بيروت – عمت حالة من الفوضى كلّ لبنان، الاثنين، في ظل استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي. وأبدت أوساط سياسية لبنانية تخوّفها الشديد من انفلات الوضع نهائيا في غياب تشكيل حكومة جديدة تستطيع الإتيان بمساعدات عاجلة تُطمئن المواطن العادي وتؤدي إلى وضع حدّ للانفلات.
وجاءت الفوضى، التي عبّر عنها متظاهرون أغلقوا الطرقات في معظم أنحاء لبنان، في ظلّ استمرار تدهور سعر العملة اللبنانية التي لامست الأحد عشرة آلاف ليرة في مقابل الدولار الأميركي الواحد، علما أن سعرها الرسمي هو 1500 ليرة.
وكشفت الأوساط السياسية أنّ أخطر ما في الأمر هو تجاهل رئيس الجمهورية ميشال عون الوضع السائد في حين انتقل صهره جبران باسيل إلى القصر الجمهوري مع فريق عمله في “التيّار الوطني الحر” ليمارس منه مهامّ رئيس الجمهورية، ووصفت جبران باسيل بأنّه رئيس الجمهورية الفعلي.
ولاحظت هذه الأوساط أن رئيس الجمهورية عقد اجتماعا أمنيا – اقتصاديا في محاولة للحدّ من التدهور. لكنّها استبعدت تمكنه من اتخاذ أي إجراءات عملية في غياب حكومة جديدة تمتلك الصلاحيات اللازمة التي تمكّنها من معالجة الوضع.
وقالت الأوساط ذاتها إن لبنان يمرّ بأخطر مرحلة في تاريخه الحديث وإن فرنسا بعثت بتحذيرات إلى كبار المسؤولين اللبنانيين تؤكد أن لبنان “يواجه خطر الزوال”.
وتوقفت هذه الأوساط عند موقف قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي يصرّ على بقاء الجيش محايدا ويرفض وضعه في حال صدام مع المتظاهرين وتنفيذ أوامر رئيس الجمهورية بفتح الطرقات بالقوّة.
وعقد قائد الجيش اللبناني اجتماعا منفصلا مع القادة العسكريين، الاثنين، أكد فيه على الحق في التظاهر السلمي لكن دون الإضرار بالممتلكات العامة.
وحذر جوزيف عون من عدم استقرار الوضع الأمني، مضيفا أن الضباط العسكريين جزء من المجتمع اللبناني الذي يعاني من صعوبات اقتصادية. وقال “العسكريون يعانون ويجوعون مثل الشعب”.
ووجه حديثه إلى المسؤولين قائلا “إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا تنوون أن تفعلوا؟ لقد حذّرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره”.
وأوضح سياسي لبناني أنّ قائد الجيش أبلغ كبار المسؤولين اللبنانيين بأنّه لا يستطيع التحرّك في مناطق لبنانية معيّنة، خصوصا في المناطق المسيحية، كما لا يستطيع ذلك في مناطق يسيطر عليها حزب الله.
وقال مراقبون في بيروت إنّ عدد المواطنين الذين نزلوا إلى الشارع احتجاجا على تدهور الوضع المعيشي ليس كبيرا، لكنّ اللافت أن أحزابا تمتلك نفوذا تدعم هؤلاء، ومن بين هذه الأحزاب حركة “أمل” في المناطق الشيعية و”القوات اللبنانية” في المناطق المسيحية.
وطلب الرئيس عون من الأجهزة الأمنية عدم السماح بإقفال الطرقات. وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية أن كبار مسؤولي الحكومة والمسؤولين الأمنيين اتفقوا خلال اجتماع على إجراءات من بينها “تكليف الأجهزة الأمنية بضبط جميع الأشخاص الذين يخالفون أحكام قانون النقد والتسليف وقانون تنظيم مهنة الصرافة” بما في ذلك مكاتب الصرافة الأجنبية.
وجاء في بيان الرئاسة أن “الأوضاع المستجدّة على الصعيدين المالي والأمني تحتاج إلى معالجة سريعة”.
وأضاف البيان أن الرئيس عون “أكد أنّ الأوضاع المستجدّة على الصعيدين المالي والأمني تحتاج إلى معالجة سريعة لأننا نشهد ارتفاعا غير مبرّر في سعر صرف الدولار بالتزامن مع شائعات هدفها ضرب العملة الوطنية وزعزعة الاستقرار”.
وتابع البيان “هذا الواقع يفرض اتّخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لملاحقة المتلاعبين بلقمة عيش اللبنانيّين من خلال رفع الأسعار على نحو غير مبرّر”.
وأوضح البيان أن الرئيس طلب “من الأجهزة الأمنيّة الكشف عن الخطط الموضوعة للإساءة للبلاد لاسيما بعدما توافرت معلومات عن وجود جهات ومنصات خارجية تعمل على ضرب النقد ومكانة الدولة المالية”.
وأعرب عن رفضه لقطع الطرقات وقان إن هذا العمل “مرفوض وعلى الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة أن تقوم بواجباتها كاملة وتطبيق القوانين دون تردّد، وخصوصا أن الأمر بات يتجاوز مجرّد التعبير عن الرأي إلى عمل تخريبي منظّم يهدف إلى ضرب الاستقرار”.
وأغلقت الاثنين ثلاثة طرق رئيسية تؤدي إلى العاصمة بيروت جنوبا من الزوق وجل الديب والدورة. وفي بيروت نفسها أغلق المحتجون طريقا رئيسيا أمام مصرف لبنان المركزي.
وتحدثت وسائل إعلام محلية عن إطلاق أعيرة نارية في ساحة الشهداء وسط بيروت، لكن لم يتضح المصدر ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات.
وفي صور بالجنوب حاول رجل إحراق نفسه بعدما سكب البنزين على جسمه لكن الدفاع المدني أوقفه في الوقت المناسب، وفقا لما نشرته الوكالة الوطنية للإعلام.
وفي طرابلس، وهي من أفقر المدن اللبنانية وتقع في الشمال، أقام المتظاهرون جدارا من الطوب بارتفاع متر لمنع السيارات من العبور لكنهم تركوا متسعا للمرور في حالات الطوارئ.
ومع اندلاع الأزمة المالية في لبنان أواخر عام 2019 تفجرت موجة احتجاجات حاشدة وصب المتظاهرون جام غضبهم على الزعماء الذين لم يحركوا ساكنا إزاء الفساد المستمر منذ عقود.
وفقد عشرات الآلاف من اللبنانيين وظائفهم بسبب الأزمة التي أدت أيضا إلى تجميد الحسابات المصرفية وبدأ كثيرون يعانون من الفقر.
وبعد انفجار مرفأ بيروت الذي دمر مناطق بأكملها في العاصمة في أغسطس الماضي استقالت حكومة رئيس الوزراء حسان دياب، لكنها تواصل مهمة تصريف الأعمال.
العرب