لماذا يرفض حزب الله تدويل الأزمة اللبنانية

لماذا يرفض حزب الله تدويل الأزمة اللبنانية

يصر حزب الله على التحكم في خيوط المشهد السياسي في لبنان مهما كانت التكاليف، فالبلد يعيش منذ أشهر سجالات حادة بين الفرقاء، انطلق أحدثها إثر دعوة البطريرك الماروني مار نصرالله الراعي إلى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لمعالجة الوضع المتأزم، وهو ما اعتبرته الجماعة ومن خلفها إيران دعوة إلى “تدويل الملف اللبناني”، حيث تخشى أن يكون نزع سلاحها عاملا مهما في أي تسوية لهذا الملف.

بيروت – لم يتمكن لبنان حتى الآن من تشكيل حكومة جديدة منذ أن استقالت حكومة تصريف الأعمال الراهنة برئاسة حسان دياب في أغسطس الماضي بعد ستة أيام من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت جراء خلافات بين القوى السياسية، من أبرزها حزب الله الذي لغم أي تسوية بالاشتراطات المجحفة.

ومن أجل تحريك دواليب جمود هذه الأزمة دخلت شخصيات على الخط. ومطلع هذا الشهر دعا البطريرك الماروني مار نصرالله الراعي خلال قداس إلى “طرح قضية لبنان في مؤتمر دولي خاص، برعاية الأمم المتحدة، يثبت لبنان في أطره الدستورية الحديثة التي ترتكز على وحدة الكيان وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه والمس بشرعيته وتضع حدا لتعددية السلاح”.

ودعوة الراعي أيدها تصريح من بابا الفاتيكان فرنسيس الذي عبر عن “ضرورة أن يشهد لبنان التزاما سياسيا وطنيا ودوليا يسهم في تعزيز الاستقرار ببلد يواجه خطر فقدان هويته الوطنية والانغماس داخل التجاذبات والتوترات الإقليمية”.

وكالعادة تباينت آراء الفرقاء حيال دعوة الراعي بين مؤيد ومعارض. وطل حزب الله المدعوم من إيران وحليف النظام السوري، وهو محور يتبادل العداء مع إسرائيل والولايات المتحدة وأنظمة عربية حليفة لهما، كأبرز المعارضين لفكرة “تدويل الأزمة اللبنانية”، وهو ما رآه البعض تعبيرا عن مخاوف ضمنية على سلاح الجماعة.

وكان أمين عام حزب الله حسن نصرالله قد اعتبر الثلاثاء الماضي في كلمة متلفزة أن التهديد بتدويل أزمة لبنان أمميا هو “دعوة إلى الحرب واستدعاء لقوات احتلال (لم يسمها)”، محذرا من أن ذلك “قد يصب في مصلحة إسرائيل”.

وبينما يرفض نواب عن كتلة الوفاء للمقاومة التابعة لحزب الله، من بينهم أمين شري، التعليق على كلام نصرالله لا يخفي وزير العمل السابق سجعان قزي المقرب من الراعي تأكيده أن مخاوف حزب الله من مسألة السلاح الذي يمتلكه أكبر من مخاوف الجماعة من المؤتمر الدولي.

ويفسر قزي دعوة الراعي قائلا إن “البطريرك بدعوته إلى مؤتمر دولي لم يقترح أن يتم الأمر تحت البند السابع أو أي بند آخر من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا من شأن الأمم المتحدة، ولم يدع إلى دخول قوات عسكرية أجنبية إلى لبنان، وبالتالي يقترح الفكرة ويترك للأمم المتحدة مسؤولية إعطاء هذا المؤتمر الشكل المناسب في الوقت المناسب”.

ويعطي الفصل السابع إمكانية التدخل في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان في بلد ما، ويتيح اللجوء إلى عمل عسكري أو غير عسكري لحفظ السلم والأمن الدوليين، ويتطلب تطبيقه موافقة أكثرية أعضاء مجلس الأمن، وعدم استخدام أي من الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض (الفيتو).

ويوضح قزي في تصريحات نقلتها عنه وكالة الأناضول أن البطريرك الراعي ليس سلطة سياسية ليتخذ إجراءات تنفيذية، هو مرجعية وطنية عليا واقترح عقد مؤتمر دولي خاص للبنان وحدد أهدافه لكي لا يُساء الفهم من قبل البعض، أحيانا عن قصد، أو يتم تشويه الطرح.

ويعتبر المتابعون أن توجه الراعي إلى أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ليبادر إلى العمل على عقد مؤتمر دولي يؤكد وحدة لبنان ويثبت كيانه وحدوده الدولية ويعيد تأكيد النظام اللبناني الديمقراطي البرلماني دون الدخول في تفاصيل تعديلات دستورية قد تكون ضرورية، ويعلن حياد لبنان.

وكان البطريرك الراعي قد أطلق بعد حادثة مرفأ بيروت وثيقة بعنوان “لبنان الحياد الناشط”، تؤكد ضرورة “تعزيز مفهوم الدولة اللبنانية، من خلال جيش قوي، وقضاء مستقل، ومؤسسات قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي والدفاع عن الأرض ضد أي اعتداء، سواء من إسرائيل أو غيرها”.

ولكن منذ ذلك الحين لم يتغير شيء، بل تزداد الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية قتامة. ومن هذا المنطلق يحذر قزي من أنه “إذا لم ينعقد هذا المؤتمر فلا شيء يضمن استمرار وحدة لبنان، لا بل لا شيء يضمن خروج لبنان من حالة التقسيم التي يعيشها منذ سنوات، حيث يوجد أكثر من دولة وأكثر من جيش، لا بل توجد ميزانيات للأحزاب السياسية والعسكرية، ولا توجد ميزانية للدولة اللبنانية”.

ولدى البعض من السياسيين اللبنانيين رؤية تدعم اقتراح الراعي، حيث يقر النائب السابق فارس سعيد بأن الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي تؤكد على مرجعية اتفاق الطائف الذي لا يزال يشكل النص الصالح لتنظيم العلاقات اللبنانية – اللبنانية، ويطلب دعما عربيا ودوليا ليصبح هذا الاتفاق قابلا للتنفيذ.

وأنهى الاتفاق الموقع في 1989 الحرب الأهلية التي اندلعت في 1975 واستمرت 15 عاما، وكرّس معادلة اقتسام مناصب السلطة الرئيسية بالمحاصصة بين المكونات الأساسية الثلاثة، المسيحيين والسنة والشيعة، وتتوزع الرئاسات الثلاث بواقع الجمهورية للمسيحيين ورئاسة الحكومة للسُنة ورئاسة البرلمان للشيعة.

وتعليقا على رفض حزب الله مبادرة الراعي قال سعيد “حزب الله يعتبر أن اتفاق الطائف بات ضيقا على جسده، ويريد الإطاحة بالدستور وبوثيقة الاتفاق الوطني على قاعدة أنه قادر في هذه اللحظة على فرض شرطه على الجميع، وهذا مشروع انتحاري من الحزب وتدميري لجميع اللبنانيين”.

ولا تدخر أطراف سياسية كيل الاتهامات لحزب الله ومن ورائه إيران بأنهما وراء “سلخ لبنان عن الأسرة الدولية”، حيث تفرض الجماعة الشيعية نفسها على المشهد بقوة السلاح.

ويقول وهبي قاطيشا، النائب عن كتلة القوات اللبنانية الحزب المسيحي بزعامة سمير جعجع، “هناك فريق (يقصد حزب الله) أخذ لبنان ووضعه بحضن إيران، التي لا تنتمي إلى العالم العربي بصلة، وسلخه عن الأسرة الدولية”. وأضاف “هذا لا يجوز، والموضوع يحصل بقوة السلاح، لذلك يجب أن تتدخل الأمم المتحدة”. ولم يستبعد أن ينتفض اللبنانيون على حزب الله إذا استمر في سياسة التعنت.

في المقابل يرى إدغارد معلوف، النائب عن كتلة التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون وحليف حزب الله، أن الأمر يحتاج إلى إرادة وطنية جامعة.

العرب