عملية ” مخلب النسر2″: بين الرواية التركية والعراقية

عملية ” مخلب النسر2″: بين الرواية التركية والعراقية

أعلنت وزارة الدفاع التركية،يوم الأربعاء الماضي، عن انطلاق عملية عسكرية جديدة شمالي العراق تحمل اسم “مخلب النسر 2″، ضد حزب العمال الكردستاني بهدف “رد الهجمات الإرهابية وضمان أمن حدودنا”، وفقا لبيان مقتضب لوزارة الدفاع التركية. وبحسب المعلومات الخاصة التي حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية استهدفت العملية العسكرية التركية مناطق العمادية وشرسنك وديرالوك وجمانكى بقصف قرى كثيرة في هذه المناطق والقيام بانزال جوي بالمروحيات.

وكانت وزارة الدفاع التركية، أعلنت في منتصف حزيران/ يونيو 2020، انطلاق عملية “مخلب النسر” شمالي العراق ضد حزب العمال الكردستاني، فيما قامت الحكومة العراقية باستدعاء السفير التركي في بغداد فاتح يلدز، لأكثر من مرة احتجاجاً على العمليات العسكرية، وهددت بتسجيل شكوى لدى مجلس الأمن الدولي، وقامت بنشر قوات حرس الحدود العراقية، غير أنّ نشر هذه القوات لم يمنع تركيا من مواصلة القصف المدفعي.

وأوضحت الوزارة في بيان الجمعة، أن عملية مخلب النسر/2 التي انطلقت في 10 فبراير/شباط الجاري ضد الإرهابيين بمنطقة غارا شمالي العراق، مستمرة وفقاً للخطة المرسومة”.

ومن من جانبه أفاد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، بان “تركيا قامت وتقوم بعملياتها ضد حزب العمال الكوردستاني شمالي العراق، بالتنسيق مع بغداد وأربيل”. لكن المعلومات الخاصة التي حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية تنفي تلك التصريحات إذ تفيد تلك المعلومات أن القنصل التركي في أربيل أبلغ حكومة كوردستان بتلك العملية، وأن السفير التركي في بغداد أبضًا اتصل بالحكومة العراقية بخصوص العملية، لكن الحكومة العراقية رفضتها بالمطلق، وأبلغته بذلك. لكن السفير قال للحكومة العراقية بأن تركيا تبلغكم بالعملية العسكرية ولا تطلب موافقتكم عليها، هذا يعني أن الحكومة العراقية لم تنسق مع الحكومة التركية فيما يتعلق بعملية مخلب النسر 2″.

فالتعاون الوثيق بين أجهزة المخابرات التركية مع كل من أجهزة المخابرات في بغداد وإقليم كوردستان العراق، لا يعط تركيا الحق في الانتهاك المستمر للسيادة العراقية بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكوردستاني في شمالي العراق. فهذا التدخل على ذلك النحو، يتناقض تمامًا مع مبادىء الأمم المتحدة التي تدعو إلى احترام سيادة الدول وعدم تدخل الدول في شؤون الدول الأخرى.

من جهته، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، “كريم عليوي المحمداوي”، اليوم الجمعة، أن الانقسامات السياسية والولاءات الخارجية كانت السبب الأساس في تمادي الجانب التركي في عدوانه على “العراق”؛ وإراقة دماء الأبرياء، داعيًا الحكومة إلى استخدام جميع الأوراق الممكنة للضغط على “تركيا” لإنهاء عدوانها السافر.

وقال “المحمداوي”، أن: “العدوان التركي لم يكن الأول، ولن يكون الأخير، طالما كانت الجبهة الداخلية للعراق مفككة والانقسامات والصراعات هي السائدة، بالتالي فإننا بحال أردنا إيقاف هذا العدوان والانتهاك لسيادتنا؛ علينا أولاً إصلاح العملية السياسية الداخلية وتوحيد الموقف السياسي تجاه أي عدوان على البلد من أي طرف مهما كان، وأن تكون سيادة العراق خط أحمر يعاقب كل من يتعدى عليه”.

أما عن النتائج الأولية لعملية ” مخلب النسر2″ أفادت وكالة “الأناضول” التركية اليوم الأربعاء بأن الاستخبارات التركية ألقت القبض على قيادي بارز في “حزب العمال الكردستاني” في شمال العراق. أما عن الخسائر المشتركة، فقد أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل 3 جنود أتراك وجرح 4 آخرين خلال اشتباك مع مجموعة مسلحة من حزب العمال الكردستاني في منطقة “غارا” (شمالي العراق). وقالت الوزارة -في بيان لها- إن جنديين قتلا، في حين توفي لاحقا أحد الجنود الأربعة المصابين متأثرا بجراحه بعد نقله للمستشفى. وأضافت أن المقاتلات التركية أغارت على أهداف تابعة للحزب؛ مما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف حزب العمال الكردستاني.

ويرى مراقبون في التدخل العسكري التركي المتصاعد في شمالي العراق امتدادا لسياسة التدخّل خارج الحدود التي أصبحت تركيا تنفّذها بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة والتي تدخّلت بموجبها في ليبيا وسوريا وفي إقليم ناغورنو قرة باغ الذي كان مدار نزاع بين أرمينيا وأذربيجان.

ويحقق التدخّل العسكري في العراق لتركيا هدفين مباشرين أوّلهما خوض الحرب ضدّ حزب العمال الكوردستاني على أرض الجيران كما هو جار بالفعل على الأرض السورية، وجزئيا على أجزاء من شمالي العراقي، وثانيهما تثبيت موطئ قدم في البلاد إلى جانب إيران التي تثبّت نفوذها في العراق عبر وكلائها من السياسيين، وأيضا من قادة الميليشيات الذين يقودون ما يشبه “جيشا رديفا”، وأيضا إلى جانب الولايات المتّحدة التي تسجّل حضورا عسكريا محدودا على أرض العراق من خلال بضعة آلاف من الأفراد، وأيضا من خلال قيادتها تحالفا دوليا ضدّ تنظيم داعش الإرهابي، كما أنّ لواشنطن تأثيرا في السياسة العراقية من خلال علاقتها الوثيقة بحكومة بغداد.

وكثيرا ما أظهرت تركيا اهتماما بالمنافسة على دور أكبر في العراق نظرا إلى ما له من موقع استراتيجي وما تحويه أراضيه من ثروات وما يمكن أن تمثّل إعادة إعماره من فرص استثمارية واعدة. ويقول مهتمّون بالشأن التركي إنّ لأنقرة أطماعا تاريخية في بعض المناطق العراقية، خصوصا تلك التي تضمّ أقلية تركمانية مثل كركوك المحافظة النفطية الواقعة بشمال العراق.

وغيّرت أنقرة خلال السنوات الأخيرة من أسلوبها في معالجة تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، وأصبحت تميل إلى توسيع عملياتها في العمق العراقي دون التنسيق مع بغداد جنبا إلى جنب التأسيس لوجود عسكري مستدام هناك من خلال تركيز قواعد عسكرية، وذلك بعد أن ظلّت طيلة عقود من عمر صراعها الدامي مع مسلحي حزب العمال، تكتفي بالقيام بعمليات عسكرية خاطفة وحملات محدودة لملاحقة هؤلاء المسلّحين.

وحدة الدراسات التركية