في الزمانات كان ارتداء الطفل للبزّة العسكرية في المناسبات إعجابا بوظيفة رجل الأمن الذي يحمي البلاد مثل والده أو قريبه جزءا من مشاهد حقبة مضت ورحلت معها الكثير من «رمزيّات» الطفولة وحياة النشأة الأولى، لتأتي حقب من الذعر المجاني والموت بلا سبب والرعب والإرهاب الذي لم يُبقِ أحدا، وكانت شريحة «الأطفال» أحد أبرز ضحاياه، وبات من الطبيعي والمستساغ أن تتصدر صورة طفل وادع ينوء بحمل «كلاشنيكوفه» وقد لطخ وجهه ببعض السواد وعصب رأسه بأيقونة «داعش»، ويصبح مثل هذا المشهد المقزّز سباق وسائل الإعلام على صياغة خبر فريد ومثير عن أصغر شهيد أو ضحية للتطرف الذي لم يعد يستثني أحدا.
تقارير المنظمات الدولية تؤكد وجود الآلاف من الضحايا الأطفال الذين يتم استخدامهم في النزاعات المسلحة في مناطق التوتر حول العالم، معظمهم ضحايا لعائلاتهم وكثير منهم تم اختطافه أو ضربه أو تغريره وحتى شراؤه لاستغلاله لاحقا في عمليات انتحارية لا ناقة له فيها ولا جمل، سوى أنه وقود لأزمات أكبر منهم يتقدمها الأمن والبلد المنقسم، وليس آخرها الفاقة والفقر اللذين يدفعان أطفال الرصاص إلى خيار مربع العنف.
تاريخ قديم
ملف «تجنيد الأطفال» في النزاعات المسلحة قديم قدم الظاهرة التي تضرب بجذورها في التاريخ العنفي، إلا أن توثيق هذه الصور من قبل الموجة الجديدة للإرهاب الفوضوي التي تقودها «بامتياز»، أعاد فتح القضية، على اعتبار انتقال الظاهرة من مربع حقوق الطفل الذي كان جدلا نخبويا محصورا بين أروقة المنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية ذات العلاقة، إلى ظاهرة عامة تطرحها وسائل الإعلام دون أن تحظى بنقد واعٍ لخطورة الزج بمثل تلك الصور، ولو على سبيل الإثارة الصحافية، دون قراءة فاحصة للأسباب والمسببات والنتائج والآثار المترتبة على تفشي ظاهرة استغلال الأطفال من قبل المجموعات المتطرفة.
مع «داعش»، انتقل ملف تجنيد الأطفال واستغلالهم في النزاعات المسلحة والعنف الفكري والعملي من كونه ظاهرة ممجوجة تحاول التنظيمات نفيها أو تكذيبها، وربما تبريرها على استحياء، إلى ظاهرة تتبجح التنظيمات المسلحة في تبنيها، وهذا ما نراه الآن مع «داعش» في الضفة السنية للإرهاب ومع «أنصار الله» الحوثيين في واحدة من تحولات الإسلام السياسي الشيعي.
معسكرات «داعش»
«أشبال العزّ» اللقب الذي أطلقه «داعش» على معسكرات التدريب والقتال الخاصة بالأطفال المجندين، وتتحدث تقارير تابعة لمؤسسات دولية عن انتساب المئات من الأطفال إلى هذا المعسكر الذي يقع في غرب الرقة، وتحديدا في مدينة الطبقة بسوريا التي تقع تحت سيطرة «داعش»، وتتراوح أعمار هؤلاء الأطفال بين الـ7 والـ14. وبعد أن يتخرج الأطفال في هذه المعسكرات، يتم تشكيلهم عسكريا من جديد لينخرطوا في مجموعات قتالية، وغالبا ما يتم تجنيدهم كعناصر انتحارية أو جواسيس، بسبب قدرتهم على التنقل والتخفي ومعرفة الطرق على الأرض.
وهناك معسكرات أخرى خاصة بتدريب الأطفال، كان آخرها ما كشفه تقرير لصحافي أميركي نُشر في «واشنطن بوست» عن معسكرات تقيمها «داعش» وتصور أنشطتها، يظهر فيها الأطفال الصغار وهم يطلقون النار على أهداف وهم يسيرون تحت راية سوداء، وهي راية تنظيم ما يُسمى «داعش»، ويُطلق عليهم «أشبال الزرقاوي»، كما أن الأخبار التي تواترت عن إنشاء لواء باسم «طيور الجنة»، وهو الاسم ذاته لمجموعة إنشادية إسلامية خاصة بالأطفال، في محاولة للمزايدة على شرعنة هذا الاستغلال السيئ للأطفال الأبرياء.
أبرز هذه المعسكرات:
1- معسكر الزرقاوي
2- معسكر أسامة بن لادن
3- معسكر الشرعي للأشبال خاص بالأطفال دون 16
4- معسكر الشركراك
5- معسكر الطلائع
وكما يتبين من أسماء هذه المعسكرة وتنوع أدوارها، فإن ظاهرة تجنيد الأطفال تحولت من عرض مؤقت من لوازم الحروب إلى ظاهرة مستدامة يتم الاعتماد عليها، في محاولة لربط الأجيال المتطرفة بمرجعياتها الروحية والفكرية.
أهداف متعددة
المغزى الأول من تجنيد الأطفال الآن، الذي ارتفعت معدلاته بشكل تصاعدي بعد تحول أولويات جماعات العنف في طرائق المواجهة، هو تحويلهم إلى وقود للعمليات الانتحارية، لأسباب كثيرة تعود إلى سهولة تجنيد الأطفال وتحويلهم إلى كوادر يمكن الوثوق بها، إضافة إلى أن نقص معدلات الاستقطاب منذ بدايات الحرب على الإرهاب أسهم في البحث عن فئات جديدة للاستفادة منها، على رأسها الأطفال والنساء، وحتى المختلون عقليا، كما كان يحدث في تفجيرات السيارات المفخخة في العراق، التي اكتشف لاحقا أن منفذيها أشخاص لا يملكون قرارهم بسبب إصابتهم بالأمراض العقلية.
الجانب الاقتصادي له دور في الاستفادة من فئة الأطفال، فأجر ومصاريف الشباب الصغار أقل بكثير من الأكبر سنا، كما أن انضباطهم وحماستهم يمكن استغلالها في إقناعهم بالعمليات الانتحارية التي عادة ما يجد قادة التنظيم صعوبة في إيجاد أجساد مفخخة تم التأثير على عقولها.
الأمر داخل تنظيمات العنف والتطرف انتقل من مربع السرّ إلى العلانية، وأصبح هناك نوع من الاغتباط بانضمام أعداد كبيرة من الأطفال والمراهقين، ولذلك يمكن أن نستشف من تراث «القاعدة» المكتوب هذا التحول تجاه تجنيد الأطفال من كثرة الأسئلة والرسائل الآن دفاعا عن تلك المناظر المؤلمة التي يبثها الإعلام بنوعيه التقليدي والجديد.
تنظيرات شاذة
منظرو «القاعدة» وأخواتها يخرجون من حيّز البحث الإنساني والحقوقي، بدعوى أن الشريعة لم تحرم قتال الأطفال لأنهم مكلفون، ولو على سبيل الندب، كما أن اختيارهم للقيام بعمليات انتحارية ليس هناك ما يمنعه، وبالطبع هذا الطرح المتطرف هو أخذ بالمهمل والشاذ من تنظيرات الفقهاء التي لا تنتمي إلى الفضاء الفقهي العام المعاصر، حيث لم تكن آنذاك حدود ومفاهيم الدولة المعاصرة والعلاقات الدولية وحدود تدخل الأشخاص في العنف والسلطة، بما لا يتعارض والمبادئ العامة لحقوق الإنسان، ومع ذلك، فإن هناك العديد من الشخصيات الشرعية المعدة ضد استغلال الأطفال في القتال باعتباره تعديا على أشخاص لا يتمتعون بصفة الكفاءة والاستقلالية والرشد الذي يؤهلهم لقرار كهذا.
الإشكالية تبدأ ولا تنتهي عند نقل الموضوع من مستوى مجرد القتال إلى معنى أبعد وأعمق، وهو المشاركة، ولو بشكل غير مباشر، في أتون الحروب، حيث ندرك أن كثيرا من التنظيمات الثورية حتى غير الجهادية تستغل الأطفال في حمل المتع والطهي أو استخدامهم جواسيس، بينما يتم إضافة إلى ذلك استغلال العامل الجنسي لدى الفتيات، وغير ذلك من ظواهر الفعاليات العنفية في الحروب المعاصرة.
الطفل المستغل في النزاع المسلح هو كل طفل دون الـ18 يعمل بوصفه جنديا مباشرا أو غير مباشر، وهو الأمر المحظور بموجب القوانين والأعراف الدولية، واستغلال هذا النوع من الأطفال في الأعمال الحربية يُعدّ في التكييف القانوني جريمة حرب، كما نص قانون المحكمة الجنائية الدولية، وهناك قائمة تصدر عن الأمم المتحدة يصدرها الأمين العام سنويا اسمها قائمة «العار» تكفل بنشر أسماء كل المؤسسات والشخصيات، التي تسهم في تجنيد واستخدام واستغلال الأطفال في الأعمال الحربية.
الحالة السورية
الحالة السورية المزرية أعادت فتح ملف استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة، التي تمت من جميع الأطراف النظام والمعارضة المسلحة والمجموعات القتالية التي وفدت أو تكوّنت في سياق الأزمة السورية.
الأوضاع المتردية في الداخل السوري انعكست على وضع «الطفولة» غير المستقر والهشّ، الذي بلغ أرقاما قياسية غير مسبوقة تاريخيا.
البداية عادة التي تتخلق فيها مناخات استقطاب الأطفال للمشاركة في القتال تولد مع إقفال مدارس التعليم بسبب الأوضاع الأمنية المتردية؛ ففي سوريا مثلا فإن أكثر من 1390 مدرسة دُمرّت في النزاع السوري منذ بدايات الثورة، فضلا عن أن ما يقارب 5000 مدرسة أقفلت أبوابها، وخصص منها 700 لإيواء النازحين، ولذلك لم تتردد منظمة «يونيسيف» في تقريرها الصادم في أن تصدِّره بأن قطاع التعليم في سوريا تدهور بشكل سريع وكارثي، ورأت أنه «الأسوأ والأسرع في تاريخ المنطقة».
والكارثة أن معدل الأعمال في الأشخاص الذين لا تتوفر لهم أي فرص حقيقية للاستفادة من التعليم ومنشآته تزداد، وتشير التقارير إلى أن ما يزيد عن 52% من الأطفال بين عمر 6 و12 سنة لا يلتحقون بالتعليم الابتدائي، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية كبرى في السنوات المقبلة على مستوى الأميّة، وبالتالي عواقب ذلك من التخلف وسهولة التجنيد.. إلخ.
الأزمات السياسية مثل كرات الثلج، تكبر مع الوقت، وتنتج أزمات إنسانية من الصعب حلها إلا عبر سنوات طويلة بعد إنهاء النزاع المسلح، ومن تلك الأزمات تغيير المناهج في المناطق المحررة، والتركيز على البعد الآيديولوجي والعقائدي بحيث لا يحتاج إلى انتظار استقطاب الأطفال بل الذهاب إلى عقر دارهم، وفي مقاعد الدرس والفصول، ودعوتهم مباشرة، واستخدام كل الوسائل من الإغراء المادي إلى التأثير العاطفي إلى الترفيه لجذب وتفخيخ عقولهم.
وبمجرد انفصال مناطق واسعة من سوريا، كغالب ريف دمشق وحلب، عن سيطرة النظام الأسدي، قامت الفصائل التي احتلت تلك المناطق بتغيير مناهج الدراسة وحذف عدد من المواد والتركيز على التعليم الديني، بهدف خلق أجيال جديدة وصاعدة من المتطرفين عن قناعة وفحص، وليس مجرد خوف من سلطة الإرهابيين وسطوتهم.
وبعد ساعات الدراسة النظرية في أول النهار، يتم التفرغ للجانب العملي الذي توليه جماعات العنف والإرهاب أولوية كبيرة، حيث تخضع مجموعات كبيرة من الأطفال إلى حصص من التدريب العسكري الشاق، كل بحسب تصنيفه وسنه والهدف من تجنيده، وبالطبع يتم توثيق هذه التدريبات الصباحية، وأخذ الصور مع الأطفال وهم يحملون أسلحة ثقيلة ترهق أكتافهم التي أرهقها العنف والخراب.
هناك أكثر من 12 ألف مدرسة تابعة لتنظيمات القاعدة و«داعش» بمختلف فروعها في سوريا، وهو ما يعني أن الأجيال الجديدة من الأطفال السوريين يعيشون حالة مسخ للهويّة وغسل للدماغ بأفكار عنفية ستجعلنا أمام المئات والآلاف من أنصار التكفير والتفجير.
الأمر لا يقل سوءا فيما يخص الأطفال، الذين غادروا سوريا إلى دول حدودية متعثرة باستقبال مثل هذه الأعداد الهائلة دون إمكانات تسعهم، وهنا يفضل كثير من الأطفال العودة إلى الديار والانضمام إلى المجموعات المقاتلة بحثا عن الحد الأدنى من الاستقرار والمعيشة، لا سيما بعد إعلان دولة «داعش» عن تخصيص رواتب وحوافز للمقاتلين، وهناك أكثر من 500 ألف طفل سوري غير مستقر على الشريط الحدودي لسوريا في مخيمات تحولت إلى معسكرات إضافية للتطرف بحكم بقاء الصلة بالأفراد الذين في الداخل من الأقارب المنضمين إلى دولة «داعش».
أطفال النظام
الأمر لا يقتصر على المجموعات الجهادية بل يتجاوزها إلى النظام السوري، حيث يقاتل عدد من الأطفال السوريين إلى جانب النظام ضمن ميليشيات الدفاع الوطني، ويتم تكليفهم بالمهام البسيطة، مثل نقاط التفتيش أو ما يعرف بالحواجز.
أما كتائب المعارضة فهي الأخرى منخرطة بتجنيد الأطفال وقتالهم في صفوفها، ونعى جيش الإسلام المراهق محمد نور حماد عن عمر 16 عاما، أثناء قتاله في صفوف الجبهة الإسلامية.
أطفال اليمن والميليشيات
وإذا كانت الحالة السورية هي الأكثر سوءا، فإن أغلب الدول التي تشهد عدم استقرار واضطرابات مسلحة تعاني من ظاهرة تجنيد الأطفال، وأخيرا، كشف تقرير دولي عن تفاقم ظاهرة تجنيد الأطفال في اليمن منذ فشل الوصول إلى صيغة سياسية توافقية ووقوع البلاد في فخ الاضطرابات.
في الحالة اليمنية يتفاقم الوضع، لأن فئة الأطفال هي الفئة المحببة لدى كل القوى السياسية التي تملك ميليشيات مسلحة، والتي تسعى إلى استقطابهم وشرائهم، سواء من قوى ثورية تحاول تكثير سواد حضورها على الأرض أو ميليشيات تنتمي إلى النظام السابق، إضافة إلى تقاسم الحصّة الأكبر بين الحوثيين و«القاعدة» والقبائل التي لا تتوانى في استغلال أطفالها ومراهقيها لإحداث توازن على الأرض.
جماعة الحوثي «أنصار الله» بدأت حملات التجنيد مبكرا في صعدة والمناطق التي تخضع لسيطرتهم، وهو ما رصدته تقارير حقوقية كثيرة، وفي المقابل، نشطت «القاعدة» وجماعة أنصار الشريعة إلى فتح معسكرات تجنيد في أبين جنوب اليمن، وعادة ما تستغل المساجد والمناشط الدينية لاستقطاب المراهقين.
وبحسب تقرير منظمة «سياج»، وهي منظمة يمنية غير ربحية لحماية الطفولة قامت بعمل دراسة ميدانية انتهت فيها إلى أن «تجنيد الأطفال في صفوف الحوثيين يصل إلى ما نسبته 50 في المائة مقابل 40 في المائة لمجندين أطفال يقاتلون في صفوف القبائل والجيش والجماعات الدينية المسلحة».
ومن هنا يجدر بالمنظمات الدولية إعادة النظر في الحالة اليمنية، وذلك عبر إلزام كل القوى السياسية لفك ارتباط الأطفال المجندين، والعمل على إعادة دمجهم في المجتمع المدني، والعمل على إيجاد تدابير عملية من قبل الحكومة من شأنها أن تعمل على تسريح، وإعادة تأهيل وإدماج الأطفال المجندين.
استغلال العاطفة الدينية
واحدة من أهم خطوات تجنيد المراهقين ممن هم دون العشرين حالة العاطفة الدينية المشبوبة لصغار السن، الذين عادة ما يكونون انخرطوا في تجربة تدين حديثة، مصحوبة بتضحوية شديدة، فكثير من هؤلاء الشباب العشريني يعاني في هذه المرحلة العمرية الحساسة من اضطراب سلم القيم، كما هو معروف في علم النفس الاجتماعي، إذ تتقدم قيم إظهار الذات وتحكيم العاطفة والتضحية، والإقدام على قيم أخرى، كالعقلانية والانسجام بالبيئة المحيطة
وبحسب عدد كبير من اعترافات الشباب المغرر بهم ممن استطاعوا الخروج من مأزق التجنيد إما عبر الاعتقال أو الفرار، فإنهم يؤكدون على أن الشاب المتدين في العشرين من العمر يُعد صيدا ثمينا لجماعات التطرف بسبب استغلال حسن نيته واندفاعه، ورغبته الملحة في تغيير الأوضاع التي يعاني منها العالم الإسلامي وفق الرؤية الساذجة التي يقدمها له إعلام جماعات التطرف، من دون مراعاة للتعقيدات السياسية التي تحيط بتلك المناطق المتوترة.
المضافات الجهادية
مع بدايات حقبة ما سُمِّي بالجهاد الأفغاني انتشرت ظاهرة «المضافات»، وهي أشبه ببيوت الشباب التي تستقبل وتستقطب وتعيد إنتاج عقول فئات عريضة من الشباب العشريني الذي يجد في هذه المضافات ضالته؛ حيث يستطيع أن يعيش عزلته مع أفكاره المتطرفة وبرنامج فكري وبدني شاق جدا ينتج منه كادر إرهابي خطر. هذه البيوت السكنية التي كانت تستضيف الشباب القادم من خارج مناطق التوتر للمشاركة في القتال، إذ يتم عزل الشباب في هذه المضافات عن أي مؤثرات خارجية، ويتم تسليط كل التأثيرات الخطابية وبرامج الإعداد بحيث يصبح خيار القتال والاقتناع باستراتيجية التنظيم العسكرية الخيار الأوحد، بحكم ما يحمله الشباب من قناعات تم تكريس كل أساليب الإقناع، ليصل إليها طوال فترة العزل في المضافات.
هذه المضافات، كما تؤكد شهادات المتحولين عن التطرف عادة ما يتم اختيار أماكن نائية لتلقي الشباب فيها، بحيث يصبح التنظيم مسيطرا على كل مصادر التلقي والتمويل والمعيشة فيها، إلى أن يأتي قرار القيام بعملية انتحارية أو المشاركة في عمليات التنظيم، التي يتم اختيارها من جهات أخرى، ولا يتم استشارة الشباب فيها.
تواطؤ العائلات
للأسف، فإن ظاهرة تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة قد تحمل مؤامرة وتواطؤا من العائلة التي ينتمي إليها الطفل، وذلك تبعا للأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، التي تدفع بالعائلات الفقيرة للعمل على ضمان فرص عمل لأطفالهم حتى ولو كان ذلك في سن مبكرة أو تطلب أن يحملوا السلاح، هذا فضلا عن انخراط بعضهم ضمن جماعات دينية مسلحة دون علم الأسرة.
مهن القسوة
مفوضية الأمم المتحدة أرجعت الظاهرة إلى أن معظم اللاجئين يقبعون تحت ظروف متقلبة وغير مستقرة، مما يجعلهم عرضة لعدد من المخاطر التي تهدد حمايتهم، وتقذف بهم تحت أتون الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، واللافت أن استغلال الأطفال لا يتخذ شكلا واحدا في مناطق التوتر، بل هناك أنماط مختلفة للتجنيد، لا سيما لمن هم دون الـ18 عاما، حيث يعمل معظمهم حمّالين، وحراسا، ومخبرين أو مقاتلين، أو يتم تهيئتهم كأجساد مفخخة انتحارية، وتتحدث التقارير عن قيام تلك الميليشيات، وحتى قوات النظام في سوريا باستخدام الأطفال دون الـ10 دروعا بشرية.
الأمر تطور مع دخول المجموعات الجهادية الإرهابية كـ«داعش» وجبهة النصرة و«أحرار الشام»، التي بدأت بجمع العدد الأكبر من الأطفال، بدءا من سن الـ9 «مع استغلال واضح للأطفال الأيتام الذين فقدوا ذويهم خلال الأعمال الحربية، وذلك من خلال الدروس الدينية، وعادة ما يتم استهداف الأطفال الذين ينتمي أحد أفراد أسرتهم إلى تيار عنفي جهادي. وهؤلاء الشبّان هم أكثر المؤهلين لمناصب قيادية في معسكرات الشباب».
وهو الأمر الذي كانت تخفيه «القاعدة» التي بدأت التجنيد للأطفال غير الراشدين منذ 2005، وعُرفت «طيور الجنة» آنذاك بوصفها واحدة من منتجات «الإرهاب» للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و17 عاما، ويتم استخدامهم من قبل «القاعدة» بشتى الأعمال، خصوصا جمع المعلومات ونقلها ونقل الأموال والذخائر والأسلحة وأعمال المراقبة، وصولا إلى الهجمات الانتحارية.
ظاهرة نفسية
الباحثون في علم نفس الطفل يطلقون صيحات التحذير تجاه الظاهرة، حيث يتسبب تجنيد الأطفال خلال الأعمال الحربية بتأثيرات مدمرة على نفسية الطفل خلال مرحلة طفولته ونشأته، حيث يكبر على ما نشأ عليه من مبدأ العنف والقوة، بالإضافة إلى الفزع الدائم والخوف الذي يمكن ينفجر في أي لحظة في داخله كجزء من ضريبة التشوه النفسي والجسدي بسبب المشاركة في الحروب.
خطورة قرار الانضمام إلى تجربة العنف من قبل الشباب من ذوي الفئات العمرية الصغيرة يأتي من كونه قرارا فرديا خطيرا في مسألة تتطلب قرارا مجتمعيا، فصنع قرار المشاركة في أعمال من هذا النوع لا يمكن أن يرجع إلى قرار فردي قد تكون له أبعاد سياسية واجتماعية.
استغلال أصولي
الأمر في استغلال الأطفال لا يقتصر على الجماعات المسلحة الإرهابية، بل يتجاوزه إلى جماعات الإسلام السياسي أو التيارات الأصولية التي تحاول فرض آيديولوجيتها على جميع طبقات المجتمع ومنهم الأطفال، لا سيما في أوقات الأزمات السياسية من أجل حشد موقف سياسي.
في أحدث دراسة أجراها المجلس القومي للطفولة والأمومة بعد ثورتي 25 يناير 2011. و30 يونيو 2013 عن الاستغلال السياسي الممنهج من قبل تنظيم الإخوان للأطفال وبمختلف الصور والأشكال، أبزرها استغلال حاجتهم إلى الغذاء والمال دون وازع من قيم أو ضمير إنساني، ضاربين بالقانون والأعراف والقيم عرض الحائط، لا سيما قانون الطفل.
الضحايا تساقطوا مبكرا على مصطبة الثورات المتعاقبة، كلنا يتذكر أولئك الأطفال الذين قُتلوا بسبب اشتباكات مؤيدي الرئيس المعزول مرسي.
وربما كان أهم حدث في مسألة استغلال الأطفال في الحالة المصرية ما حدث للطفل بمنطقة سيدي جابر بالإسكندرية، بعد قيام أحد أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية بإلقائه من أعلى سطح العقار، فضلا عن عشرات التقارير عن أطفال قُتلوا في اعتصام رابعة، إلى جانب استخدام الأطفال دروعا بشرية، باعتبارهم مشاريع استشهادية، كما يقال.
الأبرز هو استغلال حالة الفوضى السياسية عبر تأجيجها من خلال إفساد العام الدراسي بأكمله، وبالتالي وقوع فئات كثيرة من الصغار والأطفال ضحايا للفوضى السياسية.
يوسف الديني
نقلا عن مجلة المجلة
الارهاب، النظام السوري، تجنيد الاطفال، الميليشيات، القاعدة، احرار الشام، جبهة النصرة، داعش، الحوثيون، الطفولة