تثير دعوة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى حوار وطني شامل، تساؤلات عدة، لا سيما في أوساط ناشطي الانتفاضة العراقية، تتمحور حول جدوى الحوارات وإمكانية أن توفر منطلقاً لاستقرار البلاد والشروع نحو الانتخابات المقبلة في أجواء أكثر هدوءاً.
ودعا الكاظمي، الاثنين 8 مارس (شباط)، إلى “حوار وطني” يضم جميع المختلفين من قوى سياسية وفعاليات شعبية وشبابية احتجاجية، فضلاً عن معارضي الحكومة، مشيراً إلى أن “العراق أمام فرصة حقيقية لاستعادة دوره التاريخي في المنطقة والعالم على الرغم من العقبات والتحديات”.
ناشطو الانتفاضة ونقاشات حول الحوار
إضافة إلى تساؤل الناشطين العراقيين عن جدوى أي حوار مع القوى السياسية الرئيسة، يبدو معظمهم رافضين للدعوة، خصوصاً مع عدم إيفاء الحكومة بتعهداتها في ملف محاسبة قتلة المحتجين.
ويستبعد الناشطون الحوار، تحديداً مع القوى التي يتهمونها بالضلوع في عمليات قتل المحتجين، ويختصرون ذلك بشعار “لا حوار مع القتلة”، الأمر الذي يعقّد احتمال أن تشترك قوى الانتفاضة في أي حوار.
إلا أن مراقبين وناشطين تحدثوا عن أن تلك الدعوة ستؤدي إلى شق صفوف الناشطين، وإن غايتها “ليست بريئة”، إذ يعتقدون أن القوى السياسية ستحاول جر جزء من شباب الانتفاضة أو زج جماعات في الحوار بدعوى أنها تمثّل الحراك الاحتجاجي، في محاولة لإبعاد الناشطين الرئيسيين المناهضين للنظام السياسي، وإدخال آخرين أقرب إلى القوى السياسية لتمثيل الحراك والدخول في حالة من التهدئة.
وفي رد فعل سياسي على دعوة الكاظمي، رحب زعيم “تحالف عراقيون” عمار الحكيم بها وكتب في تغريدة على “تويتر”، أن “الفرصة سانحة والأجواء مهيّأة للمضي بهذا الحوار، ونجدد المطالبة بانخراط جميع القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والأكاديمية بحوار يستوعب جميع الرؤى والأفكار البناءة لمعالجة الإخفاقات وتقويم السلبيات”.
غياب الطرف الضامن
ولعل واحدة من الإشكالات الرئيسة التي تقف في طريق إجراء حوار مع قوى الانتفاضة ترتبط بعدم وجود ضمانات توفرها القوى السياسية للمحتجين في شأن أي مخرجات لتلك الحوارات، إذ يعتقد رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري أن تلك الحوارات “يجب أن تكون مرعية من أطراف خارجية ضامنة تطبيق بنودها، خصوصاً مع حالة فقدان الثقة الكبيرة بين العراقيين والطبقة السياسية”.
ويؤكد الشمري أن “على الحكومة تقديم ضمانات في ملف ملاحقة القتلة وتقديمهم الى المحاكم، فضلاً عن ضمانات أخرى تتعلق بإيقاف عمليات الملاحقة التي تطالبهم من خلال حوارات بينيّة مع بقية الأطراف السياسية”.
ويقرأ في الدعوة إلى الحوار “رسالة واضحة بأن الوضع السياسي بحاجة إلى عملية تغيير وصياغة اتفاقات جديدة لإنهاء الأزمات والانسدادات التي يعاني منها النظام السياسي”.
“حوار تأسيسي”
يبدو أن تلك الدعوة تمثل “حواراً تأسيسياً وليس مرحلياً”، كما يعبّر الشمري، الذي يشير إلى أنها “ربما تفضي إلى صياغة عقد اجتماعي وسياسي جديد يوفر مخرجاً للأزمات المتراكمة في البلاد”.
وبرأيه، يبدو أن الكاظمي يحاول من خلال تلك الدعوة “النأي بالنفس عن التراكمات والإشكالات التي خلقها النظام السياسي”، مبيّناً أن “رئيس الحكومة لا يريد تحمل مسؤولية الانسداد السياسي القائم”.
ولعل تزامن تلك الدعوة مع حالة التصعيد بين واشنطن والفصائل المسلحة الموالية لإيران يثير تساؤلات عدة حول إمكانية أن توفر مساحة للضغط على تلك الجماعات لعدم إثارة أي إشكالات أمنية.
وقد تطرق الكاظمي خلال خطابه المتلفز إلى علاقات العراق الخارجية بالقول “لقد عكفت الحكومة منذ تشكيلها على ترميم علاقات البلاد الخارجية والتأسيس لاستعادتها موقعها الطبيعي ووزنها الإقليمي دولياً، وحققنا خطوات متقدمة في هذا المجال وكانت زيارة قداسة البابا تعزيزاً لهذه الخطوات”.
وأضاف “لقد نجحنا في أن يكون العراق معبراً للتفاهم والتواصل بين عدد من دول المنطقة، وهناك استعداد دولي لدعمه في مشروع الإصلاح الاقتصادي، بعدما نجحنا في عبور الأزمة الاقتصادية”.
ويلفت الشمري إلى أن “الكاظمي بات يرى أن تلك الفصائل تعمل بعيداً من المصلحة العراقية ولها حساباتها الخاصة، وهذا الحوار قد يتيح فرصة لبلورة رؤية وطنية في موضوع انسحاب القوات الأميركية وكيفية التعاطي مع واشنطن ضمن إطار الدولة”.
تزامن يثير التساؤلات!
ويرى الصحافي محمد حبيب أن “الدعوة إلى الحوار موجهة في جزء منها إلى معارضي الحكومة، إلا أنه لا يمكن تحديد من هي تلك الجهات، لأن كل الأحزاب السياسية، خصوصاً الأطراف الموالية لإيران تتبنّى في خطابها الإعلامي معارضة حكومة الكاظمي”، مردفاً “في الاجتماعات الخاصة التي يتسرّب بعض وقائعها، ما زالت تلك الأحزاب تحافظ على مناصبها في الدولة التي تتيح لها التحكم بالأموال وكثير من المؤسسات الرسمية”.
وتتزامن دعوة الكاظمي إلى الحوار مع حراك مشابه تخوضه جهات على صلة بالميليشيات الموالية لإيران، في محاولة لإجراء حوار بين ناشطي الانتفاضة وذوي الضحايا مع هذه الجماعات.
ويعتقد حبيب أن تلك الدعوات تمثل محاولة لـ”اختراق البنيان المرصوص الذي شكّله ناشطو الانتفاضة”، مشيراً إلى أن “رد ناشطي أكتوبر (تشرين الأول) كان متنبهاً وذكياً في فهم خطورة مثل هذه الدعوات التي ترفع شعارات التعايش”.
ويتابع أن “رد الناشطين كان مباشراً بأنه لا يمكن التعايش مع القتلة من دون المرور بالقضاء، ولا بد بداية من محاسبة القتلة والمحرضين عليهم والوسط المشترك في ما حصل من مجازر”.
ويلفت إلى أن “الأوساط المقربة من الميليشيات تريد العبور بتذكرة مجانية إلى إعادة تثبيت وضعها مع المجتمع، إلا أن رد الناشطين كان واضحاً من خلال شعار لا حوار مع القتلة”، مبيّناً أن “ما حصل من مجازر لا يمكن العبور عنه بدعوات التعايش”.
ويشير حبيب إلى أن أي حوارات ترعاها الحكومة أو الأحزاب والميليشيات “لن تجد طريقها إلى مجتمع الضحايا من دون المرور بالقضاء”، مؤكداً أن “الحكومة لا تفعل شيئاً في هذا السياق، الأمر الذي سيؤثر في مصير الانتخابات المقبلة”.
قطيعة مع النظام
ويفكر عدد من قادة الأحزاب الناشئة المقربة من أوساط “الانتفاضة” العراقية في مقاطعة الانتخابات، فضلاً عن الذهاب إلى خيارات أبعد من ذلك بإعلان القطيعة مع النظام السياسي برمّته.
ويوضح حبيب أن “المطلوب ليس الحوار بل إجراءات ملموسة وأوامر قبض واعتقال ومحاكمات بحق القتلة”، معتبراً أن تلك الدعوات “محاولة للالتفاف على العجز الحكومي في مواجهة المتورطين بقتل المحتجين، وربما محاولة لاسترضاء بعض الميليشيات التي تشعر بأنها في موقف حرج بسبب وجود شبهات بتوفيرها غطاء للقتلة أو المتهمين بالمجازر التي حصلت”.
ويختم أن “تجاهل الحكومة العراقية لعمليات الاغتيال مثّلت ضوءاً أخضر للميليشيات للاستمرار في القتل والاختطاف”، واصفاً ما يجري بأنه “أجواء حرب وليست أجواء انتخابات”.
محاولة لإرباك الشارع المحتج
وتأتي دعوة الكاظمي إلى الحوار على بعد أيام من عمليات قمع طاولت محتجين في مدينة الناصرية أدت إلى سقوط نحو 8 قتلى وأكثر من 100 جريح، فضلاً عن عمليات اعتقال شملت ناشطين في عدد آخر من المحافظات.
ويعتقد زايد العصاد، عضو “حزب البيت الوطني”، وهو أحد الأحزاب التي شكّلها ناشطون في الانتفاضة العراقية، أن “الحركة التشرينية ذهبت في اتجاه تنويع أساليب الاحتجاج، وتمظهر ذلك في الناصرية من خلال معالجة القضايا المحلية وتأجيل القضايا المركزية، ومحاولة دك حصون النظام السياسي من الأسفل”، مبيّناً أن هذا الأمر “أشعر الطبقة السياسية بأن تلك الخطوات قد تتطور، ما دفعها إلى إطلاق دعوة الحوار”.
اقرأ المزيد
ديون الكويت عند العراق قد تعود للواجهة خلال عام
بعد يوم دام في الناصرية محافظ ذي قار يقدم استقالته
اعتقال 4 أشخاص متورطين في اغتيال عراقيين والكاظمي: العدالة لن تنام
هل تنجح إقالات الكاظمي في حفظ الأمن العراقي؟
ويضيف، “الناشطون بالضد من أي محاولة للتفاوض أو الحوار مع الطبقة السياسية في ظل عدم الإيفاء بالالتزامات التي فرضتها ثورة تشرين”، موضحاً أن “عدم الشروع بالإعلان عن ملابسات المجازر التي حصلت بحق المحتجين وبدء الإجراءات القانونية بحق المرتكبين والكشف عن الميليشيات المشتركة والتخاذل الحكومي والأوامر بإطلاق النار هي ما يعرقل الرئيس في طريق أي حوارات”.
ويشير إلى أن “هذه المكاشفة ربما ستمثّل عربون ثقة لفتح صفحة حوار مع الطبقة السياسية، ومن دون ذلك يعني أن الفاعلين السياسيين غير جادين في أي حوارات”.
ويلفت إلى أن “الطبقة السياسية تعاني من هزة على مستوى قواعدها، فضلاً عن أنها تحاول تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي للقول إنها جهة ديمقراطية ضامنة”.
ويختم أن هذه الدعوة تمثّل “محاولة لإرباك الشارع في هذه المرحلة وإدخال الناشطين في دوامة اختيار الحوار من عدمه”.
مناورة لامتصاص غضب الشارع
ويرى حسين محمود، عضو مؤسس في “اتحاد العمل والحقوق” وهو تشكيل سياسي منبثق من الانتفاضة العراقية، أن “الكاظمي فشل في إدارة البلاد وأصبح أداة بيد القوى السياسية التي انتفض عليها العراقيون، وهذا يدفعنا إلى القول إن الدعوة إلى الحوار لا تعدو كونها مناورة غير بريئة تهدف إلى امتصاص غضب الشارع العراقي”.
ويرى أن الغاية منها “شق صف المحتجين”، مبيّناً أن ما يدفع إلى هذا الاعتقاد هو “تزامنها مع محاولات قوى الانتفاضة تشكيل جبهة متماسكة تحسم خيارتها إزاء الانتخابات المقبلة وبقية الملفات الشائكة، وعلى رأسها استمرار المطالبة بمحاسبة القتلة”.
ويعبّر محمود عن مخاوفه من أن تقوم القوى السياسية بـ”زج شخصيات لا علاقة لها بالانتفاضة في هذا الحوار، وتقديمها إلى الرأي العام العراقي على أنها تمثل المحتجين”، مشيراً إلى أن “قوى سياسية عدة استقطبت ناشطين وبدأت تروّج لهم على أنهم يمثّلون قوى الانتفاضة”.
ويلفت إلى أن “تسويف الكاظمي لمطالبات العراقيين، يجعلنا غير قادرين على الوثوق بأن يكون ضامناً لأي حوار وطني”.
ويشير إلى أن “أطرافاً سياسية رئيسة ما زالت أجنحتها المسلحة تستهدف المحتجين وتلاحقهم، ولا يمكن في ظل أجواء كهذه الجلوس إلى طاولة مفاوضات مع من يمتلك المال الفاسد والسلاح المنفلت وهو مستمر بتهديد الناشطين”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي