ماكرون يستهدف “جيل الهوية” اليميني بعد “الفاشية الإخوانية”

ماكرون يستهدف “جيل الهوية” اليميني بعد “الفاشية الإخوانية”

يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ما تبقى من ولايته الرئاسية تحديات هائلة قد تعصف بمستقبله السياسي بعد أن بات التطرف اليميني ومثيله الإسلامي يهددان السلم المجتمعي والقيم الديمقراطية. ففي حين يغذي التطرف اليميني مشاعر الكراهية واستعداء الأجانب يعمل التطرف الديني على تكريس الانفصالية الإسلامية.

باريس – تبذل السلطات الفرنسية جهودا مكثفة في مكافحة الإرهاب بهدف حفظ أمن واستقرار البلاد وصدّ أي تهديد إرهابي قبل حصوله، إلا أن مخاوف الحكومة الفرنسية لا تقتصر على التطرف الديني إذ أن التطرف اليميني لا يقل خطرا عن مثيله الإسلامي.

وتعمد الحكومة الفرنسية دوريا إلى مكافحة الإرهاب وحل مجموعات اليمين المتطرف التي تتوسل العنف سبيلا حيث صارت المواجهة حتمية. ومع تنامي صعود اليمين المتطرف سياسيا وانتخابيا، جعلت الاستخبارات الفرنسية من ملاحقة هذه المجموعات ثاني أولوياتها بعد المجموعات الإسلامية.

واكتسح اليمين المتطرف في فرنسا صناديق الاقتراع بشكل متراكم ومطرد سواء في الانتخابات البلدية أو البرلمانية أو الرئاسية، مستفيدا من تزايد موجات الكراهية للأجانب، ما دفع وزير المالية الفرنسي برونو لو مير إلى إطلاق صيحة فزع.

وقال لو مير السبت إن زعيمة المعارضة اليمينية المتطرفة مارين لوبان قد تفوز في انتخابات الرئاسة التي تشهدها فرنسا في 2022. وأضاف أنه يأمل في أن يسعى الرئيس ماكرون للفوز بفترة ثانية والمساعدة في منع حدوث ذلك. وتابع الوزير “نعلم جميعا أن انتخاب لوبان أمر محتمل. إنه احتمال سياسي ويجب معارضة ذلك… أتمنى أن يترشح إيمانويل ماكرون ويعاد انتخابه”.

وخسرت لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف أمام ماكرون في انتخابات 2017، فيما تشير استطلاعات الرأي إلى أنها ستكون المنافس الرئيسي لماكرون في انتخابات العام المقبل.

وفيما يعمل ماكرون على محاربة الانفصالية الإسلامية التي تقودها تيارات الإسلام السياسي، خصوصا جماعة الإخوان المسلمين الحاضنة الفكرية والأيديولوجية للتطرف، فإنه يعمل بالتوازي أيضا على مواجهة خطر المجموعات اليمينية المتطرفة التي تحظى بدعم سياسي وتطمح للوصول إلى السلطة.

أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان السبت أن السلطات بدأت إجراءات لحل مجموعة “جيل الهوية” اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين، كما تطالب منذ فترة طويلة الكثير من الجمعيات والأحزاب السياسية في البلاد.

وكتب وزير الداخلية في تغريدة على تويتر “جيل الهوية: إجراءات الحل بدأت”. وأضاف أنه أمام هذه المنظمة الآن مهلة عشرة أيام لتقديم حججها.

وكان دارمانان تحدث عن هذه الإجراءات في 26 يناير. وقال إنه “صدم” بعد عملية مناهضة للمهاجرين قامت بها هذه المجموعة في جبال البيرينيه الفرنسية وأدت إلى فتح تحقيق أولي بتهمة “إثارة الكراهية العنصرية في مكان عام”.

وكان نحو ثلاثين ناشطا من المجموعة اليمينية المتطرفة انتشروا في سيارات كتب عليها “دفاعا عن أوروبا” في 19 يناير بالقرب من الحدود الإسبانية واستخدم بعضهم طائرات مسيرة لمراقبة الحدود.

وحسب قانون الأمن الداخلي، يمكن أن تعتبر تحركات المجموعة “تحريضا على التمييز أو الكراهية أو العنف ضد شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب أصولهم”.

وكانت لوبان قد اعترضت في 27 يناير على مشروع حل “جيل الهوية”، مشددة على أهمية حرية التعبير. وقالت إن “ما يصدم دارمانان يجب حله. هذا ليس حكم القانون”.

وتأسست مجموعة “جيل الهوية” في سبتمبر 2012 وهي تنشط بشكل رئيسي في فرنسا وتوصف بأنها قومية بيضاء، وقد تمّ الإعلان عن تأسيسها عبر شريط فيديو بعنوان “إعلان الحرب”، وفيه سلسلة من صور النشطاء الشباب تشرح أسباب مشاركتهم في الحركة اليمينية التي ترى أنها “مجتمع مقاتل” يهدف إلى “الجمع بين الفتيان والفتيات في جميع أنحاء أوروبا”.

مراقبة أجهزة الاستخبارات الفرنسية للمجموعات المتطرفة، مهمة صعبة نظرا لتوزعها في عدة مناطق في البلاد وتعدد الأيديولوجيات التي تتبناها كل منها

وتدعو الحركة المتطرّفة الشباب الأوروبي إلى “مواجهة أولئك الذين يريدون إلقاء اللوم على حياتنا وأفكارنا، مواجهة توحيد الشعوب والثقافات، مواجهة موجة الهجرة الجماعية، مواجهة مدرسة تخفي تاريخ شعبنا عنا لتمنعنا من محبتهم، مواجهة العيش معا المزعوم الذي يتحول إلى كابوس..”، فمن أهم أولوياتها ترحيل اللاجئين خاصة المسلمين منهم ووقف موجات الهجرة نحو أوروبا حفاظا “على الثقافة الأوروبية المسيحية”.

وفي 2019 أعلن حل الكثير من المجموعات اليمينية المتطرفة بينها “باستيون سوسيال” (المعقل الاجتماعي) و”دم وشرف” (بلاد اند اونور) و”كومبا 18″ (معركة 18) بطلب من الرئيس ماكرون.

ويقدر ستيفان فرنسوا الخبير المتخصص في مكافحة الإرهاب وحركات اليمين المتطرف عدد الأشخاص الأكثر تشددا المرتبطين بحركات أقصى اليمين المتطرف في فرنسا بـ3000 شخص، من بينهم حوالي 1000 شخص على درجة من التصميم لترجمة تطرفهم إلى أفعال، مضيفا أن مجموعات اليمين المتطرف كثيرا ما تتدرب بشكل شبه عسكري منذ ستينات القرن الماضي، ويحمل أفرادها أسلحة قانونية وهم غالبا عسكريون شرطيون وصيادون يرتادون ميادين الرماية.

ويؤكد فرنسوا أن مراقبة أجهزة الاستخبارات الفرنسية للمجموعات المتطرفة مهمة صعبة نظرا لتوزعها في عدة مناطق في البلاد وتعدد الأيديولوجيات التي تتبناها كل منها.

كما أن هذه المجموعات تعمل غالبا بشكل شبه سري وغير رسمي، ويصعب على أجهزة الاستخبارات الفرنسية متابعتها، خصوصا إذا تجنبت هذه المجموعات استخدام وسائل الاتصال الحديثة للتواصل في ما بينها كالإنترنت مثلا.

تحوّلت تصريحات أدلى بها أستاذ فلسفة فرنسي حول تفشي التطرف الإسلامي في إحدى ضواحي باريس إلى معركة سياسية شرسة تهدد بتعقيد مساعي الحكومة لإقرار قوانين أكثر صرامة ضد التطرف الديني.

وعلى إثر الخلاف، وُجّهت تهديدات إلى ديدييه لومير الأستاذ في جامعة في تراب غرب العاصمة باريس، وكذلك إلى رئيس بلدية المدينة اليساري علي رابح. ويخضع الرجلان الآن لحماية الشرطة.

ونشر لومير رسالة مفتوحة في نوفمبر الماضي ندد فيها الدولة بـ”عدم امتلاك استراتيجية للتغلب على التطرف الإسلامي”.

وكان لومير يكتب ردا على مقتل زميله الأستاذ صامويل باتي بقطع الرأس في الشارع وقطع رأسه بعد أن عرض على الطلاب رسوما تمثل النبي محمد في إطار حصة دراسية حول حرية التعبير.

ومع بدء النواب مناقشة مشروع قانون جديد للتصدي للتطرف الإسلامي، طلب لومير حماية الشرطة في مدرسته.

وتقول السلطات إن التيار المتشدد اجتذب أتباعا على نطاق واسع بين سكانها البالغ عددهم 32 ألفا، ما يجعل المدينة في مرمى جهود الحكومة لكبح التطرف الإسلامي.

صعود اليمين المتطرف، جعل الاستخبارات الفرنسية تعتبر ملاحقة هذه المجموعات ثاني أولوياتها بعد المجموعات الإسلامية

ومن شأن التشريع الذي يناقشه البرلمان راهنا أن يشدد القواعد بشأن قضايا تتراوح من التعليم على أساس الدين إلى تعدد الزوجات.

وأعلن الرئيس الفرنسي إثر مقتل المدرس باتي على يد متشدد إسلامي استراتيجية متكاملة لمواجهة الانعزالية الإسلامية ومحاربة الإرهاب الذي تغذيه تيارات الإسلام السياسي، حيث يعمل على تأسيس مجلس فرنسي للأئمة توكل إليه مهام تكوين الأئمة للقطع مع الأئمة المبتعثين من تركيا خاصة إلى جانب تجفيف منابع تمويل الحركات الإسلامية.

وصوّت نواب فرنسيون الجمعة على إلزام الجمعيات الدينية في فرنسا بالتصريح عن التمويل الذي تتلقاه من الخارج وتتجاوز قيمته عشرة آلاف يورو سنويا تحت طائلة عقوبة، في إطار مشروع قانون الانفصالية لمواجهة الإسلاميين المتطرفين.

وصادق النواب كذلك على أدوات تمويل جديدة للديانات، بما في ذلك إمكانية الاستفادة من العقارات التي تدر عائدات، أي امتلاك وإدارة المباني المكتسبة مجانا من أجل الحصول على دخل منها.

وتسعى الحكومة من خلال هذا الإجراء بشكل خاص إلى حث المسلمين الذين تتبع جمعياتهم حاليا بشكل أساسي الوضع المنصوص عليه في قانون الجمعيات لعام 1901، على اختيار الوضع المنصوص عليه في قانون 1905، وهو أكثر صرامة من حيث التمويل.

وتعتبر مؤسسة “ديتيب” المرتبطة باتحاد الشؤون الدينية التركية الإسلامية وحزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا من أهم المؤسسات الفاعلة في فرنسا، حيث تضم لجنة التنسيق للمسلمين الأتراك في فرنسا.

وتُموّل الحكومة التركية المدارس التابعة لمؤسسة ديتيب، حيث يعمل في تلك المدارس أساتذة أتراك أوفدهم حزب العدالة والتنمية حتى لا تتم الاستعانة بمن هم مقيمون في فرنسا تخوّفا من نجاح اندماجهم في المجتمع الفرنسي والتزامهم بمبادئ الجمهورية بما يمنع تكييفهم وفق سياسات الحكومة التركية، وبالتالي إمكانية تجنيدهم كجواسيس بالتنسيق مع سفارة بلادهم في باريس.

وكانت فرنسا قد أوقفت برنامجا لاستجلاب الأئمة من تركيا، أكدت أجهزة الاستخبارات الفرنسية أنهم يشكلون عصب دعم الانعزالية وانفصال الجاليات المسلمة عن مجتمعاتهم المحلية ومبادئ الجمهورية.

ويقول خبراء فرنسيون إن قرار فرض قيود على إيفاد أئمة من تركيا بهدف القضاء على خطر الانعزالية هو خطوة مهمة ضمن خطة شاملة لمحاصرة أنشطة جماعات الإسلام السياسي.

وكانت وزارة المالية الفرنسية قد أطلقت نهاية العام الماضي تحقيقات سرّية حول مصادر تمويل الجمعيات الدينية والفكرية والمساجد التي تدعو إلى “إسلام انفصالي” على الأراضي الفرنسية، لاسيما داخل المؤسسات الإسلامية المرتبطة بالإخوان المسلمين والحكومة التركية، وذلك بهدف محاربة الدوائر المالية السرية وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

ووفق الاستخبارات الفرنسية، فإنّ بعض الأئمة الذين صدّرتهم أنقرة يعملون على تشويه صورة فرنسا لدى أبناء الجالية التركية، كما أنّ بعض رجال الدين من أصل تركي يحرصون على تلقين الأطفال الصغار في المساجد الفرنسية أنّ رئيسهم هو أردوغان وليس ماكرون.

العرب