انقضى عام على قرار منظمة الصحة العالمية اعتبار فيروس كوفيد ـ 19 جائحة عالمية تتطلب اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية المتشددة، بما في ذلك الإغلاق التام أو منع التجول أو العمل من البيت فضلاً عن التباعد الاجتماعي واتباع تعليمات النظافة وارتداء الكمامات وسواها. واليوم مع الذكرى السنوية الأولى تقول إحصائيات جامعة جونز هوبكنز الأمريكية إن عدد الإصابات على مستوى العالم بلغ 117 مليوناً من مختلف الأعمار، وتجاوزت الوفيات 2,6 مليون، وما تزال عشرات البلدان تفرض أنظمة إغلاق متفاوتة الشدة بالنظر إلى مزيج من موجة ثالثة وأشكال متحورة جديدة من الفيروس.
وقد تصح الإشارة أولاً إلى أن الابحاث العلمية المتسارعة نجحت خلال زمن قياسي في ابتكار وحسن اختبار عدد من اللقاحات يعتبر قياسياً أيضاً، لأن البشرية اليوم باتت تملك ستة لقاحات على الأقل، تتفاوت فعالياتها بالطبع لكن الحدود المطلوبة من درجات الأمان متوفرة فيها. المعضلة التي برزت سريعاً أيضاً هي في قدرة الدول والمؤسسات والمنظمات العالمية على إدارة توزيع هذه اللقاحات بما يكفل مقادير من العدل والمساواة بين الشعوب والمناطق تتناسب مع خطورة الجائحة ومعدلات انتشارها وطاقات هذا البلد أو ذاك على توفيرها.
كذلك كان في طليعة العواقب الوخيمة التي نجمت عن جائحة كوفيد ـ 19 أن الحياة الاقتصادية تعرضت لاهتزازات غير مسبوقة انعكست مباشرة على معيش مئات الملايين، واستوجبت تدخلاً مباشراً من الدول اتخذ صفة مئات المليارات من المساعدات المالية لشتى القطاعات التي تضررت جراء توقيف الأعمال. وهنا أيضاً كان طبيعياً أن تدفع أفدح الأثمان تلك المجتمعات التي تتصف باقتصادات فقيرة أو حتى متوسطة، وخاصة تلك التي تديرها أنظمة استبداد وفساد، هذا عدا عن التقصير المأساوي في ضمان إجراءات صحية سليمة وتأمين بنى تحتية ملائمة في المصحات والمشافي. وهكذا كان التمايز بين مجتمع وآخر هو الضربة القاصمة الإضافية التي وجهها الفيروس إلى البشرية.
تصح الإشارة ثالثاً إلى ما اقترن بتطورات الجائحة من مواقف شاذة صدرت عن بعض كبار الساسة، وأسهمت في تعقيد العمل الجماعي لمجابهة الفيروس أو تسببت في تعطيله، كما كانت الحال مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على سبيل المثال الأبرز. فهو لم يكتف بموقف عنصري من الجائحة وابتكار تسمية «الفيروس الصيني» بل اتهم منظمة الصحة العالمية بالتستر على انتشاره وهدد بالانسحاب منها، وسخر من الفيروس ذاته وقلل من خطورته ونصح مواطنيه باستخدام المنظفات لمقاومته.
أخيراً، لا يصح أن يُطوى استذكار السنة الأولى على تكريس الجائحة رسمياً من دون التوقف عند سياسة دولة الاحتلال الإسرائيلي في إجراءات التمييز الفاضح ضد الفلسطينيين أينما كانوا، بما في ذلك السجون والمعتقلات، وذلك قبل تطبيق سياسة حصار من نوع إضافي بصدد توريد اللقاحات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هذه وسواها من الإشارات تجعل استذكار السنة الأولى من عمر الجائحة مناسبة تأمل في تلك السياسات الأخرى الضرورية التي تخص اللقاح اليوم، والتي تحتاجها الإنسانية جمعاء في وجه فيروس لا يفرق بين غني أو فقير وشمال أو جنوب.
القدس العربي