موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من قرار سابقتها إدارة ترامب تصنيف جماعة الحوثي منظّمة إرهابية أجنبية، قد يتجاوز كونه مجرّد استجابة للمحاذير الإنسانية التي ستنجم عن ذلك القرار، ليؤشّر على نهج للإدارة الديمقراطية في التعاطي مع الملف اليمني يتجنّب عزل الحوثيين ويبقيهم طرفا مؤهّلا للمشاركة في صنع السلام الذي تعمل عليه الأمم المتحدة.
عدن – أظهرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بقرارها تعليقا جزئيا ومؤقّتا لعقوبات مرتبطة بتصنيف إدارة سلفه دونالد ترامب جماعة الحوثي في اليمن منظمة إرهابية أجنبية، مرونة تجاه الجماعة تشكّل مؤشّرا على طريقة تعامل الإدارة الأميركية الجديدة مع الملف اليمني.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان، أنها أصدرت ترخيصا لمدة شهر، يتيح بعض المعاملات المالية مع جماعة الحوثي، في أعقاب المخاوف الدولية من أن يؤدي قرار إدارة ترامب إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن.
وفيما كانت الخطوة التي أقدمت عليها إدارة ترامب ضدّ جماعة الحوثي تدفع باتّجاه عزلها وجعلها طرفا إرهابيا مجرّما وغير مؤهّل لأن يكون شريكا في عملية السلام التي تحاول الأمم المتّحدة إطلاقها في اليمن، تبدو الإدارة الديمقراطية من خلال موقفها من خطوة سابقتها الجمهورية حريصة على الإبقاء على الحوثيين كطرف “معترف” به ضمنيا وبحكم الأمر الواقع، وهو ما تطبّقه الأمم المتّحدة على أرض الواقع من خلال جهود السلام التي يبذلها مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث.
وبهذا الإجراء المرن المستند إلى الدواعي الإنسانية تكون إدارة بايدن قد سارت على نهج أممي ودولي مطبّق عمليا في اليمن منذ سنوات، ويقول خصوم جماعة الحوثي إنّ الأخيرة تستثمره وتستفيد منه وتحقّق من ورائه مكاسب حقيقية على أرض الواقع.
وعلى سبيل المثال ترى جهات سياسية مساندة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا أنّ الطرف المستفيد من وقف معركة تحرير محافظة الحديدة غربي اليمن سنة 2018 بضغط دولي وأممي، وبسبب مخاوف من التداعيات الإنسانية لتلك المعركة، هو جماعة الحوثي التي تمكّنت في الأخير من الحفاظ على سيطرتها على أجزاء من المحافظة المطلّة على البحر الأحمر والتي تمثّل شريانا حيويا بالنسبة إليها.
وقالت الخزانة الأميركية إنها “ستعفي بعض المعاملات التي ينخرط فيها الحوثيون من العقوبات الناتجة عن تصنيف وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، الجماعة منظمة إرهابية أجنبية في 10 يناير الجاري”، وفق ما أوردته، الثلاثاء، وكالة أسوشيتد برس.
وأضافت أن قرار الإعفاء سينتهي في 26 فبراير المقبل، دون توضيح ما ستؤول إليه الأوضاع في الشهور المقبلة.
المعالجة الأممية للملف اليمني تنطوي على اعتراف ضمني بالحوثيين كسلطة أمر واقع وطرف مؤهل للمشاركة في السلام
ويحمل قرار الإعفاء المؤقت من بعض العقوبات، رسالة طمأنة إلى الشركات والبنوك التي لها معاملات تجارية ومالية مع اليمن، وتعتمد بشكل أساسي على الواردات، والتي أعربت عن مخاوفها من الأضرار التي ستطالها من قرار تصنيف الجماعة منظمة إرهابية.
ولا يعدّ قرار إدارة بايدن بشأن الحوثيين تراجعا عن قرار إدارة ترامب، لكنه يتفق مع سياسة مراجعة تصنيف الحوثي منظمة إرهابية، التي كشفت عنها وزارة خارجية بايدن.
والجمعة الماضية أعلنت الخارجية الأميركية أنها بدأت بمراجعة تصنيف الحوثي منظمة إرهابية، وفق متحدث باسمها نقل عنه موقع “يو أس نيوز” الأميركي.
وقال المتحدث، إنّ الوزارة “تعمل بأسرع ما يمكن لإنهاء عملية مراجعة تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية، واتخاذ قرار في هذا الشأن”.
وجاء ذلك استجابة للتحذيرات التي توالت من كلّ صوب بمجرّد صدور قرار إدارة ترامب بشأن الحوثيين، حيث قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في وقت سابق، إن خطوة واشنطن “تخاطر بجعل العمل الإنساني والسياسي للأمم المتحدة في اليمن أكثر تعقيدا”، مذكّرا بأن اليمن يجلب جميع أغذيته تقريبا عن طريق الواردات التجارية ونحن قلقون من أن التصنيف سيؤثر سلبا، من خلال الامتثال المفرط المحتمل من قبل الأطراف التجارية بينما يتضور المزيد من اليمنيين جوعا”.
وتسيطر جماعة الحوثي على مطار صنعاء، وكذلك ميناء الحديدة على البحر الأحمر، وهما من أهم المنافذ التجارية للبلاد، وخصوصا مناطقها الواقعة تحت سيطرة الجماعة.
كما أعرب دوجاريك عن “قلق الأمم المتحدة من أن هذه التصنيفات قد يكون لها تأثير ضار على الجهود المبذولة لاستئناف العملية السياسية في اليمن، فضلا عن استقطاب مواقف أطراف النزاع بشكل أكبر”.
بدوره اعتبر مدير برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي، في تصريح صحافي، أن قرار واشنطن تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية بمثابة “حكم بالإعدام على مئات الآلاف من الأشخاص إن لم يكن الملايين في اليمن”.
أما وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك فقال إن “القرار الأميركي مطلوب عكسه لمنع التداعيات الإنسانية الكارثية التي ستنشأ في حال تنفيذه”. بينما اعتبر المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث أن قرار إدارة ترامب “سيسهم في حدوث مجاعة باليمن وسيؤدي إلى تثبيط الجهود المبذولة لجمع الأطراف معا”.
وعبّر الاتحاد الأوروبي والمجلس النرويجي للاجئين واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة أوكسفام، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، في إفادات لها، عن قلقها إزاء القرار الأميركي وتخوفها من التأثير على وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمنيين، والتي يعتمد عليها قسم كبير منهم.
ولتسهيل وصول المساعدات إلى عدة مناطق في اليمن تتعامل المنظمات الدولية مع الحوثيين باعتبارهم “سلطة الأمر الواقع” بتلك المناطق، بينما التصنيف الأميركي كان سيجعل منهم جماعة إرهابية محظور التواصل معها.
كما يؤثر التصنيف الأميركي سلبا على تدفق التحويلات المالية من اليمنيين العاملين في الخارج إلى داخل البلاد، ما ينذر بالمزيد من التدهور على صعيد الوضع الإنساني.
وعلى الطرف المقابل تعتبر الحكومة اليمنية إلحاق جماعة الحوثي بلوائح الإرهاب خطوة إيجابية تساعد على ردع الجماعة وبالتالي تحقيق السلام في البلاد، معلنة التزامها بمنع تأثر العمل الإنساني جراء التصنيف الأميركي للحوثيين.
وقال وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، إنّ “الحكومة ستعمل على عدم تأثر العمل الإنساني في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة ميليشيا الحوثي بذلك التصنيف”، مشيرا إلى “أهمية تصنيف ميليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية في الضغط عليها وإجبارها على تغيير سلوكها الإجرامي ودفعها نحو السلام”.
العرب