لندن – ينشغل الباحثون السياسيون بمناقشات مستفيضة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة اليوم لمواجهة مجموعة من التهديدات والتحديات متعددة الأبعاد في عالم متغير، بعد أربعة أعوام من الترقب والتساؤل حول ما إذا كانت واشنطن، قد تخلت بصورة دائمة عن دورها كدولة قائدة للعالم.
وخلال فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب شهد العالم عددا كبيرا من التحولات الاستراتيجية والجيوسياسية، وقد سعت إدارة بايدن مبكرا إلى استعادة مكانة الولايات المتحدة كقوة عالمية من خلال إعادة التفكير في الأمن القومي الأميركي.
ورغم أن الولايات المتحدة نفسها تغيرت، فإن ليزلي فينجاموري عميدة أكاديمية الملكة إليزابيث الثانية للقيادة في الشؤون الدولية التابعة للمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) ترى أن الرئيس جو بايدن قد يستطيع إعادة إدخال بلده في الدبلوماسية الدولية ومعالجة الانقسامات، لكن إعادة البلاد إلى وضعها السابق سيكون أمرا صعبا.
وأعاد بايدن بلده في الشهر الأول من رئاسته إلى اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، والانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة – رغم أن ذلك في وضع أقل، وهو وضع مراقب حتى الانتخابات المقبلة – وأنهى الحظر المفروض على السفر بالنسبة إلى الدول ذات الأغلبية المسلمة.
وتتعامل الولايات المتحدة حاليا مع المطالب الخاصة باللجوء، والسماح لطالبي اللجوء بعبور الحدود الجنوبية، بينما تعهد بايدن أيضا بالمساهمة بملياري دولار لدعم مبادرة كوفاكس، التي تشرف عليها منظمة الصحة العالمية لمكافحة جائحة كورونا.
كما سعى بايدن إلى تبديد فكرة تضارب المواقف الأميركية تجاه حلفائها الأوروبيين. وإعلانه بحزم عن التزام الولايات المتحدة بالمادة الخامسة من معاهدة حلف الأطلسي (ناتو)، التي تعتبر أساس الشراكة عبر الأطلسي، الذي استعاد مادة مهمة اعترف بها ترامب مؤخرا ومن دون حماس.
وتقول فينجاموري إن الأعوام الأربعة الماضية شهدت اضطرابا تجاه حلف الناتو، وبالتالي فإن خطوة بايدن ضرورية لإصلاح الشراكة عبر الأطلنطي.
وترى أنه ينبغي أن يكون موقف بايدن المتشدد تجاه التجاوزات الروسية بالنسبة إلى السيادة والديمقراطية في الداخل والخارج على السواء، إعادة طمأنة للكثير من الأوروبيين والكثير من الأميركيين.
فطوال أربعة أعوام كان الكثيرون يعتبرون ترامب شخصا غريبا، فقد كان رئيسا على خلاف مع الأغلبية في الولايات المتحدة، وفي حزبه، وفى أوروبا، واتخذ سياسة متشددة تجاه روسيا وتمنى أن يحذو بايدن حذوه.
ومع ذلك أصبح التناقض المحتمل الذي تتسم به السياسة الخارجية لإدارة بايدن واضحا للغاية. فالولايات المتحدة تعتزم اتباع سياسات تعترف بالحقيقتين المثيرتين للقلق اللتين تتسم بهما أكبر معضلات السياسة الخارجية في الوقت الحالي، الأولى، أن الديمقراطية تتعرض للاعتداء في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم وينبغي أن تكون في صدارة الدبلوماسية الدولية.
أما الحقيقة الثانية فتتعلق بالتعاون مع الدول الاستبدادية التي تنتهك الحقوق ليس فقط أمرا مهما، بل أيضا أساسيا في الاتفاق على الحلول الضرورية لتحقيق السلام الدائم.
وتعتقد فينجاموري أن الأعوام الأربعة المقبلة ستكون تجربة لرؤية ما إذا كان بوسع الولايات المتحدة النجاح في التعاون على سبيل المثال مع الصين بشأن المناخ ومع روسيا بشأن الحد من التسلح، بينما تستمر في استهجان اعتداءاتهما على الأعراف الديمقراطية.
وفي حالة روسيا، تتسم البوادر الأولية بالإيجابية، وكانت إحدى الخطوات الأولى لإدارة بايدن التفاوض على تمديد أجل معاهدة ستارت الجديدة للحد من الأسلحة النووية قبل موعد انتهائها في الرابع من فبراير الماضي.
ولكن هناك توقعا كبيرا آخرا وهو احتمال أن يعلن الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة أيضا عقوبات بالتنسيق في ما بينهم تستهدف المسؤولين عن التعامل الوحشي مع المعارض الروسي أليكسي نافالني. وإذا ما تم ذلك، فإن رد موسكو سيوفر لمحة مبكرة عن التحديات التي تمثلها استراتيجيتها مزدوجة المسار.
والخطوة التالية لاستعادة شراكة واشنطن المتوقفة عبر الأطلنطي تتمثل في كشف أنباء احتمال استئناف الولايات المتحدة وأوروبا المحادثات مع إيران.
وفي الحقيقة ليس من السهل التوصل إلى اتفاق يمكن أن يُكتب له النجاح، ولكن الحقيقة أن إدارة بايدن تبدي اهتمامها بالمضي قدما، والذي يعتبر مؤشرا آخرا على أن دور الولايات المتحدة في العالم وخاصة في أوروبا، تتم استعادته كما كان عليه قبل ترامب.
في الوقت الذي انخفض فيه الوضع النسبي للولايات المتحدة في اقتصاد العالم، شهدت الصين نموا متزايدا، كما أن العالم خطا قدما بخطوات كبيرة في أبعاد متعددة
وترى فينجاموري أنه رغم هذه العودة السريعة للولايات المتحدة إلى المسرح الدولي، فما زال الأوروبيون يشعرون بالحذر إزاء قوتها الباقية، وهناك انقسام في الرأي بالنسبة إلى عودة واشنطن. فقد تكيف البعض في أوروبا مع عالم دون قيادة أميركية، ويصر آخرون على ضرورة أن ترسم أوروبا طريقها وهي مستقلة عن الولايات المتحدة .
وفي المقابل، يشعر الكثيرون بالارتياح لعودة الولايات المتحدة ولكنهم يشعرون بالخوف من عدم استمرار ذلك. ويعتقد بعض خبراء السياسة الخارجية الأميركية أن ترامب غير سياسة الولايات المتحدة الخارجية بشكل دائم.
ولأسباب متعددة، ليس من المحتمل أن تعني العودة السريعة إلى تعددية الأطراف وتبنّي القيم الديمقراطية ، رغم أنه مرحب بأن واشنطن عادت إلى ما اعتادت أن تكون عليه.
ما زالت الإدارة الجديدة مقيدة بالحقائق على أرض الواقع، وخاصة جائحة كورونا، كما أن استعادة الحياة اليومية العادية لن تكون أمرا سهلا في نطاق مجتمع مستقطب للغاية يتصارع حول الظلم العنصري وعدم المساواة، وكذلك الصراع داخل حزب جمهوري يهيمن عليه جناح يميني يواصل تبجيل ترامب ويرفض الثنائيةالحزبية.
وتبذل إدارة بايدن جهودا لمواجهة هذه التحديات، ولاسيما من خلال شراء 200 مليون جرعة لقاح إضافية والدفع بخطة تتعلق بإغاثة بقيمة 1.9 تريليون دولار، لكن ترامب يواصل ممارسة نفوذ قوي على الحزب الجمهوري رغم هجمات الكابيتول وفشله في إدارة مواجهة الجائحة. وسوف تستمر محاولة اعتباره مسؤولا عنها في أن تكون عاملا في الحياة السياسية الأميركية لشهور كثيرة مقبلة.
وهناك أيضا واقع جديد في السياسة الدولية، ففي الوقت الذي انخفض فيه الوضع النسبي للولايات المتحدة في اقتصاد العالم، شهدت الصين نموا متزايدا، كما أن العالم خطا قدما بخطوات كبيرة في أبعاد متعددة
العرب