الباحثة شذى خليل*
مشكلة الطاقة الكهربائية في العراق ليست وليدة اليوم، فالبلاد تعاني من نقص حاد بالطاقة منذ العام 1990، وقد تراكم هذا الأمر بعد العام 2003 بسبب تهالك محطات التوليد القديمة الذي رافقته عمليات التخريب خلال السنوات الماضية؛ لتزداد إثر ذلك ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن المواطنين من (14-20) ساعة يومياً؛ وهو ما دفع بهم الى الاعتماد على مولدات الطاقة الأهلية، أو المولدات المنزلية الصغيرة وكلتاهما تضيف أعباء مادية كبيرة على الأهالي.
وعلى الرغم من ان العراق ينتج 4.5 مليون برميل من النفط يوميًا، الا ا سكانه يعيشون في ساعات طويلة وسط الظلام نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي الذي يمتد لفترة تصل إلى 15 ساعة يوميا في أغلب الاوقات. وبالرغم من الأموال الضخمة التي اعتمدتها الحكومات العراقية المتتالية، من أجل تأمين الإمدادات الكهربائية للسكان؛ إلا أن الوضع لا يزال سيئًا للغاية، وبحسب الاقتصاديين فإن الطلب على الكهرباء يزداد بنسبة 4 في المئة سنوياً، نظراً إلى ارتفاع عدد السكان، وبذلك سنحتاج إلى زيادة في إنتاج الطاقة سواء عن طريق المحطات التي تعمل بالطاقة المتجددة أو غيرها لتلبية الطلب
تحاول الولايات المتحدة تخليص العراق من الاعتماد بالكامل على طهران في استيراد الطاقة، والأخيرة ترفض لأن العراق يعد متنفسًا اقتصاديًا لها خاصة بعد العقوبات الأمريكية التي دفعت باقتصادها إلى حافة الهاوية.
الاتفاقية الجديدة بين إيران والعراق بشأن تصدير الكهرباء، ستستمر إلى عام 2021، وتبلغ قيمتها 800 مليون دولار، يقول الصحافي الإيراني أمير علي رضا المختص بالشأن العراقي، «تأتي هذه الاتفاقية في محاولة من طهران إلى تعطيل اتفاقية العراق مع السعودية، فإيران تدافع عن تصديرها الكهرباء للعراق لآخر لحظة، في وسط الأزمة الاقتصادية خاصة بعد جائحة فيروس كورونا».
وبالعودة إلى المحاولات الأمريكية، لتنويع استيراد مصادر الطاقة للعراق، فكانت قد وقفت الإدارة الأمريكية بكل قوة خلف الاتفاق بين بغداد والرياض، لربط العراق بشبكة الكهرباء السعودية.
ففي 17 يوليو (تموز) 2020 أعلنت وزارة الخارجية العراقية في بيان لها أن ممثلي الأطراف الثلاثة (بغداد، الرياض، واشنطن)، عقدوا مؤتمرًا افتراضيًا للتأكيد على مشروع الربط الكهربائي بين المملكة العربية السعودية والعراق.
وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد العبادي، إن «مشروع الربط الكهربائي بين بغداد والرياض، أصبح في مراحله المتقدمة، ويحتاج فقط إلى شهور قليلة لاستكماله».
ايران وازمات متكررة :
تراجع تزويد العراق بالغاز الإيراني خلال فصل الشتاء الذي شارف على نهايته، مما تسبب في أزمة طاقة عمت مناطق البلاد للمرة الأولى منذ سنوات عدة، وجعل الحكومة العراقية تُفكر جدياً بالبحث عن بديل.
العراق يكفيه ما يعانيه من أزمات داخلية ولا يريد ان يربط البلد بإيران التي هي تعاني من اقتصاد متهالك إضافة الى ارتفاع سعر الربط الكهربائي معها والى ردائه النوعية ، ولا ننسى ان ايران تخضع الى العقوبات الأميركية وتعتبر قيمة استيراد الغاز لفترة جاوزت السنة، يصعّب الاعتماد مستقبلاً على الغاز الإيراني، كون رفع العقوبات عن طهران يحتاج فترة طويلة، مما يسبب إحراجاً كبيراً للدولة العراقية في إدارة ملفات اقتصادية مهمة تعتمد على إنتاج الطاقة الكهربائية.
وسيكون فصل الصيف المقبل اختباراً صعباً للحكومة العراقية في ظل الأجواء شديدة الحرارة مع نقص إمدادات الطاقة الكهربائية في البلاد، خصوصاً وأن بغداد كانت تستعد لافتتاح محطات جديدة تعتمد على وقود متنوع تمكنها من إنتاج نحو 22 ألف ميغاواط، وتجاوز سخونة الصيف من دون تظاهرات ضخمة كما كان يحدث كل عام، باستثناء العام الماضي بسبب انتشار فيروس كورونا.
البدائل من قطر وأوزبكستان وروسيا..
وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار قال إن بغداد تبحث عن مصادر متنوعة لشراء الغاز وسد حاجتها في ظل تراجع إمداد الغاز الإيراني. وأن “وزارة النفط حريصة على استيراد الغاز من قطر لأنها قريبة من العراق”، فضلاً عن رغبتها بالاستيراد من روسيا وأوزبكستان ضمن توجه البلاد لتنويع مصادرها من تلك المادة الحيوية، مؤكداً على أن “العراق حتى لو استثمر كل كمية الغاز المصاحبة للإنتاج النفطي المحلي فلن يستطيع تغطية حاجته لتوليد كمية الكهرباء المطلوبة في البلاد”.
وحسب وزارة الكهرباء أنها تهدف للوصول إلى 22 ألف ميغاواط خلال الصيف، بزيادة قدرها 3 آلاف ميغاواط عن الصيف الماضي، حين وصلت ذروة الإنتاج إلى 19 ألف ميغاواط، وفق خطة استراتيجية تتضمن إدخال محطات جديدة وإضافة بعض خطوط الإنتاج وإصلاح أخرى.
البدائل: تحتاج وقتاً طويلاً في حال توجه العراق نحو روسيا وكازاخستان وقطر”، لكن لا توجد صعوبات في حال أراد العراق البلد النفطي الاعتماد على نفسة في انتاج الطاقة لأنها ليست معضله العصر على بلد نفطي
وقال الخبير النفطي حمزة الجواهري إن “البدائل التي يبحث عنها العراق تظهر في خيارات عدة منها التوجه نحو روسيا وكازاخستان وقطر”، لكن وجود صعوبات في اعتماد هذه الخيارات منها الوقت وسياسية أي تحتاج مواقف سياسية للدول التي تمر بها ، نقله وتخزينه الذي يحتاج إلى توفير حرارة تبلغ 168 درجة تحت الصفر، وبناء خزانات وبعض المنشآت الخاصة ذات الكُلف المرتفعة”.
والحل الأمثل هو الإسراع باستثمار الغاز المصاحب لأنه أقل كلفة، ويحتاج وقتاً أقل مما يستغرقه بناء الأنبوب الاستيراد من دول أخرى، سيما وأن خطط الوزارة تشير إلى أنه في نهاية العام 2023 سيتم استثمار كل الغاز المصاحب لاستخراج النفط الخام”. يتفق الخبير النفطي كوفند شيرواني مع الجواهري حول ضرورة استثمار الغاز المصاحب بدلاً من استيراد الغاز من دول الجوار، فيما يشير إلى أنه بإمكان العراق مد أنبوب مع قطر يصل طوله إلى 700 كيلومتر لإمداده بالغاز.
وأن “نقل الغاز يستوجب العمل بطريقة فعّالة عبر نقله بالأنابيب في أعماق البحار وإيصاله من قطر إلى ميناء البصرة، وذلك أفضل من استيراده من روسيا عبر الخط الروسي الذي ينقل الغاز إلى أوروبا”.
وقال شيرواني إنه “بدلاً من الاتجاه إلى بناء أنابيب أو نقل الغاز عن طريق الناقلات، فالأفضل الاستفادة من الغاز الطبيعي العراقي في باطن الأرض، والذي يُقدر بـ 13 تريليون قدم مكعب، أو الاستفادة من الغاز المصاحب حيث نحرق سنوياً حوالى 17 مليار قدم مكعب، وما يُحرق يتجاوز الحاجة الفعلية، ومن الممكن أن نوفر مليارات الدولارات التي نصرفها على استيراد الغاز الطبيعي، كما سنحل أزمة الكهرباء”.
الخيار المهم الذي يمكن ان يستفاد منه العراق الطاقة النظيفة، الطاقة الشمسية كمصدر للكهرباء، على أن يتمكن من إنتاج نحو 10 آلاف ميغاوات خلال عقد من الزمن بالتعاون مع شركات عالمية.
لكن الخطوات الأولية للمشروع حبيسة أدراج المسؤولين طوال السنوات الأربع الماضية، إلى أن أعلن مجلس الوزراء في 16 فبراير (شباط) الحالي الموافقة على اقتراح وزارة الكهرباء بشأن استثمار محطات كهربائية لتوليد الطاقة البديلة بمقدار 755 ميغاوات في عدة محافظات عراقية.
وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، الذي بيّن أن بغداد أحالت إلى شركات عالمية سبعة مواقع لتنفيذ مشاريع استثمارية للطاقة الشمسية في عدد من المحافظات، أكبرها في مدينة كربلاء بطاقة 300 ميغاوات، ومشاريع أخرى في واسط وبابل فضلاً عن موقعي “ساوة /1″ و”ساوة /2″ في محافظة المثنى.
وذكر عبد الجبار، في بيان، أن خطط العراق للفترة من 2020 إلى 2030 تهدف للوصول إلى معدلات إنتاج من الطاقة شمسية تصل إلى 10 غيغاوات، بما يعادل 10 آلاف ميغاوات، مبيناً أن هدف الحكومة والمجلس الوزاري للطاقة الوصول إلى معدل إنتاج من الطاقة الشمسية بنسبة 20 في المئة من إنتاج العراق للكهرباء.
وكشف عن وجود مباحثات ومشاورات مع شركات عالمية ومن ضمنها شركات نرويجية و”توتال” الفرنسية، مؤكداً أن الأخيرة أبدت استعدادها للعمل في العراق.
ويشير الخبير الاقتصادي صالح الهماشي إلى أن استثمار الطاقة الشمسية سيوفر ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وستكون مردوداته إيجابية للصناعة والاقتصاد من خلال تقليل تكاليف الإنتاج، فضلاً عن تقليل الأيدي العاملة في مجال إنتاج الطاقة.
العراق غني بالطاقة الشمسية ولديه 300 يوم مشمس”، وان الاستثمار في هذا القطاع سيقضي على ازمة الكهرباء المستعصية على البعض لاستمرار الاستفادة من الازمة المفتعلة على حساب الوطن ، وان هذ الاستثمار سيقلل من نسبة البطالة، ويخدم القطاعات الصناعية الأخرى لكن تبقى المشكلة في التخطيط والتنفيذ والحزم لأنهاء معاناة العراقيين.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية