الصين تمنع تداول العملات الرقمية لكنها تسمح بتعدينها.. لماذا؟

الصين تمنع تداول العملات الرقمية لكنها تسمح بتعدينها.. لماذا؟

إيفان شاكر الدوبرداني*
تعد الصين من الدول التي تحظر تداول العملات الرقمية المشفرة، حيث فرضت الحكومة هناك قيودا صارمة على تجارتها، وفي مقدمتها عملة “البتكوين” (bitcoin)، وترى الحكومة الصينية هذه العملة بمثابة تهديد لنظامها المالي؛ لأن العديد من رؤوس الأموال في الصين يتم تحويلها من البنوك إلى العملات الرقمية المشفرة.

ماهي البتكوين؟
البتكوين هي عملة رقمية مشفرة، أنشأت عبر تقنية “بلوكتشين” (blockchain) في 2009، بواسطة شخص مجهول الهوية يستخدم اسما مستعارا “ساتوشي ناكاموتو”، وكان أول سعر رسمي لعملة البتكوين بضعة سنتات، وبعد مرور نحو 12 عاما بلغت قيمة عملة البتكوين حاليا أكثر من 36 ألف دولار أميركي.

ويتم تداولها إلكترونيا عبر منصات عديدة أشهرها منصة “بينانس” (Binance) ومنصة “هوبي” (Houbi) ومنصة “بيتريكس” (Bitterx)، وما يميز عملة البتكوين، هو عدد وحداتها المحدودة، وهي 21 مليون وحدة فقط غير قابلة للزيادة، بعكس العملات التقليدية الورقية، التي تكون غير محدودة؛ مما يؤدي إلى التضخم.

الصين ومحاربة البتكوين
منعت الحكومة الصينية تداول عملة البتكوين عبر جميع المنصات، وأغلقت جميع البورصات التي تتداولها، حيث تعتبر ملاذا آمنا لغسيل الأموال.

كما أن البتكوين ستلغي دور الوسيط -البنوك مثلا- في المستقبل القريب، بحيث لا تستطيع أي مؤسسة أو حكومة بأن تتحكم فيها أو تحتكرها؛ لأنها عملة لامركزية.

ويتم التحويل في البتكوين بطريقة مباشرة بدون حاجة إلى وسطاء ماليين؛ أي يتم بين البائع والمشتري مباشرة بدون حاجة لطرف ثالث أو وسيط كبقية العملات التقليدية الورقية؛ لذلك يُعد البتكوين خطرا كبيرا على النظام المصرفي الصيني.

وتخشى الحكومة الصينية من إحدى خصائص البتكوين، وهي عدم التعرف على هوية مالك العملة؛ لأنها تكتب على هيئة رموز مشفرة، ولهذه الأسباب لا تسمح الحكومة الصينية بتداولها، وتخشى أيضا أن تنافس البتكوين عملة الصين الوطنية اليوان الرقمي، ومن المؤمل طرحه خلال الأشهر القادمة بعد أن يتجاوز كل الاختبارات من بنك الشعب الصيني (البنك المركزي)، وبهذا يُمكن للمستخدمين أن يتعاملوا بها حتى لو لم يملكوا حسابات بنكية.

وستعتمد العملة الرقمية الصينية الجديدة على الائتمان الوطني خلافا للبتكوين، وتعد الآن البتكوين ملكة العملات الرقمية المشفرة؛ بسبب قيمتها السوقية العالية، ومؤخرا ارتفعت قيمتها إلى ما يقارب 42 ألف دولار أميركي، محطمة رقما قياسيا جديدا قبل أن ينخفض إلى 31.5 ألف دولار أميركي خلال فترة وجيزة.

مزارع التعدين
من جانبها، تحظر الحكومة الصينية تداول عملة البتكوين وغيرها من العملات الرقمية المشفرة؛ لكن المفارقة أنها تسمح من جانب آخر بتعدين البتكوين بشكل رسمي، والآن توجد أكبر مزارع لتعدين البتكوين حول العالم في الصين.

ورغم قيام الحكومة الصينية بحظر تداول البتكوين عبر جميع المنصات؛ إلا أنها في الآونة الأخيرة باتت أرضا خصبة للمنقبين عن العملات الرقمية المشفرة وفي مقدمتها البتكوين، وتعد الصين الملاذ الآمن للمستثمرين في عملية التعدين؛ بسبب رخص استخراجها فيها.

ومؤخرا توافدت الكثير من شركات تعدين العملات الرقمية المشفرة إلى الصين، حيث إن أغلب المستثمرين حول العالم في مجال تنقيب العملات الرقمية المشفرة تقع مزارعهم في الصين، وذلك يعود إلى سببين رئيسين هما:

السبب الأول أن عملية تعدين البتكوين “ميننغ” (mining)، هي حل مسائل خوارزمية معقدة للبتكوين وغيرها من العملات الرقمية المشفرة؛ لذا يحتاج المطورون إلى أجهزة حاسوب ذات قدرات خارقة لحل المسائل الرياضية المعقدة، وهذه الأجهزة كلفتها باهظة الثمن؛ لكنها موجودة في الصين بكثرة وبأسعار تنافسية، كما أن الصين هي من تصنع هذه الأجهزة، وتعد أكبر سوق في العالم لأجهزة الحاسوب المخصصة لتعدين العملات الرقمية المشفرة، ولهذا السبب فإن الصين ملاذ آمن لأغلب المنقبين حول العالم.

والسبب الثاني أن عملية تعدين البتكوين تستهلك إمدادات كبيرة من الكهرباء؛ لذلك يعول المستثمرون في عملية التعدين على الكهرباء قليلة التكلفة، فتكاليف الكهرباء هي العامل الأكثر أهمية في تكاليف التعدين على المدى البعيد، ونظرا لأن أسعار الكهرباء في الصين مناسبة جدا، فهي منخفضة مقارنة ببقية الدول التي تستثمر في مجال تنقيب عملة البتكوين؛ مما شكل نقطة جذب للمستثمرين حول العالم لفتح مزارعهم الخاصة بتعدين عملة البتكوين.

معقل التعدين
بفضل هاتين الخاصيتين، سمحت الحكومة الصينية بتعدين عملة البتكوين، لتكون الصين معقل هذه العملية حول العالم متجاوزة أكثر من 50% من إجمالي عمليات التعدين حول العالم، وفق تقرير أصدرته شركة “بيتودا” (Bitooda) المتخصصة في العملات الرقمية المشفرة، وكذلك بفضل دعم الحكومة الصينية للمزارع الخاصة بتعدين عملة البتكوين.

علما أن قيمة عملة البتكوين الواحدة تساوي حاليا ما يقارب 31 ألف دولار أميركي؛ أي إن الصين تجني أرباحا هائلة من عملية التعدين؛ لذلك نستطيع القول إن الحكومة الصينية تغربل عملة البتكوين وفق مصالحها القومية، وبالوقت نفسه تحمي عملتها الوطنية اليوان الرقمي من أي منافس لها، وهذا يدل على أن الصين تتعامل بذكاء وحذر وبكل حكمة مع عملة البتكوين، وبما ينسجم مع مصالحها القومية.

والآن كل الأدوات متوفرة لدى الصين للاستحواذ على العملات الرقمية المشفرة، وفي مقدمتها البتكوين، فهل ستقود العملات الرقمية المشفرة؟ وهل ستكون معقلا لها وشرارة لانطلاقها حول العالم؟

* باحث في الشؤون الاقتصادية العراقية والعالمية.

المصدر : الجزيرة