الصدمة التي أحدثها بين العراقيين خبر لقاء “الخالة بلاسخارت” ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق بعلي أكبر ولايتي ممثل خامنئي قبل أيام في طهران، وما أعلنه من تصريحات جارحة في تدخله المتفرد السافر، في حقيقته لم يكن غريبا أو مفاجئا للمتابعين. جينين بلاسخارت تحاول إحداث اختراق في مهمّتها ببغداد بشأن أمر مهم من شؤون العراق وهو الانتخابات، لعّلها تُغيّر من الانطباع السائد ومن الشكوك الشعبية التي أحاطت بنشاطاتها وميلها غير المُرحّب به إلى طرف من أطراف الفعاليات السياسية الحاكمة وغير الحاكمة في العراق.
بدأت بلاسخارت عملها في العراق عام 2018 في مرحلة خطيرة تصاعدت فيها المعارضة الشعبية للنظام القائم بعد انتهاء عمل يان كوبيتش ذي السمعة غير الطيبة والكلام الكثير حول مهادناته وتلميعه لصورة حكام بغداد، وسيرجيو فييرا دي ميلو في مهمته التي لم تستمر أكثر من خمسة أيام بعد لقائه بالمرجع الشيعي علي السيستاني، وقضى في تفجير إرهابي لم تتبيّن دوافعه إلى حد الآن بعد أن أبلغه السيستاني موقفه بضرورة الإسراع في كتابة الدستور دون رغبة الحاكم الأميركي بول بريمر، وفق ما ذكره الموظف الدولي غسان سلامة الذي رافق دي ميلو في مقابلته اليتيمة.
من يقرأ وظيفة ممثلية يونامي (بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق) وفق قرار مجلس الأمن رقم 1500 في أغسطس 2003 يجدها غامضة حول الحدود التي يتحرّك فيها ممثل الأمين العام، هل تنحصر في ما تطلبه منه الحكومة من مساعدات فنية وخبرات لوجيستية ضمن العهد الدولي تجاه العراق، أم تتجاوز ذلك إلى محاولة وضع حلول للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ انفراد أحزاب الإسلام السياسي الشيعي بالحكم وقمعها للمعارضين وبيئاتهم الاجتماعية ومكوناتهم الطائفية بعد استسلام المجتمع الدولي إلى فكرة أن النظام القائم هو طائفي شيعي موالٍ لطهران.
هذه الضبابية المتعلقة بشرعية الحكم إزاء المنظمة الدولية التي أخرجت العراق من البند السابع إلى السادس جعلت من يونامي عجينة رخوة مهيّأة للعب على يد من يقودها. ويبدو أن من سوء حظ العراقيين أن تتسلّم المهمة امرأة لم تستمر في وظيفة وزيرة دفاع بلدها هولندا أكثر من سنة، حيث وجهت لها رئاسة حكومتها الشكوك في أوامرها بقصف المدنيين في العراق، ضمن حملات التحالف الدولي ضد داعش 2014 – 2017. فهي تدّعي سعيها إلى بناء حوارات سياسية بين جميع الأطراف في البلد، لكن واقع الحال يقول إنها دخلت دهليز القوى الشيعية المسلحة دون الاكتراث بالقطاع الواسع المعارض المتمثل في ثورة أكتوبر التي غيّرت الواقع السياسي في العراق.
الأمم المتحدة تتعاطى مع واقع العراق على أنه محكوم من قبل الزعامات الشيعية الدينية والسياسية، لهذا دائما ما يلجأ ممثلوها إلى التقرّب واللقاء بالمرجع السيستاني لعله يعينهم في مهمتهم. ولقاء بلاسخارت معه لم يكن استثناء، لكن الظرف تغيّر عما كان عليه الوضع عام 2003 و2005. اليوم أصبحت زعامات الميليشيات المسلحة الموالية لخامنئي وليس للسيستاني هي المتحكمة في الشارع، لهذا اضطرت إلى لقاء “الخال أبو فدك” في بغداد، في مسعى فاشل منها لتخفيف الاحتقان لأنها تعلم أن أي انتخابات مقبلة سيكون السلاح هو المهيمن على اتجاهاتها إلى جانب المال السياسي.
وحين لم تجد في بغداد ما يلبّي جزءا من حلولها التي أعلنتها عام 2019 بعد لقائها السيستاني ذهبت، بعد توريط السفير الإيراني مسجدي لها، إلى بيت الوالي الكبير خامنئي في طهران ممثلا بولايتي الذي صدمها بتصريحاته الداعية إلى عدم شراكة أي جهة دولية لهم في تسيير شؤون الانتخابات في العراق.
ألا يتطلب التحول المهمّ الذي حصل في المسألة العراقية عام 2019 بتنفيذ مطالب ثورة أكتوبر بإجراء الانتخابات المبكرة ومجيء مصطفى الكاظمي للسلطة، من ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة أن تضع في ميزانها هذا الثقل السياسي والميداني الجديد مقابل إعطائها كل الثقل للميليشيات وما تنفذه بأوامر من طهران في القتل وترويع المواطنين وإرهابهم؟
بلاسخارت تعلم ولديها الوثائق والأدلة من تصريحات ومواقف زعماء الميليشيات وخوفهم من الانتخابات النزيهة، ومن بينها ما يدعون فيها إلى أن الانتخابات المبكرة هي مشروع أميركي، ربما في عهد دونالد ترامب وليس في عهد جو بايدن الواعد، لكنهم على ثقة وقراءتهم هذه المرة صحيحة بأن توفير متطلبات النزاهة والظروف الأمنية الخالية من سيطرة السلاح ومنع المال السياسي المعروفة مصادره من سرقة مال الشعب العراقي، وتعزيز الوسائل الفنية كالتسجيل البايومتري سيوفر فرصة جدّية أمام النخب الطلائعية النزيهة من الثوار والشخصيات الوطنية النزيهة لترشيح أنفسهم وسط إقبال جماعي من الناخبين، وليس 20 في المئة إلى صناديق الاقتراع.
بلاسخارت تعرّضت إلى صدمة عشق الملالي في طهران، فقد استحضرت متطلبات اللقاء في مظهرها ووشاحها الذي يعكس احترام هيبة المقام وتوقعت من ممثل الإمام ردّا يتناسب وهذا العشق في تنفيذ بعض طلباتها بتخفيف قبضة الميليشيات التابعة لهم على شؤون الانتخابات المقبلة، لكن غابت عنها حقيقة أن الملالي الشيعة السياسيين الحكام في طهران لا يؤمنون بخرافة العشق وتجليات رباعيات الخيام. هم واقعيون شرعنوا زواج المتعة بأجرٍ وأجلٍ معلوم بلا آمال والتزامات مستقبلية.
هل ستعلن الخالة بلاسخارت حقيقة الصدمة للجمهور العراقي والعالمي، وتكشف أن ملالي طهران يستحضرون خططهم ووسائلهم لانتخابات العراق بحياكة نسيجها كسجادهم العجمي، ممهدين لمجيء الجيل الثاني من قادة حرس خامنئي في العراق، جيل السلاح والعنف المُفرط والسخرية من اللعبة الديمقراطية، إن لم تلب رغباتهم بالاحتفاظ بالعراق الولاية 32 لإيران. أم أنها لن تبيح بصدمة عشقها للحفاظ على ماء وجهها وامتيازاتها لا تهمّها لعنة شعب العراق والتاريخ؟
العرب