كيف بدأ “محور المقاومة” في التآكل؟

كيف بدأ “محور المقاومة” في التآكل؟

لا يكف ما يسمى بـ”محور المقاومة”، الذي تقوده إيران من التباهي في كل مرة بقدرته على الصمود في الشرق الأوسط بوجه الولايات المتحدة، لكن يبدو أن ثمة قصصا ترويها مدن تشكل نقاط تماس مع إسرائيل في المنطقة، على أن هذا المحور يتآكل وبات يفقد قوة الدفع. ويقول محللون إن قوى المقاومة إما تدعم قسوة الأنظمة كما هو الحال في سوريا وإما تدعم من هم ضده، ثم تغير رأيها ما أفرز تذبذبا لا أخلاقيا أفقدها المصداقية، وباتت لا تستطيع أن تشرح ما هي المقاومة.

واشنطن- وُصفت اليرموك ذات مرة بأنها “عاصمة الشتات الفلسطيني”، وكانت من بين أكثر المناطق استهدافا في الصراع السوري، رغم أن مخيم اللاجئين في دمشق الذي كان يقطنه 160 ألف فلسطيني-سوري قبل الحرب، في حالة خراب وهو شبه فارغ.

وحرم تدمير المخيم، الذي يُنظر إليه على أنه رمز للمقاومة الفلسطينية لإسرائيل خارج الأراضي المحتلة، الفلسطينيين من منازلهم وأملهم. ومع ذلك، يروي تدمير اليرموك قصة تفكك محور إيران لمقاومة إسرائيل، بعد أن ضم حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية ونظام بشار الأسد.

وتتبادل أطراف “محور المقاومة” الأدوار تحت مظلة النظام الإيراني، الذي يدير سياساته، ويحدّد لكل طرف مهمّته فيه بإشراف مباشر من الحرس الثوري التابع لسلطة المرشد علي خامئني.

تشير أنشال فوهرا الباحثة المختصة في شؤون الشرق الأوسط، في تقرير لها بمجلة “فورين بوليسي” الأميركية، إلى أنه حين تجاهلت حركة حماس الإسلامية دعوات الأسد ودعمت المتمردين في الصراع السوري، تفككت المقاومة. وقد أدى ذلك إلى إضعاف موقف طهران في المنطقة، والحد من نفوذها في المحادثات المستقبلية المحتملة مع الولايات المتحدة.

قدّمت إيران ذات الأغلبية الشيعية نفسها منذ العام 1979 كناصر للقضية الفلسطينية، بهدف بث مصداقيتها كقوة إسلامية غير طائفية تستحق قيادة عالم إسلامي يهيمن عليه السنة. ولا يزال تحالفها مع حماس السنية مهمّا في روايتها. وقد انطلقت في إعادة بناء محورها في 2017، عندما فتح تغيير في قيادة حماس الباب أمام محادثات المصالحة.

وكلف النظام الإيراني ذراعه حزب الله بترميم العلاقة بين حماس والنظام السوري، وعقد سلسلة من الاجتماعات لرأب الصدع بين الحلفاء السابقين. ومع ذلك، يشك النشطاء الفلسطينيون في سوريا في أن الأسد لن يوافق على المصالحة مع حماس.

ويشير البعض إلى الوساطة الروسية المحتملة بين سوريا وإسرائيل، كسبيل لإعادة تقويم تلك العلاقة العدائية المفترضة بدلا من هذه المصالحة. ويخشى معظم أهالي مخيم اليرموك، الذين أرادوا رؤية فلسطين حرة وسوريا خالية من القمع، من أن النظام لا ينوي إعادة تأهيلهم، وأنه تعمد وضع العراقيل في طريق عودتهم.

وإحدى هؤلاء أم رضوان، التي كانت رضيعة عندما أجبِرت عائلتها على الفرار من فلسطين مع بداية الحرب مع إسرائيل في عام 1948، بحثا عن ملجأ، لتصبح اليرموك موطنها، لكن قصف النظام للحي الذي تعيش فيه في معاركه مع جماعات من بينهم فلسطينيون مناهضون لنظام الأسد وتنظيم داعش المتطرف، غيّر معالمه.

ومرت ثلاث سنوات منذ استعادة النظام لليرموك، لكنه لم يُزل الأنقاض داخل المباني، التي دمر 60 في المئة منها في القصف. ووفقا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وافق النظام على عودة 604 أسرة اعتبارا من الشهر الماضي.

ويقول نشطاء فلسطينيون إن هؤلاء هم عائلات أولئك الذين دعموا النظام، وليس الذين عارضوه أو بقوا على الحياد، وهم يتهمون النظام بتعمد السماح للثوار بالسيطرة على اليرموك بقصد عزلهم وقصف المخيم، ثم سرقة ممتلكات سكانه الأصليين بعد الحرب. ويؤكد العديد من الفلسطينيين السوريين الذين كانوا يعيشون في المخيم، أن نظام الأسد يريد عودة المؤيدين، ولا أحد غيرهم.

وطالب النظام السكان بتقديم وثائق أصلية تثبت ملكيتهم، والتي ربما فقدها الكثيرون في فوضى الحرب، وتصاريح أمنية من أجهزة المخابرات، حتى يتمكن النظام من فحص ولاءاتهم السابقة. وقد تفقد عائلات أخرى منازلها إذا كانت على الشوارع التي تم تخصيصها لإعادة التطوير.

انقسامات عميقة

رغم أن الفلسطينيين السوريين أرادوا وضع حد للفساد وأملوا في حياة أفضل، وشاركوا في الاحتجاجات، إلا أن بعض الجماعات حافظت على الحياد في النزاع. ومع ذلك، جذب اليرموك الانتباه عندما وفر الملاذ للنازحين داخليا من أماكن أخرى بالبلاد، وقدم الدعم اللوجستي والخدمات الإنسانية لمعارضي الجيش السوري الحر.

ولم يُتح للسوريين الفلسطينيين البقاء خارج الصراع الذي كان يدور حولهم لفترة طويلة. وبينما دعم البعض النظام، دعمت حماس الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين، المتمردين، ويقاتل أعضاؤها السوريون نظام الأسد الآن.

وفي 2012، استلهمت حماس من نجاح الإخوان المسلمين في تعيين محمد مرسي رئيسا لمصر، وكانت تأمل في الاستفادة من انتصار المنظمة الأم بالوقوف إلى جانبها في ساحة المعركة السورية.

وغادر قادة حماس دمشق إلى قطر، التي تعدّ راعية الإخوان المسلمين، وشكل مقاتلوها المنشقون أكناف بيت المقدس، التي دربت المتمردين السوريين على بناء الأنفاق وصنع الصواريخ. وقاتلوا إلى جانب المتمردين ضد النظام في اليرموك وحتى ضد حليفهم القديم حزب الله في بلدة القصير السورية، بالقرب من الحدود اللبنانية.

النظام الإيراني كلف ذراعه حزب الله بترميم العلاقة بين حماس والنظام السوري، وعقد سلسلة من الاجتماعات لرأب الصدع بين الحلفاء السابقين. ومع ذلك، يشك النشطاء الفلسطينيون في سوريا في أن الأسد لن يوافق على المصالحة مع حماس

واتهم الأسد حماس بدعم فرع القاعدة السوري، الذي كان يُدعى “جبهة النصرة”، وانتقدها حزب الله لاستخدامها تكنولوجيا الأنفاق الإيرانية ضد “محور المقاومة”، لكن سرعان ما خسرت الحركة المقامرة، وشهدت الإطاحة بمرسي في انقلاب في يوليو 2013، وهزمهم الأسد وحلفاؤه الروس في سوريا.

وتقول فوهرا، وهي مراسلة “غورين بوليسي” من بيروت، “إن احتجاجات الفلسطينيين ورفض حماس للأسد كلف المجتمع غاليا، فقد سجنت أجهزة مخابرات الأسد الآلاف من الفلسطينيين، الذين اشتبهت في تعاطفهم مع المتمردين السوريين، أو أولئك الذين دافعوا بأي شكل من الأشكال عن الإسلام السياسي، حيث اعتبرهم النظام تهديدا، وخاصة أبناء اليرموك”.

ويروي أحد النشطاء الذين انتقلوا إلى المملكة المتحدة، متحدثا إلى “فورين بوليسي” شرط عدم الكشف عن هويته، أنه سمع بالقبض على زملائه الفلسطينيين السوريين من اليرموك. وقال إن “الأسد اعتبر رفض حماس دعمه طعنة في ظهره ونظر إلى أبناء المجتمع على أنهم ضيوف غير مرغوب فيهم. لذلك، كان الانتقام متشددا، إذ لم يقتصر الأمر على مخيم واحد، فقد طاردوا الفلسطينيين في كل مكان”.

ويكاد الرئيس التنفيذي لمجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا ومقرها بريطانيا أحمد حسين، يجزم بأن أي شخص لم يدعم النظام عوقب. وقال “عاقب النظام حماس وكوادرها لموقفها منه. وبالنسبة لمعاقبة الفلسطينيين كمجتمع، أود أن أقول إن كل فرد فلسطيني لم يقف إلى جانب النظام، بغض النظر عن انتمائه، عوقب بطريقة أو بأخرى”.

محاولات إعادة الترميم
ساعدت القوات الإيرانية نظام الأسد في ارتكاب هذه الجرائم، لكنها ما زالت تريد إعادة بناء المحور، فعلى مدى السنتين الماضيتين، التقى زعيم حزب الله حسن نصرالله بقادة حماس عدة مرات.

كما أدلى بعض هؤلاء القادة بملاحظات تصالحية حول سخاء سوريا السابق، والتي منحت اللاجئين نفس المكانة التي يتمتع بها مواطنوها تقريبا، رغم أن هذا القرار سبق النظام البعثي. كما زار وفد من حماس دمشق في 2019 والتقى بمسؤولين في النظام، لكنه لم يجن ثمار ذلك.

وبينما كانت إيران تتعرض لحملة العقوبات، التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقّعت الإمارات وثلاث دول عربية أخرى اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل.

لم يفلح حزب الله وبدعم من إيران في ترميم العلاقة بين النظام السوري وحماس لرأب الصدع بين الحلفاء السابقين

ومثّل ذلك دافعا إضافيا لإيران وحزب الله لمواصلة بذل الجهود لإحياء المحور المفكك. ولم يبد نصرالله متفائلا، في مقابلة أجراها في أواخر ديسمبر 2020. وقال “يجب استعادة هذه العلاقة، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت”.

وربما سالت الكثير من الدماء بين الأسد وحماس مما يقوّض إصلاح العلاقات في الوقت الحاضر، إذ كان النظام السوري غاضبا عندما تجاهلته حماس، وهي جماعة دعمها على حساب منظمة التحرير الفلسطينية منذ ثمانينات القرن الماضي.

ويقول محللون إن علاقة الأسد القوية مع روسيا والعلاقات المتنامية مع الإمارات، وكلاهما يريد أن تتصالح سوريا مع إسرائيل، أثرت على تفكير النظام. ويؤكد رامي السيد، وهو ناشط حقوقي سابق من مخيم اليرموك، أن النظام لم يكن مخلصا بشأن القضية الفلسطينية، واستغلها لتحقيق طموحاته في المنطقة. ويرى أنه مهتم أكثر بإبرام صفقة لضمان بقائه.

وأضاف “شهدنا عدة صفقات مؤخرا، مثل التي خوّلت للجيش الروسي من نبش بعض القبور في سوريا، بحثا عن رفات جنديين فقدتهما إسرائيل. الآن سمعنا أن إسرائيل تشتري لقاح فايروس كورونا الروسي للسوريين. يأتي ذلك بالتوازي مع موجة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية. وليس من المستبعد أن نرى تطبيعا رسميا بين النظام وإسرائيل قريبا”.

العرب