الأجهزة الأمنية العراقية تقارب بحذر ملف اغتيالات نشطاء الحراك الاحتجاجي

الأجهزة الأمنية العراقية تقارب بحذر ملف اغتيالات نشطاء الحراك الاحتجاجي

اعتقال عناصر ضالعة في الاغتيالات بالعراق لا يمكن النظر إليه إلا باعتباره إنجازا أمنيا كبيرا، ليس فقط من زاوية كونه خطوة باتجاه فرض القانون وإنصاف الضحايا، ولكن أيضا باعتباره انتصارا ولو جزئيا على العصابات والميليشيات المنفلتة والمتغوّلة، والتي تحظى في الكثير من الأحيان بغطاء سياسي قوي يجعلها عصية عن الضبط والمحاسبة.

بغداد – حمل توقيف عناصر من عصابة متخصّصة في اغتيال معارضين وإعلاميين ونشطاء في الحراك الاحتجاجي بالعراق بارقة أمل لأهالي ذوي العشرات من الضحايا الذين ظلّ قتلتهم طلقاء في ظلّ تواتر المعلومات حول انتماء هؤلاء القتلة لميليشيات عراقية مرتبطة بإيران توفّر لهم الحماية وتمنع السلطات الرسمية من الاقتراب من الملف والتحقيق فيه بجديّة ومهنية.

وأعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الإثنين، عن اعتقال ما يُعرف بـ”عصابة الموت” المسؤولة عن قتل ناشطين وصحافيين بمحافظة البصرة جنوبي العراق.

وقالت مصادر مطّلعة على الملفّ إنّ الموقوفين ينتمون لكتائب حزب الله العراق، وإنّ قادة الميليشيا المرتبطين بالحرس الثوري الإيراني شرعوا فور الإعلان عن توقيف عناصر العصابة في ممارسة ضغوط شديدة على السلطات العراقية لتغيير مجرى التحقيق لمنع الوصول إلى كم هائل من الحقائق والمعلومات حول الاغتيالات التي يعود كثير منها إلى فترة ما قبل الانتفاضة الشعبية الأخيرة ومثّلت على مدى سنوات لغزا استعصى حلّه.

ولم تستبعد ذات المصادر أن تكون عملية توقيف عناصر العصابة مظهرا لعملية “تحدّ” بدأت القوات الأمنية بقيادة رئيس الوزراء الذي يشغل أيضا منصب قائد عام للقوات المسلّحة في خوضها ضدّ الميليشيات بعد أن بلغت الأخيرة درجة كبيرة من التغوّل على حساب الدولة وأجهزتها الرسمية.

وقال ضابط متقاعد إنّ الكاظمي يمتلك إمكانية مصارعة الفصائل التابعة لإيران على أرضية أمنية كونه قائدا سابقا لجهاز المخابرات ويستند لبنك معلومات أمنية ثري كما يثق بولاء عدد من القيادات الأمنية والعسكرية الغاضبة من منازعة الميليشيات لها في اختصاصاتها، واعتداءات تلك الميليشيات على ضباط وقادة بالمؤسسة العسكرية والأمنية.

وأجرى الكاظمي منذ توليه رئاسة الوزراء سلسلة من التغييرات في قيادة القوات المسلّحة بتعيينه ضباطا يوصفون بالمهنيين في مواقع حساسة.

توقيف عناصر من الميليشيات يعتبر في العراق خطوة جريئة نظرا لقدرة تلك الفصائل على رد الفعل والانتقام

وقال رئيس الوزراء في تغريدة عبر حسابه بتويتر إنّ “عصابة الموت التي أرعبت أهلنا في البصرة ونشرت الموت في شوارعها وأزهقت أرواحا زكية، سقطت في قبضة أبطال قواتنا الأمنية تمهيدا لمحاكمة عادلة علنية”.

وكشفت مصادر أمنية بمحافظة البصرة أن قوات الأمن اعتقلت أربعة أشخاص ضمن عصابة مكونة من ستة عشر شخصا، قامت باغتيال ناشطين في المحافظة منذ انطلاق الاحتجاجات في أكتوبر 2019.

وتوعّد الكاظمي القتلة قائلا “تم اليوم القبض على قتلة جنان ماذي وأحمد عبدالصمد، وغدا سيتم القصاص من قاتلي ريهام والهاشمي وكل المغدورين”، مؤكدا أنّ “العدالة لن تنام”. وقتل الناشط المدني هشام الهاشمي على أيدي مجهولين في يوليو 2020 الماضي، وقتلت بعده بأقل من شهر الناشطة البصْرية ريهام يعقوب في ظروف مشابهة.

ووفق أرقام الحكومة العراقية، فإن 565 شخصا من المتظاهرين وأفراد الأمن قتلوا خلال موجة الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدها العراق بينهم العشرات من الناشطين الذين تعرضوا للخطف والاغتيال على أيدي مجهولين.

وتعهدت حكومة الكاظمي التي خلفت حكومة عبدالمهدي بمحاكمة المتورطين في قتل المتظاهرين والناشطين، لكنّ الملف ظلّ يراوح مكانه رغم أن الاغتيالات لم تتوقّف حتى بعد خمود الانتفاضة.

وتوجّهت أصابع الاتهام في تلك الجرائم إلى الميليشيات المرتبطة بإيران ذات المصلحة في حماية النظام العراقي الذي تقوده بشكل رئيسي أحزاب شيعية تؤمّن لطهران نفوذها في البلاد، بينما تضطلع الميليشيات بمصارعة خصوم إيران وكالة عنها على الأرض العراقية.

واتّهم إسماعيل مصبح الوائلي شقيق محافظ البصرة الأسبق الذي اغتيل قبل سنوات، كتائب حزب الله العراق والحرس الثوري بممارسة ضغوط للتأثير في مجرى التحقيق مع عناصر عصابة الموت.

وقال مصبح لشبكة رووداو الإخبارية العراقية “ننتظر من وزارة الداخلية بيان حقيقة انتساب العصابة التي قامت بعمليات الاغتيال”.

وأوضح أن “جهاز استخبارات البصرة ألقى القبض على حمزة الحلفي وحيدر فاضل العيداني فيما هرب أحمد طويسة وعباس هاشم والمدعو السيد نائل شقيق رائد وسيد علاء المنتمين لكتائب حزب الله ضمن فرقة الموت هذه”.

وأكد شقيق المحافظ المقتول أن الهاربين “لجأوا إلى مقر هيئة الحشد الشعبي في البصرة”، لافتا إلى أن “الذي آواهم هو عمار أبوياسر مسؤول الحشد الشعبي في المحافظة”.

وورد في معلومات تداولتها وسائل إعلام عراقية أنّ العصابة التي أعلن الكاظمي عن اعتقال عدد من أفرادها، نفذت عملية اغتيال الناشطة المدنية جنان ماذي الشحماني بالبصرة في ديسمبر 2020، كما اغتالت الصحافي أحمد عبدالصمد ومصوره صفاء غالي في الشهر نفسه.

وكثيرا ما اعتُبر الاقتراب من الميليشيات وتوقيف عناصر منها كأمر محظور في العراق يتجنّبه السياسيون وقادة الأجهزة الأمنية مخافة التعرّض لبطش تلك الفصائل النافذة.

ولهذا السبب توصف بعض الخطوات التي تقدم عليها أجهزة الأمن العراقية في عهد الكاظمي بالجريئة على الرغم من عدم ضمان النتائج دائما.

ففي صيف العام الماضي اضطرت القوات الأمنية لإطلاق سراح عناصر من كتائب حزب الله بعد أيام من اعتقالهم على خلفية ضلوعهم في إطلاق صواريخ على سفارات أجنبية داخل المنطقة الخضراء بوسط بغداد، وذلك بعد ضغوط شديدة وحملة تهديد ووعيد ضارية شنتها الميليشيات الشيعية وسياسيون على صلة بها على رئيس الوزراء والقيادات الأمنية.

وتقول مصادر عراقية إنّ أجهزة الأمن تمتلك كما هائلا من المعلومات بشأن أنشطة الميليشيات وجرائمها بما في ذلك جرائم الاغتيال وهويات من يقفون وراءها وينفّذونها، لكنّها تتوخى رغم ذلك الحذر الشديد في الإقدام على أي توقيفات لتجنّب ردّات فعل قد تقود إلى منزلقات أمنية لا يحتملها الوضع الهش في البلاد.

العرب