خفايا السيئات

خفايا السيئات

IraqShiiteMilitiaRTR4BPYU-198x132

“فيما يلي أسئلة وأجوبة مع الدكتور نايتس نشرت في الأصل من على منتدى «بوست وور ووتش»”.

س: على مدى الشهر الماضي، شهد العراق اضطرابات شعبية واسعة النطاق، أثارها عجز بغداد عن توفير الكهرباء الكافية خلال أكثر أشهر الصيف حرارةً. وقد استجاب رئيس الوزراء حيدر العبادي عبر الإعلان عن سلسلة من الإصلاحات الشاملة في التاسع من آب/أغسطس. لكنّ البلاد شهدت احتجاجاتٍ على القصور الجهازي في تقديم الخدمات من قبل. فكيف تلقي الأزمة الراهنة الضوء على ديناميات القوة الكامنة التي تحرّك سماسرة السلطة العراقية؟

ج: ما يحدث هذا العام مختلفٌ عمّا حدث خلال أزمات الكهرباء السابقة في فصل الصيف. وقد تمّ الكشف عن حزمة من الإصلاحات بمظهرٍ جوهري إلى حدٍ ما، بينما كان العراق في الماضي يخرج من فصول الصيف المماثلة من دون تغييرات دائمة في البنية أو الممارسات الحكومية.

غير أنّ هذا العام فريدٌ من نوعه نظراً إلى الوحدة النسبية التي تميّز الجماعات التي تؤيد الإصلاحات. فقد تعاونت مجموعة من الشخصيات والفصائل الشيعية المحافظة لمكافحة التهديدات المشتركة المحيقة بها، أي عناصر الميليشيات المدعومة من إيران، مثل «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق»، والأحزاب السياسية مثل «منظمة بدر»، فضلاً عن عناصر «حزب الدعوة» التي لا تزال موالية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. لقد بدأت جميع هذه الكيانات تشكّل تهديداً خطيراً يحيق بالتيار الشيعي السائد على الصعيدين السياسي والديني. وهناك فرصة كبيرة في أن تتمكّن هذه العناصر من كسب مستوى عالٍ من الزخم في انتخابات مجالس المحافظات في عام 2017 والانتخابات الوطنية في عام 2018، وقد تستفيد من موجة ظاهرة «وحدات الحشد الشعبي».

وبهذه الطريقة، يمكن بالفعل أن تغيّر هذه الأقطاب ميزان القوى داخل المؤسسة الشيعية السياسية، وذلك بتغلّبها على اللاعبين الرئيسين كالجزء الأكبر من «حزب الدعوة» الموالي لحيدر العبادي، وتهميشها جماعات أخرى مثل «المجلس الأعلى الإسلامي في العراق»، وطغيانها على الأجزاء الأساسية من تيار مقتدى الصدر. وليس مستبعداً أن يبرز إلى الصدارة عددٌ من رجال الدين الشيعة الأصغر سنّاً، المتشدّدين والمدعومين من إيران، وذلك من خلال «وحدات الحشد الشعبي». [كما] أن بروزهم يمكن أن يتيح الفرصة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني لكي يصبح طرفاً دائماً في النظام الأمني في العراق.

وهؤلاء رجال الدين والقوى السياسية التي يستقون منها الدعم يمكن أن يمثّلوا تهديداً على المدى الطويل لـ «الحوزة العلمية» في النجف وكربلاء. [كما] بإمكانهم أن يغيّروا يوماً ما نظام الحكم الديني في العراق من النموذج الأهدأ الحالي الذي يدعمه آية الله علي السيستاني وأعضاء آخرون من «حوزة النجف» إلى نظام حكمٍ يشبه نموذج “ولاية الفقيه” الذي أرساه آية الله الخميني في إيران. وفي نهاية الأمر، لم يمثّل الحراك هذا الصيف انتفاضة على غرار “الربيع العربي”، بل بدا كأنه سلسلةً من الاحتجاجات المرتبطة – التي عزّزتها إلى حدٍ كبير بعض العناصر القومية والليبرالية حقاً في بغداد – التي دعمها الزعماء الدينيون الشيعة في النجف بشكلٍ أساسي. والقصة الحقيقية وراء هذه الانتفاضات هي أنّ المؤسسة السياسية والدينية الشيعية أرادت استباق الاستيلاء على السلطة من قبل العناصر المدعومة من طهران في البلاد، [التي تعمل بجدٍّ لتحقيق مآربها].

س: على الرغم من أنّ القوات الحكومية تظهر عاجزةً عن دحر زحف تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، إلّا أنّ «وحدات الحشد الشعبي»/«الحشد» حقّقت نجاحاتٍ في دحر الزحف «الداعشي» جزئياً. وقد اجتذب هذا «الحشد» إلى صفوفه أعداداً كبيرة من الشيعة الشباب العاطلين عن العمل، الذين يمكنهم قياس مكاسبهم مقابل أوجه قصور السياسيين القابعين داخل “المنطقة الخضراء”. ويتواجد الكثير من هؤلاء الشباب اليوم في الصفوف الأمامية من المظاهرات الحالية. ما هو الدور السياسي التي تضطلع به «وحدات الحشد الشعبي» في العراق، وكيف يؤثّر مختلف قادة الفصائل في صنع القرار في الحكومة المركزية؟

ج: هناك طيفٌ واسع من القوات العسكرية المقاتلة تحت مظلّة «وحدات الحشد الشعبي» أو المُلحقة بها، إلا أنّها تضطلع بأدوارٍ مماثلة. وتُعتبر «وحدات الحشد الشعبي» لجنةً رسمية منبثقة عن مكتب رئيس الوزراء، وقد خُصّصت لها حصة من الميزانية الوطنية لعام 2015. وتلجأ مجموعات مشاركة وغير مشاركة في هذه المؤسسة الحكومية إلى “التعبئة الشعبية” ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية».

وترتبط بعض الجماعات التي تغطّيها الموازنة بـ “ديوانَيْ الوقف الشيعي” في النجف وكربلاء، ويُعتبر حجم هذين الكيانين كبيراً إلى حدٍ بعيد، مع أكثر من عشرة آلاف فرد يحملون السلاح، وتموّلهما جزئياً لجنة رئيس الوزراء، فضلاً عن التمويل الناتج عن العشور الدينية. وتعمل هذه “الميليشيات لحماية الأضرحة” جنباً إلى جنب مع قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وهي غير مدجّجة بالسلاح بقدر بعض العناصر الأخرى في «وحدات الحشد الشعبي»، وتخضع لقيادة المؤسسات الدينية في النجف وكربلاء وسيطرتها. ومن وجهة نظرٍ غربية، تُعدّ هذه الجماعات معتدلة وجديرة بالثقة.

وترتبط عناصر أخرى في «وحدات الحشد الشعبي» بالجماعات المسلّحة أو الإرهابية التي قتلت الكثير من جنود التحالف الأمريكيين والبريطانيين وغيرهم بين عامي 2003 و2011. ولهذه المنظّمات أيضاً تمويل من لجنة رئيس الوزراء، لكنّها تتلقّى كذلك الأموال مباشرةً من الحكومة الإيرانية عبر «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، فضلاً عن الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمدرّبين المنخرطين مباشرةً والدعم الجوي الإيراني. وقد لقي عددٌ من قادة «الحرس الثوري» مصرعهم وهم يقاتلون إلى جانب «وحدات الحشد الشعبي». وهذا الدعم الذي تقدّمه دولة مجاورة هو ما يجعل من «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق» و «ميليشيات بدر» جماعات فعّالة عسكرياً، قادرة على إجراء عمليات هجومية ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن ثم فهي جذّابةٌ جداً للعراقيين الشباب، إذ لا تكتفي هذه الجماعات بمنحهم راتباً يُعوَّل عليه، بل توظّف أيضاً دعاية ماكرة وتتمتّع بمعدّات جيّدة ويسهل للغاية الانضمام إليها. وبخلاف الجيش العراقي، تتّسم هذه الميليشيات بتراخٍ في الانضباط إلى حدٍ ما. فهي مؤسسات تتمتّع بمظهرٍ ديناميكي، على عكس القوات المسلّحة العراقية النظامية والقديمة والمتعَبة. وأخيراً، لا تتمّ مساءلة مقاتلي هذه الميليشات بموجب نفس قانون القضاء العسكري كجنودٍ حقيقيين.

ومن الناحية العسكرية، شاركت «وحدات الحشد الشعبي» في عددٍ من العمليات الدفاعية الشجاعة التي حافظت فيها على مواقعها. ويعود الفضل إلى صمود سامراء وعدم تعرّض بغداد قطّ لهجوم خطيرٍ من قبَل تنظيم «داعش» إلى «وحدات الحشد الشعبي». بالإضافة إلى ذلك، استعيد الجزء الأكبر من ديالى، وتمّ تحرير جرف الصخر من حكم تنظيم «الدولة الإسلامية»، بينما ظلّت طرق الحجّ الشيعية مفتوحة خلال عاشوراء وأربعينية الإمام الحسين، وبقيت كربلاء والنجف آمنتين، وهذه كلّها نجاحات تجمعها «وحدات الحشد الشعبي» في رصيدها. ومع ذلك، فإن «وحدات الحشد» غير قادرة على الانتصار في كلّ معركة تخوضها. وتكافح عناصر «وحدات الحشد الشعبي» حالياً للزحف قدماً في مدينة بيجي، وقد عجزت عن استعادة تكريت إلّا بعد تدخّل الجيش العراقي والقوات الجوية الدولية، وهي لا تقود كذلك المعارك لتحرير الرمادي.

وليست هذه النجاحات والإخفاقات نتاج “نوع” واحد من «وحدات الحشد الشعبي»، فالمنظّمة مختلطة ولن تجد اليوم تقريباً أيّ ساحة معركة تعمل فيها ميليشا واحدة أو فئة واحدة من الميليشيات. فـ «منظّمة بدر» تضمّ أقوى الجنود في «وحدات الحشد الشعبي» في وادي نهر ديالى وعلى طول الطريق بين بغداد وكركوك. وقوات مقتدى الصدر قوية في بغداد وسامراء والنجف، وكربلاء؛ كما أن “ميليشيات حماية الأضرحة” شديدة البأس حول المدن المقدّسة وعلى الأطراف المؤدية إلى محافظة الأنبار. أمّا «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق»، فتنتشر حول الكثير من ساحات المعارك المختلفة، حيث تؤدّي قواتهما أو تزعم أنّها تؤدّي دوراً قيادياً في تلك المنطقة. وقد كانت حكومة العبادي قادرة عموماً على إحكام قدرٍ من السيطرة على عناصر «الحشد» وإخضاعها لخطة العمل الواسعة التي وضعها رئيس الوزراء. وكانت تكريت أفضل مثال على هذه القدرة، علماً أن «وحدات الحشد الشعبي» لم تضطلع إلّا بدورٍ مساند ومحدود في غرب وادي نهر الفرات.

ومع ذلك، فإن الوضع في بغداد أكثر إثارةً للاهتمام وتعقيداً. فالقوة القتالية العراقية، بسوادها الأعظم، أي أكثر من نصف ألوية “الشرطة الاتحادية” والجيش، تتركّز قريباً جداً من العاصمة والمناطق الريفية المحيطة بها. ولا يهدّد تنظيم «الدولة الإسلامية» باستمرار باجتياح بغداد أو اختراقها بطريقة جادّة. وبدلاً من ذلك، انعدمت الثقة بأنّ قوات الأمن الاتحادية قد تزحف شمالاً أو غرباً وتترك لـ «وحدات الحشد الشعبي» مهمة الحفاظ على السيطرة في العاصمة. وتفهم الحكومة أنّها بحاجة إلى الحفاظ على قوة عسكرية كبيرة للإفراط في ضمان أمن بغداد، بحيث لا يخطئ أحد أنّ «وحدات الحشد الشعبي» هي القوة الأمنية الأساسية في البلاد. إنّ حقيقة وجود توتّر كبير بين «وحدات الحشد الشعبي» والحكومة الاتحادية هي التي تبلور الحرب برمتها ضدّ تنظيم «داعش». ويعيق هذا التنافس تحقيق تقدّم نحو الموصل أو حتى غرب وادي نهر الفرات.

س: منذ توغّل تنظيم «الدولة الإسلامية» في حزيران/يونيو في الموصل، راقبت القيادة السياسية الشيعية في العراق شرعيّتها وهي تهبط عندما تبيّن أنّها عاجزة أمام استيلاء «داعش» على المناطق التي يسكنها السنّة. كيف يمكن إقران الخطوات التشريعية الحالية التي يتّخذها العبادي بسياق محاولاته الأوسع لاستعادة السيطرة على الوضع الراهن؟

ج: تُعتبر جهود الإصلاح التي يبذلها العبادي مجموعةً معقّدة من المبادرات المختلفة، تحرّك كلَّ واحدةٍ منها دوافعُ متميزة. وتجري معالجة مشاكل عديدة في عملية إصلاحية واحدة تشبه كرة من الخيط يصعب للغاية فكّها.

أولاً، هناك حملة لمكافحة الفساد. وقد يشكّل هذا الجهد بدايةً لبرنامج حقيقي لمكافحة الفساد، لكن من الأرجح أن يتم استخدامه بطريقة مستهدفة وفئوية. إن الكثير من الأشخاص الذين ينبغي إقالتهم سوف يبقون في مناصبهم، وذلك لأنّهم مقرّبون للغاية من جناح العبادي في «حزب الدعوة». وسيسهل طرد الكثيرين من الذين يمكن التخلّص منهم، مثل نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة بهاء الأعرجي. كذلك، سيكون عددٌ كبير من خصوم العبادي – وهم على سبيل المثال أشخاصٌ موالون لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي أو أشخاصٌ من «وحدات الحشد الشعبي» الأقلّ إذعاناً – من بين أوّل المستهدفين بهذه التدابير الرامية إلى مكافحة الفساد. وربما بعد أن يتمّ استبدال هذه الشخصيات، قد تقوم حكومة العبادي بإجراء المزيد من التحقيقات غير الفئوية.

ثانياً، تشمل خطة العبادي مجموعةً من الإصلاحات العسكرية غير المتكاملة والأقرب إلى الترقيع. لكن، عند وضعها جنباً إلى جنب مع بعضها البعض، يبرز العديد من المواضيع المشتركة، ومن جملتها التخلّص من القيادة القديمة وغير الفعّالة في المناصب الحربية واللوجستية والإدارية، وتحديد “الجنود الأشباح” الذين لا توجد أسماءهم سوى في جدول الرواتب ومن ثمّ إقصاؤهم، فضلاً عن التجرّد من التفاصيل الأمنية الخاصة الكثيرة التي يستخدمها السياسيون الرئيسيون. وستؤدّي هذه السياسة الأخيرة بشكلٍ أساسي إلى تأمين أكثر من عشرة آلاف رجل مسلّحٍ في سنّ الخدمة العسكرية، يمكن ضمّهم إلى صفوف القوات المسلحة في الدولة. وإلى جانب هذه الاستراتيجيات الرامية إلى إزالة التبذير العسكري، أعادت الحكومة العمل بقانون القضاء العسكري للقادة الذين قصّروا في واجباتهم خلال المعارك في الموصل والرمادي، وبالتالي وضعت ثمناً مقابل عدم الكفاءة.

ثالثاً، تهدف بغداد إلى وضع مجموعة من تدابير التقشّف. وسوف يتمّ إدراج هذه الجهود، التي ستحتاج فترةً طويلة إلى أن تتكشّف للعيان، في ميزانية عام 2016. فالعبادي يُعدّ الشعب العراقي لموازنة صارمة تقوم على سعرٍ للنفط متحفّظٍ للغاية، وقد أعلن وزير النفط عادل عبد المهدي أنّ السعر قد لا يتعدّى 40 دولاراً للبرميل، أي سيكون مشابهاً للأسعار التي اعتُمِدت في آب/أغسطس 2015 (مع التخفيضات التي تضعها بغداد على النفط العراقي، وصل سعر البرميل الواحد في آب/أغسطس إلى 39 دولاراً). يؤمل أن ترتفع هذه الأسعار، إلّا أن الحكومة لا تستطيع الاعتماد على حدوث ذلك. وبالمثل، تبني الحكومة ميزانيتها استناداً إلى كمية متحفّظة من صادرات النفط – لا تتعدّى ربما ثلاثة ملايين برميل في اليوم. وقد استندت ميزانية العام المنصرم إلى حجم تصدير بلغ 3،3 مليون برميل يومياً، بسعر يبلغ 56 دولاراً للبرميل الواحد.

وعلى الرغم من أنّ ميزانية 2016 أصغر بكثير وتقتصر على ثلاثة ملايين برميل يومياً يبلغ سعر البرميل الواحد 40 دولاراً، إلّا أنّ الحكومة تأمل في أنّها لن تحتاج إلى اعتماد تخفيضاتٍ متراوحة في العمالة أو الخدمات العامة. وبمعالجة أوجه عدم الكفاءة في الإدارة العامة، يمكن أن تتدبّر الحكومة أمرها بإيراداتٍ أقلّ [من التوقعات]، كما ثبت في السنوات القليلة الماضية. وعندما يكون ثلث البلاد خاضعاً لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، فذلك يعني أنّ هذا الثلث لا يولّد الكثير من التكاليف. كذلك، عندما لا تكون الوزارات والمحافظات قادرةً على تنفيذ أكثر من 80 في المائة من ميزانيتها السنوية – وغالباً أقلّ بكثير -، فربما لا حاجة إلى كامل المبالغ المخصّصة لها حتى الآن.

وقد أعلن العبادي أنّ العراق سيواجه ميزانية صعبة في عام 2016، لكنّ الخطوة الأولى التي اتخذها كانت تقليص راتبه ورواتب وزرائه بنسبة 40 إلى 50 في المائة، فضلاً عن تقليص رواتب الموظفين الحكوميين العاملين في الدوائر الداخلية بنسبة 30 إلى 40 في المائة. وعلاوةً على ذلك، خفّض العبادي حجم مجلس الوزراء من 33 إلى 22 مقعداً، وألغى ثلاث مناصب من نواب رئيس الوزراء ومنصبين من نواب رئيس الجمهورية. وفي نهاية المطاف، يشير رئيس الوزراء العراقي إلى أنّ التقشّف يجب أن يبدأ من أعلى الهرم الحكومي قبل أن يطلب من شعبه أن يعاني نفسه بعض الشيء من أجل وضع الاقتصاد على المسار الصحيح. على سبيل المثال، قد تعني الإصلاحات في سعر الكهرباء أنّ المواطن العراقي العادي سيضطرّ إلى دفع المزيد مقابل الكهرباء الذي يحصل عليه. وفي الوقت الراهن، تحظى الكهرباء بدعمٍ شديد لدرجة أنّها تشكّل استنزافاً هائلاً للاقتصاد الوطني. وإذا ما دفع العراقيون ولو جزءاً يسيراً من الفاتورة التي تُدفع في بلدان أخرى في جميع أنحاء المنطقة، يمكنهم أن يساعدوا على استعادة قدرة البلاد على توفير ما يكفي من الطاقة.

وتكمّل هذه المجموعات الثلاث من الإصلاحات، أي مكافحة الفساد والجيش والتقشّف، شبكةً من التعديلات الإدارية والبرلمانية، وبعض هذه السياسات سليم المنطق. على سبيل المثال، يمكن الآن إقالة النواب الذين يتغيّبون عن الكثير من جلسات البرلمان، في حين أن بعض التعديلات الأخرى هي أكثر إثارةً للاهتمام. ففي 27 آب/أغسطس، أقرّ البرلمان بالإجماع “قانون الأحزاب السياسية”، الذي من شأنه أن يضع القيود على الأشخاص الذين يحقّ لهم تشكيل الأحزاب، وعلى الجهات التي تموّلهم، وعلى الأنشطة التي يُسمح لهم القيام بها. ومن جهة أخرى، يوسّع هذا القانون تعريف اجتثاث البعث ليشمل صغار أعضاء حزب البعث. وبموجب القانون، سيُحظَّر على هؤلاء الأفراد إلى الأبد تشكيل أحزاب سياسية. وسيشمل هذا القرار حتى العرب السنة المعتدلين للغاية من تكريت، على سبيل المثال، الذين يريدون أن يشكّلوا حزباً ديمقراطياً ليبرالياً، حيث سيُمنع عليهم مثل هذا العمل. ويعادل هذا الجانب من القانون وظائفه الإيجابية المتمثّلة بالحدّ من التنكيل في النظام السياسي.

س: العلاقة بين «وحدات الحشد الشعبي» والولايات المتحدة متوتّرة. ما هي الفرص المتاحة لصانعي السياسات والقادة العسكريين الأمريكيين للتعامل مع هذه المنظمات الميليشيوية المختلفة، داخل إطار الدولة المركزية وخارجه على حدٍ سواء؟

ج: تلتزم الولايات المتحدة العمل من خلال وزارة الدفاع العراقية ومكتب رئيس الوزراء. على سبيل المثال، هناك أسباب وجيهة لإرسال الأسلحة مباشرةً إلى الأكراد. لكنّ الحكومة الأمريكية بذلت جهداً إضافياً لضمان توجيه جميع الشحنات عبر مطار بغداد، حيث يمكن لوزارة الدفاع القيام بتفتيشها.

لقد كانت هناك بالفعل مستويات عالية من التعاون بين واشنطن وعناصر مختلفة من «وحدات الحشد الشعبي». وفي بعض الأحيان، سيشير المسؤولون الأمريكيون إلى هذه الجماعات بوصفها “«وحدات الحشد الشعبي» الجيّدة”، وهي “ميليشيات حماية الأضرحة” وعناصر من تيّار مقتدى الصدر. وتتمتّع هاتان المجموعتان بمستوى من التفاهم مع أعضاء التحالف الدولي والأمريكيين فيما يتعلّق بالعمليات العسكرية والتعاون. لنأخذ، على سبيل المثال، مشكلة الدعم الجوي الذي تقدّمه قوات التحالف لـ «وحدات الحشد الشعبي». إذا أصابت طائرة حربية أمريكية عن طريق الخطأ إحدى هذه الوحدات، هل ستتفهّم الميليشيات أنّ حوادث الأضرار الجانبية تقع في زمن الحرب، أم أنها ستزعم أنّ مثل هذه الحوادث دليلٌ على الحقد الأمريكي ومن ثمّ ستردّ عليها؟ لذا تكمن الحاجة إلى وجود مستوى من الثقة قبل انخراط واشنطن مع مجموعة معيّنة من «وحدات الحشد الشعبي».

وتعمل الولايات المتحدة أيضاً في ساحات القتال التي تنخرط فيها مجموعات أخرى غير ودّية من «وحدات الحشد الشعبي»، وستعزف واشنطن عن توفير الدعم الجوي المباشر لهذه الوحدات. لكنّها ستعمل مع مقرّ الحكومة العراقية لكي تغطّي قطاعاً معيّناً من المعركة، الأمر الذي يسمح بتوجيه الدعم الجوي الأمريكي إلى أجزاءٍ من الجيش أو “الشرطة الاتحادية” مع إبقاء الطائرات الحربية الأمريكية بعيدةً عن المناطق التي تقاتل فيها “«وحدات الحشد الشعبي» السيئة”. وقد استُخدم هذا الأسلوب خلال العمليات في تكريت، على سبيل المثال.

س: تمثّل الأزمة في العراق جزءاً من صراع دولي أكبر، يجتاح سوريا المجاورة ويهدّد بالتأثير مباشرةً على تركيا ولبنان والأردن، من بين جهات فاعلة أخرى. ما هي المقاييس التي يمكن أن يستخدمها المحلّلون لقياس التقدّم العسكري والسياسي داخل العراق؟

ج: يمكن القول إن هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» واحدة من أقلّ المشاكل الهامة التي تواجه الحكومة العراقية اليوم، وثمة الكثير من التحديات الواسعة التي ينبغي تخصيص الأولوية لها. أوّلاً، من جملة هذه المخاوف الأزمة الاقتصادية الوشيكة التي تهدّد القدرة على إرساء أيّ استقرار دائم بعد دحر تنظيم «داعش». كيف تستطيع الحكومة العراقية أن تنتقل من تمويل نفسها بالكاد بمائة دولارٍ للبرميل الواحد إلى 50 دولاراً أو أقلّ، ربما إلى الأبد؟

ثانياً، يمكن أن تقوّض ظاهرة «وحدات الحشد الشعبي» والمعارك الفئوية الناتجة من قدرة بغداد على إنشاء قيادة متماسكة في جميع أنحاء البلاد. وقد تُبلور هذه الديناميكيات مستقبل العراق الشيعي، فإمّا تحتفظ الحكومة الاتحادية بالسيطرة وإمّا قد تشهد بلاد الرافدين حركةً مماثلة للثورة الإسلامية في إيران، وإن تكن بوتيرة أبطأ. كيف يمكن أن يمنع القادة العراقيون مثل هذا التحوّل أو يديروه؟

ثالثاً، قد ينفصل أكراد العراق عن الدولة العراقية. في ظلّ أيّ ظروفٍ يمكن أن يعيش العراقيون والأكراد جنباً إلى جنب من دون أن يعيش هؤلاء بالضرورة تحت سلطة الآخرين؟

إنّ الإجابات على هذه الأسئلة هي على الأقل على نفس الدرجة من الأهمية التي يضطلع بها الحلّ لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية».

س: على الرغم من أنّ الجهات الفاعلة العراقية بدت راضية بإنهاك العدو الرئيسي للبلاد بصبرٍ، يُعتبر التحالف ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي تقوده الولايات المتحدة في وضعية مختلفة في الوقت الراهن. فالضربات الجوية أصبحت أكثر تواتراً، وتنظيم «داعش» اضطرّ إلى ضبط وتيرة عملياته نتيجةً لذلك. ما هي التحديات القائمة من حيث التنسيق بين كلٍ من رغبات الجهات العسكرية الأجنبية وعملياتها من جهة والقدرات أو الاستراتيجية العراقية من جهة أخرى؟

ج: لقد قاتل العراقيون تقريباً بأقصى ما أوتيهم من قوة منذ بداية النزاع الراهن. أمّا الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف، فكانوا مقيّدين للغاية في عملياتهم. وسواء يأذن المسؤولون الأمريكيون بشن ثماني غارات جوية يومياً أو بعشرين، لا تزال النتيجة مثيرة للشفقة. والعراقيون لا تبهرهم هذه المساعدة العسكرية المحدودة، فبغداد تدرك أن لا الولايات المتحدة ولا شركاءها تهمّهم الحرب كفاية، وهي بالتالي تبحث عن حلفاء يهتمّون فعلاً بها. وقد عثر العراقيون في إيران على ما يبدو على ضالّتهم. ويُعدّ التسليم الأمريكي مؤخراً لطائرات الـ “أف-16” رمزاً ملموساً على الأقلّ، في حين تحتدم المعارك للسيطرة على الرمادي. بيد أنّه من المرجح أن تعود هذه الجهود بواشنطن إلى النقطة التي انطلقت منها في آذار/مارس 2015.

وتشكّل مدينة الموصل أكثر التحديات التنسيقية صعوبةً. صحيحٌ أنّ المدينة ساحة معركة معقّدة تضمّ مجموعات عرقية وطائفية متعدّدة، وصحيحٌ كذلك أنّها تبعد كثيراً عن بغداد وأكبر من تكريت بـ 12 ضعفاً ومن الرمادي بثلاثة أضعاف، لكنّ هذه العوامل لا تمثّل المشكلة الأساسية. فالمعركة المستقبلية للسيطرة على الموصل ستكون بمثابة حملٍ ثقيل لأنه لا توجد مجموعة تريد حقاً خوض هذه المعركة. ولا توجد أي منظّمة على استعداد لفقد ألفين من مقاتليها من أجل تحرير المدينة. ونتيجةً لذلك، سيُضطرّ التحالف الدولي على الأرجح إلى تأدية دور قيادي في ضخّ الحماس للقتال في الموصل، وفي جعل المعركة قابلةً للتحقيق بما يكفي لكي تشعر الجهات الفاعلة التقليدية بأنّه من المجدي استعادة المدينة. وعندها فقط سوف تواجه بغداد جميع التحديات السياسية والاجتماعية الأخرى للوصول إلى المدينة، والظفر في المعركة، ووضع خطة لإعادة الإعمار في المرحلة التي تلي التحرير.

مايكل نايتس

معهد واشنطن