عودة اللاجئين في ظل الأسد سير بالطريق الخطأ

عودة اللاجئين في ظل الأسد سير بالطريق الخطأ

غازي عنتاب (تركيا) – أحدثت الأزمة السورية بعض التغييرات في التركيبة الديمغرافية للبلاد بشكل جوهري بعد أن لجأ الملايين من السوريين إلى العديد من الدول هربا من قسوة الحرب، وهي حقيقة يجب الأخذ بها عند الحديث عن حل شامل للصراع الذي يقترب من دخول العشرية الثانية.

ومع ذلك يعتبر الكثير من اللاجئين السوريين، حيث وضع بعضهم سيء للغاية والبعض الآخر أفضل حالا، مسألة العودة إلى بلدهم سيرا في الطريق الخطأ ما لم يتنحّ بشار الأسد من السلطة، وهو أمر يبدو مستبعدا على الأقل في الوقت الحالي بالنظر إلى تشعب حلول هذا الملف كونه محل خلافات عميقة بين القوى العظمى.

وتقارب السلطات في كل من لبنان وتركيا والأردن والعراق، البلدان التي تستضيف 5.2 مليون لاجئ سوري، ملف اللاجئين بوصفه عبئا ثقيلا من دون أي بوادر لحل سياسي قريب، فيما لا يزال نحو 6.7 مليون نازح داخل سوريا.

ومن أصل حوالي سبعة ملايين سوري، بينهم 5.58 مليون مسجلين لدى قوائم الأمم المتحدة منذ 2011 سلكوا طريق الهجرة منذ بدء النزاع الذي يدخل عامه الحادي عشر في الخامس عشر من مارس الجاري، لجأ أكثر من 3.6 مليون إلى تركيا المجاورة، والذين أصبحوا ضيوفا غير مرحب بهم رغم أنهم أحدثوا تغييراً ديمغرافيا عميقا في المحافظات الحدودية على غرار غازي عنتاب وهاتاي.

وبحسب الأرقام الرسمية، تحتضن غازي عنتاب حوالي 450 ألف لاجئ سوري، أي شخصا واحدا من كل خمسة مقيمين. ويتحدّر معظم السوريين فيها من مدينة حلب التي تبعد 110 كيلومترات من الجانب الآخر من الحدود ومنطقتها.

ويقول إسماعيل عبطيني الذي يملك مع عائلته مطعماً في جادة إينونو، أحد الشوارع التجارية الرئيسية في مدينة غازي عنتاب “أتمنى العودة إلى سوريا، لكنني أحاول في الوقت نفسه الحصول على الجنسية التركية، لأنه طالما أن الأسد في الحكم، من المستحيل بالنسبة إلينا العودة”.

وغادر إسماعيل حلب عام 2013 مع أهله وأشقائه وشقيقاته وزوجته وأبنائهما “هرباً من البراميل المتفجرة التي كان يلقيها النظام على حيّنا”. وقُتل أحد أشقائه في عملية قصف. وهو يعترف أن العمل مزدهر، إلا أنه لن يتردد في العودة إلى سوريا في حال سقط النظام. وقال “تركنا خلفنا متاجر ومنازل ومزرعة كبيرة”.

وفي هذا الجزء من جادة إينونو المعروفة أكثر باسم البازار الإيراني، يستثمر سوريون معظم المحلات، حتى لو أن الأسماء على الواجهات مكتوبة بالأحرف التركية كما يفرض القانون.

ويقول زكريا الصباغ وهو بائع فواكه مجففة “غادرنا هرباً من نظام الأسد، إن قيل لنا الآن إن نظام الأسد سقط، لن ترى أحدا منّا هنا في تركيا”، مضيفاً “هل رأيت كل هذه المحال التجارية التابعة لسوريين في هذا الشارع؟ الجميع سيتركونها وسيذهبون فوراً إلى سوريا”.

اللاجئون والنازحون في سوريا

ويرى خضر الحسين وهو تاجر يبلغ 41 عاماً أنه في حال بقي الأسد في الحكم “ما من أمل في العودة، أولادي أعزاء على قلبي، من المستحيل أن أختبر مجدداً ما سبق أن عشناه”.

وفي صالونه لتصفيف الشعر يعرض محمد أبوالنار وزبائنه السيناريوهات المحتملة لعودتهم إلى سوريا والمخارج المحتملة للنزاع. ويقول “في حال العودة إلى سوريا، في البداية سنُسجن، ولن يعرف أحد أي شيء عن مصيرنا، فأنا عسكري منشق، وثمة كثر مثلي”. ويضيف “من المستحيل أن يعود أحد طالما أن النظام باقٍ”.

وفي حين تمكن تجار جادة إينونو من إعادة بناء حياة جديدة في غازي عنتاب، يحاول سوريون آخرون العيش بموارد بسيطة، مثل زينة علوي التي فقدت زوجها في قصف عام 2014 وتعيش اليوم مع بناتها الأربع وابنيها في شقة فقيرة في حيّ بائس على مقربة من وسط المدينة.

وحرمتها أزمة الوباء من ممارسة أعمال صغيرة وباتت الآن تعتمد على فاعلي الخير لإطعام عائلتها ودفع ما يعادل 60 دولارا بدل إيجار منزلها.

وتتحدث زينة عن بلدها بحنين، لكن من دون أن تذكر احتمال عودة قريبة. وتقول “أقول لأطفالي إن سوريا بلد جميل والحياة فيه مميزة، وإننا كنا نعيش في منزلنا سعداء من دون أن نضطر للقيام بنوع العمل الذي نقوم به هنا، لكن هذه مشيئة رب العالمين”.

وغادرت عهد الوالي من جهتها حلب مع ابنها الوحيد عام 2014 بعد عام من مقتل زوجها الذي كان يقاتل ضد قوات النظام. وهي صاحبة محل بقالة اليوم ومقرّبة من الكثير من العائلات السورية التي تقطن الحيّ. وتقول “الطاغية (بشار الأسد) ما زال موجوداً، من قتلنا وشرّدنا ما زال موجوداً، فكيف سنعود لنعيش في ظل حكمه؟”.

وتضيف “هل أمشي في الشارع لأرى صورته معلقة في مقابل الدمار الذي قتل ويتّم أطفالاً وقتل نساء؟ كيف سأعود؟ لن أعود بالتأكيد”.

وعلى جدار قرب البقالة كُتب شعار باللغة الإنجليزية يبدو وكأنه يلخّص مشاعر السوريين في المنطقة حيال احتمال عودتهم إلى بلدهم “ربّما يوماً ما”.

العرب