أن هذه العملية نجحت بالفعل، وهذا حاجز مهم سيساعد على تهميشهم في المسقبل.يتبنى فوكوياما فكرة أن الطبقة الوسطى محرك مهم في أي نظام حكم، فقد ساعدت تلك الفئة العديد من الأنظمة في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، لكنه مع ذلك اعتبر في آخر مؤلفاته أن الديمقراطية لن تدوم إذا كان المواطنون لا يعتقدون أنهم جزء من نفس النظام السياسي.

ويبدو أن هذه المشكلة التي تتفاعل مع الاستقطاب في الولايات المتحدة ليست معقدة بحسب المفكر الأميركي لأن الكثير منها يتعلق بالسلطة السياسية، وفسر هذه النقطة بكون الناس يريدون امتلاك سلطة سياسية، وإذا وجد الأشخاص الذين يتنافسون على نسخة واحدة من الهوية الوطنية أنه من الصعب حقًا الفوز بالانتخابات أو اكتساب أعلى مستويات السلطة الحقيقية في البلاد، فعندئذٍ سيعيدون التفكير في ما يجب عليهم أن يغيّروه في الأمر كله.

وإذا كان المرء قد تعرض إلى هزيمة انتخابية حاسمة أو سلسلة من الهزائم الانتخابية، فعليه اتخاذ طريق إعادة التقييم، والجمهوريون مثال على ذلك. ويقول فوكوياما إن الانتقال من وضع منصب الرئاسة والسيطرة على مجلسي الكونغرس إلى لا شيء ليس بنجاح، فعندما بدأوا يفكرون في المستقبل، وجدوا أنفسهم يغرقون إلى القاع.

ويفترض المفكر الأميركي أنه في حال عاش الأميركيون فترة يتحول فيها حزب ترامب إلى منظمة إرهابية بشكل أساسي، وكانت هناك اغتيالات وخطف واعتداءات على الكابيتول وما شابه ذلك، فإن هؤلاء السياسيين لن يفوزا في هذا الصراع، وفي النهاية سيزرع ذلك بذور زوالهم.

ويبدو أن استنساخ ترامب لتجربة رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني من خلال امتلاك وسائل إعلام للتأثير السياسي، كانت مدعاة للانقسامات السياسية داخل المجتمع الأميركي ورغم أن التأثير الإعلامي والسياسي يتغذيان من بعضهما البعض، إلا أن هذا هو حقا الطريق الجديد إلى السلطة في الديمقراطيات الراسخة، وبالتالي لا يرى فوكوياما أن ذلك يعني أن الديمقراطية قد انهارت، مع أن الكثير من المؤرخين يحاولون فهم إمكانية ظهور أشكال جديدة من الاستبداد بعد مئة عام من الآن.

لكن تبقى مسألة الشرعية من عدمها أمرا مطروحا ومثيرا للسجالات، فعند النظر إلى ما يحصل والذي من الواضح أنه شدّ الفيلسوف الأميركي بسبب كيفية التحكم في سرد الوقائع، فإن غالبية ناخبي ترامب لا يريدون حكومة استبدادية، ولكنهم يعتقدون أنهم يدافعون عن الديمقراطية ويرون أن ترامب هو الرئيس الشرعي الذي فاز في الانتخابات الأخيرة، لنصل إلى نتيجة مفادها أن كل ما يفعلونه هو الدفاع عن هذه المثل الأميركية القديمة.

مستقبل الشعبوية
بعد أن كان الكثيرون يرون قبل سنوات أن العالم على أعتاب حقبة جديدة من التعبئة الشعبوية وتداعياتها الخطيرة، وفي حالات كثيرة تنتشر بلا فوارق تذكّر البشرية بثلاثينات القرن الماضي، يعتقد فوكوياما أن هذه الموجة التي بدأت تظهر بوضوح في 2016 ستضعف مع مرور الوقت.

ويرى أن ما فعله تويتر وفيسبوك معقد، فاستبعادهما لترامب والكثير من مؤيديه كان أمراً مهماً، لكن بطريقة ما لا يعد هذا حلاً رائعًا لأنه لم يكن ضروريا أن تتمتع هذه المنصات بهذه القوة في المقام الأول. لكن هناك إجماعًا متزايدًا على أن قوتها كبيرة جدًا ويجب على المجتمع استعادة السيطرة على مثل هذه التكنولوجيا القوية التي تشكل وعي وسائل الإعلام.

وحتى عندما اقترح مقال “نهاية التاريخ”، كان هذا المفكر المثير للجدل يحذر من عيوب تلك النظرية. فبعد أن آلت كل أشكال الحكومات إلى التدمير والزوال، يأتي دور الديمقراطية أيضاً، وكذلك الرأسمالية، ولذلك تثار أسئلة حول المحطة النهائية للحداثة في ظل الخلل الذي يواجهه العالم.

ومن هذا المنطلق الذي سرده روس دوتهات الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، يفند فوكوياما ذلك معتقدا أن نهاية التاريخ قد لا تكون شكلاً واحدًا من أشكال الحكومة، ولكنها قد تكون العودة الأبدية إلى نفس الشيء مرة أخرى.

ويشرح أنه في حال تم التفكير بالفعل والقيام بتجربة جميع المتغيرات المختلفة، من الحكومة الديمقراطية إلى الحكومة الاستبدادية، فالأمر لن يكون كما لو أن هناك شكلًا آخر لم يكن الناس أذكياء بما يكفي لاكتشافه. ولكن نهاية التاريخ هنا تعني إعادة التدوير الدائم من خلال هذه المتغيرات المختلفة. وعلى سبيل المثال، من الناحية الاقتصادية، فاليساريون الجدد لم يتقدموا باليسار الديمقراطي الاجتماعي قبل نصف قرن.

وربما يكون التركيز مختلفًا، مثل الصفقة الخضراء الجديدة، لكن فكرة استخدام سلطة الدولة لإعادة توزيع الثروة وما إلى ذلك هي نفسها، ومن ثم فإن اليمين هو ببساطة حنين إلى الماضي، وهم يريدون فقط العودة إلى نقطة يعتقدون أنهم وصلوا إليها في وقت سابق، لكنها ليست نوعًا جديدًا من المجتمع الذي يدفعون من أجله. لذا ربما تكون نهاية التاريخ نوعًا دائمًا من الركض في حلقة مفرغة.

ومع أن هناك بعض الأشياء التي لم يعد يشهدها العالم مثل النظام الملكي إلى حد ما، يبدو أن البشرية تتطور نحو نوع من المزيج بين الأوليغارشية والديمقراطية أو ربما ديمقراطية ذات نكهة استبدادية في العديد من الدول، إلا أن فوكوياما لا يرى أن ذلك أمرا مستقرا وربما يشهد العالم عودة مثل تلك الأنظمة.

وثمة أمثلة ملموسة على ذلك، حيث تتمثل واحدة من المشاكل الكبرى في ديمقراطية رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان غير الليبرالية، وهي في الأساس نوع من رأسمالية المحسوبية، إذ ما أن يقرب من 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد يأتي على شكل دعم من الاتحاد الأوروبي، وهو أمر مشين نوعًا بحسب فوكوياما، والذي يرى أنه كنظام اقتصادي لن ينجح لأنها طريقة فاسدة.

النظام العالمي
ترامب ليس حالة فريدة في التاريخ الأميركي فقد كان جو مكارثي ظاهرة مشابهة، ومع ذلك يستبعد الفيلسوف والمفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب “نهاية التاريخ والرجل الأخير” تكرار هذا النموذج، وحتى جو بايدن لن يساعد في زوال الاستقطاب في الولايات المتحدة بسبب الجائحة
ترامب ليس حالة فريدة في التاريخ الأميركي فقد كان جو مكارثي ظاهرة مشابهة، ومع ذلك يستبعد الفيلسوف والمفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب “نهاية التاريخ والرجل الأخير” تكرار هذا النموذج، وحتى جو بايدن لن يساعد في زوال الاستقطاب في الولايات المتحدة بسبب الجائحة
ثمة العديد من الأمثلة في السياق التاريخي التي قد يُنظر إليها على أنها قضايا ناتجة عن أسباب مختلفة تتعلق بمشكلات سياسية أو مشكلات مع شخصيات محددة، ولكن كل تلك القضايا في الواقع يربطها خيط مشترك وهو المؤسسات التي تعتبر شرطاً أساسياً لبناء منظومة سياسية قد تؤدي إلى بناء عالمي جديد في نهاية المطاف. وقد كتب فوكوياما العديد من المؤلفات والمقالات حول ذلك وعلى سبيل المثال “مستقبلنا البشري: عواقب ثورة التقنية الحيويّة”، و”الولايات المتحدة على مفترق الطرق: ما بعد المحافظين الجدد”، و”النظام السياسي والاضمحلال السياسي”.

وفي خضم الركود الدائم، حيث لم يتم حل أي شيء على عكس نهاية التاريخ، تبدو الأمور متداخلة بالنسبة إلى النظام العالمي. ففي الآونة الأخيرة، قال كل من المؤلف الأميركي باري غوين صاحبة كتاب “حتمية المأساة: هنري كيسنجر وعالمه”، والباحث جون أيكنبيري، وهما على طرفي نقيض من الطيف الأيديولوجي، إن العالم قد يحتاج إلى خفض توقعاته بشأن الأممية الليبرالية وجعلها أكثر واقعية، وهي طريقة أخرى للقول بأنك لن تغير الصين وروسيا كثيرا، على سبيل المثال، كما كان الكثيرون يعتقدون.

ويعتقد فوكوياما أن الصين قد تتغير، لكن إذا حدث ذلك، فلن يكون بسبب أي شيء خارجي، ولكن سيأتي تغييرها من تناقضاتها الداخلية، والواقعية تملي أن القوة الأقوى في النظام ستضع الكثير من القواعد. وهذا هو بالضبط ما فعلته الولايات المتحدة عندما كانت القوة المهيمنة ولا يوجد أي سبب على الإطلاق للاعتقاد بأن الصينيين لن يفعلوا ذلك، فهم يتسللون إلى كل منظمة دولية ويزرعون أُناسا لهم هناك.

ومن المثير للاهتمام أن الصينيين يفعلون ذلك من خلال النظام الدولي الحالي، وليس من خلال استبداله. فهم ليسوا مجازفين مثلما هو الحال مع الروس. لكن النتيجة النهائية، بحسب ما يراه فوكوياما، هي أنهم سيكونون قادرين على ثني الكثير من هذه المؤسسات وفقاً لرغباتهم الخاصة، وهذا بالطبع ما لا تريده الولايات المتحدة.

الصينيون يحاولون التأثير عالميا من خلال النظام الدولي الحالي، وليس من خلال استبداله، فهم ليسوا مجازفين مثل الروس

ولكن من الناحية الواقعية، ربما لا يوجد الكثير الذي سيكون الأميركيون قادرين على القيام به بشأن أشياء مثل وضع المعايير وقدرتها على الوصول إلى المجتمع الغربي وتشكيل الخطاب هناك.

المؤكد أن أزمة كورونا التي كانت محل تبادل اتهامات بين الولايات المتحدة والصين حول منشأ الفايروس لها تأثير على النظام الدولي الجديد. وقد تناول البروفيسور الأميركي بجامعة ستانفورد الواقع الاقتصادي والسياسي في أعقاب جائحة كوفيد – 19، محددا عوامل الفشل والنجاح في التصدي للأزمة والعواقب السلبية لانتشار المرض كانتشار الفاشية وأشكال متطرفة من كراهية الأجانب ومعاداة الهجرة، إلى جانب العواقب الإيجابية.

وقد تؤثر تلك الأشكال من التنافر في تعامل الحكومات مع الأزمة من أفول لسياسات السوق الحرة وأيضا اندثار مظاهر عديدة من النيوليبرالية بحكم الحاجة إلى الحكومة والتنظيم الحكومي المتماسك في التصدي لأزمات مقبلة، إلى جانب ما أظهرته الأزمة من زيف القيادات الشعبوية وأفضلية الحكم الرشيد وحكم المؤسسات على حكم الرئيس المعادي لتقاليد الحكم الديمقراطي.

ويلقي فوكوياما باللوم على من يمارسون السياسة، فقد اعتمدت فعالية الردود فعلاً على السياسة إلى حد كبير. فأشياء مثل قدرة الدولة مهمة، والولايات المتحدة مثال على ذلك، فقد أفسدت الأمر رغم أن لديها مؤسسات قوية ولذلك أصبحت الثقة والتوافق الاجتماعي من أهم القضايا، وهو ما يحصل بالفعل في اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا والدول الاسكندنافية.

وقد تمكنت بعض الديمقراطيات من التمسك بالإجماع، وتمكن العديد من تقويته، فمثلا ارتفعت شعبية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في العام الماضي لكن الدول التي تشهد استقطابًا وتنتخب قادة مختلين عقلياً لن تحقق أداءً جيدًا، وحتى لو كان جو بايدن رئيسا أثناء ظهور الوباء فإنه لن يساعد في زوال الاستقطاب في الولايات المتحدة حول هذه القضية، بل بالعكس سيساعد في شرعيته.

صحيفة العرب