أعلن تنظيم “داعش” المصنف إرهابيا على المستوى الدولي مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري الذي هز الخميس العاصمة العراقية بغداد وأسفر عن استشهاد أكثر من 32 شخصا واكثر من ١١٠ جرحى، مشيرا إلى أن اثنين من عناصره، هما “أبو يوسف الأنصاري” و”محمد عارف المهاجر”، فجّرا نفسيهما بالتتابع في ساحة الطيران وسط بغداد، وهي طريقة التنظيم المعروفة لإيقاع أكبر قدر من الضحايا، من خلال تنفيذ تفجير أول ثم انتظار تجمع المدنيين وقوات الأمن في موقعه لتنفيذ التفجير الثاني. وكشف العمل الارهابي في ساحة الطيران ثغرات في الأجهزة الأمنية العراقية المنشغلة إلى حدّ بعيد بالتعامل مع التوترات السياسية وتصاعد نفوذ الميليشيات المسلحة المتنافسة.
وعقب انتهائه من اجتماع طارئ مع مجلس الأمن الوطني، السبت، أعلن الكاظمي أن الرد على “من سفك دماء العراقيين الطاهرة سيكون قاسيا ومزلزلا وسيرى قادة الظلام الداعشي أي رجال يواجهون”. وكتب رئيس الوزراء عبر حسابه في تويتر، “أثبت شعبنا صلابة عزيمته أمام الإرهاب التكفيري الداعشي”، مشيرا إلى أن “إرادة الحياة لدى أهلنا وهم يتحدون الإرهاب في مكان جريمة الباب الشرقي الشنعاء كانت رسالة شموخ وبسالة شعبية لا نظير لها”.
مناسبة التفجير الارهابي الاخير في بغداد الذي زعم داعش مسئوليته عنه فور وقوعه ، اقول ان اعلانات داعش عن ارتكابه لهذه الحوادث الارهابية، يجب ان يؤخذ من جانبنا بمنتهى الحرص والتأني والحذر ، لا لسبب الا انه ليس لقيادة هذا التنظيم الارهابي مركز محدد تقيم فيه او ناطق رسمي معروف يتحدث الى العالم باسمها ويقدم الدليل على صدق مزاعمه وادعاءاته حتى ناخذ ما يصدر عنه على محمل التصديق والجد ، وانما قد تكون هذه التصريحات المفبركة والمنسوبة الى داعش مجرد مزاعم مخابراتية مدسوسة علينا لخلط الاوراق ، وتحويل الانظار، وابعاد الشبهات عن الفاعلين الحقيقيين ممن قد نتصور انهم اعداء لهذا التنظيم الارهابي وخصوم عنيدين له وابرز محاربيه على الساحة الدولية ، بينما قد تكون الحقيقة غير ذلك تماما…..
ومن هذا المنطلق ، يجب الا ناخذ على محمل المسلمات الزعم بان داعش تنظيم اسلامي جهادي سني متطرف تشكل كرد فعل لما حدث في العراق بعد ٢٠٠٣ وانفجار الصراع الطائفي فيه بين انصار المذهبين الشيعي والسني على نحو ما يشيع الاعتقاد بيننا ، وان نتعامل مع جرائمه وانتهاكاته لكل. القيم والمعايير الاخلاقية والانسانية على انها تعبير متطرف عن غيرته الشديدة على المذهب السني الذي يزعم انتماءه اليه فهذا كله كذب في كذب وخداع في خداع…. فداعش هو في الحقيقة والواقع تنظيم ارهابي مجهول الهوية والنسب، وهو صناعة مخابراتية بالاساس ، وهو اقرب لان يكون تشكيل عصابي دولي من اشخاص مارقين ومن مرضي نفسيين تم تجنيدهم وتجميعهم من كل الجنسيات والاوطان، ومن غيرهم من الحاقدين على شعوبهم ومن الناقمين على ظروفهم واحوالهم ومن المرتزقة والعملاء الماجورين، ممن لا دين لهم ولا اخلاق ولا انتماء ولا ولاء لعقيدة او مذهب او وطن او نظام ….. فالدواعش ، او بالاحرى هذا الخليط او الكوكتيل غير السوي وغير المتجانس من البشر ، يعملون ، كاي تشكيل عصابي محترف ، لحساب من يستخدمهم ويدفع لهم ، يتساوي في ذلك ان يكون من يستعين بهم لتنفيذ اجنداته ومخططاته ومؤامراته حتى لوكان الشيطان نفسه. فهم جاهزون تحت الطلب لانجاز كافة ما يسند اليهم من المهام والتكليفات والادوار ، وبالدرجة القصوى من الوحشية والهمجية ومن القدرة على الترويع والارهاب حتى اصبح هذا طابعهم المعروف عنهم.
ما حدث في بغداد ، وما حدث قبلها ، وما يمكن ان يحدث بعدها هنا وهناك ، ينطق بان اكذوبة داعش كتنظيم جهادي اسلامي سني متطرف لم تعد تنطلي الا على السذج والبسطاء ممن قد يحسنون الظن بدوافعهم ونواياهم ويتصورونهم على غير. حقيقتهم.
وانه حان الوقت لندقق النظر ونحكم عقولنا في تفسيرنا لما يحدث من ظواهر ارهابية مستمرة في منطقتنا العربية بالذات حتى نعرف حقيقة اللعبة التي يريدون لنا ان نصدقها منهم وهي انها تتم لحساب داعش اساسا. ومن ثم ، فان علينا البحث عن المستفيد الحقيقي الاكبر من كل الاعمال الارهابية المروعة التي تحدث في منطقتنا في هذه التوقيتات الحرجة وفي مثل المواقع الحساسة والمؤثرة التي يجري اختيارها بعناية وذكاء من قبل هؤلاء المتآمرين الخارجيين، من اقليميين ودوليين، ممن يستخدمون َورقة تنظيم داعش الارهابي لارباك حساباتنا والتشويش على تفكيرنا وتضليلنا، ووقتها فقد ننجح في العثور على الفاعل الحقيقي المختفي وسط كل هذا الضباب الكثيف من التعتيم والتمويه والخداع ، حتى وان لم يكن تخمينه او تحديده صعبا كما يبدو بالنسبة للكثيرين….فالفاعل الكبير المستفيد منها يكاد يعلن عن نفسه.. وما حدث في بغداد يحتاج الى رؤية اخرى وتفسير مختلف.
ان هذا التفجير قد يكون محاولة مخططة ومدبرة لافشال الجهود الامنية التي يبذلها رئيس الحكومة العراقية الحالي مصطفى الكاظمي لمحاربة الارهاب، والقضاء على الانفلات الامني ، والابقاء على السلاح بيد الدولة وحدها ونزعه من ايدي المليشيات والتنظيمات الحزبية الطائفية المسلحة ، كمدخل لتحقيق الاستقرار الامني المطلوب في العراق ، هذا فضلا عن توجهاته السياسية الاكثر انفتاحا على دول المنطقة العربية ، وبالاخص السعودية ومصر، لتبني سياسة خارجية اكثر توارنا واعتدالا ، واقل ميلا وانحيازا الى جانب ايران، بكل ما يعنيه هذا الانحياز من تورط وتبعية وانقياد اعمى وضيق هامش حركة وانعدام فرص الحصول على مساعدات عربية تعينه في التغلب على ازماته الاقتصادية ، الخ ، ثم ياتي التفجير الاخير ، ايا من كانوا مدبروه الحقيقيون ، ليحرجه ، ويضعوا مستقبل حكومته على المحك ، وقد تكَون خطة مرسومة للتعجيل بازاحته من موقعه والتخلص منه وافشال مهماته التي ظل يراهن عليها ويري فيها الطريق الوحيد للانقاذ والخلاص.
ويمكن أن يكون العمل الارهابي في ساحة الطيران، على بشاعته وحجم الضحايا الكبير الذي خلفه، فرصة للقائد العام للقوات المسلحة، للقضاء على بؤر الفساد المتجذرة في المؤسستين الأمنية والعسكرية، وتقليص مساحة التأثير الإيراني عليهما، فيما يتوقع مراقبون أن تواجه هذه الخطة ممانعة إيرانية شرسة، قد تصل حد العبث في ملف الأمن العراقي.
وحدة الدراسات العراقية