أضعفت ضربات متتالية تعرّض لها على مدى سنوات، فرع تنظيم القاعدة اليمني الذي كان يُعتبر أكثر أذرع الجماعة المتطرفة خطورة خارج أفغانستان، لكن عناصره يجدون في المعركة الدامية الدائرة حاليا بين الحكومة والمتمردين في الشمال أرضية لإعادة رص الصفوف.
وقال مسؤولون في أجهزة الاستخبارات الحكومية، إن المعركة الشرسة حول مدينة مأرب التي اندلعت الشهر الماضي، بدأت تخلق فراغا أمنيا يستغله الجهاديون الساعون الى استعادة نفوذ وتجنيد المزيد من المقاتلين.
ومنذ نشأته قبل 12 سنة، اعتُبر تنظيم “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” الأكثر فتكا في شبكة الجماعة المتطرفة على مستوى العالم، إلا أنّه عانى في السنوات الثلاث الماضية من هزائم متعدّدة فخسر أراضي ومقاتلين، بينما يلف الغموض مصير قياداته.
ويقول مسؤول استخباراتي إن “تنظيم القاعدة في اليمن اتخذ من محافظة مأرب أبرز معاقله خلال السنوات الأخيرة”.
وفي حين يتكبّد الطرفان الرئيسيان المتقاتلان في حرب اليمن المستمرة منذ ست سنوات، خسائر فادحة في معركة مدينة مأرب، فإن تنظيم القاعدة “يستفيد من الفوضى والحرب ليتمدد ويتحرك بحرية” في مناطق أخرى من المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، بحسب المسؤول.
ويتابع المصدر الاستخباراتي أن عناصر القاعدة يعودون “إلى تدريب مقاتلين، ويخططون لإعادة بناء العلاقات” مع القبائل، ويسعون للحصول على “دعم مالي” محليا.
ومدينة مأرب، عاصمة المحافظة الغنية بالنفط، هي آخر معقل في شمال البلاد للقوات الموالية للحكومة المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية.
ويسيطر الحوثيون على بقية الشمال بعد سنوات من الحرب التي زجت باليمن في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ويقول مسؤول استخباراتي يمني آخر: “الحرب في مأرب يمكن أن تنهي حملة الضغط الكبير التي كادت تقضي على القاعدة” في اليمن في السنوات القليلة الماضية.
وبحسب الباحث في الجماعات المتطرفة في اليمن سعيد بكران: “من المنطقي أن يصبح استمرار المعركة في مأرب وعدم قدرة أي من الطرفين على الحسم، مكسبا كبيرا للتنظيم ليعيد ترتيب صفوفه”.
صعود سريع
نشأ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية خلال اجتماع لمقاتلين جهاديين في كانون الثاني/ يناير 2009 في منطقة جبلية وعرة في أبين جنوبا، وكان عبارة عن زواج اضطراري بين فرعي القاعدة في اليمن والسعودية اللذين كانا يتعرضان في حينها لحملات عسكرية أمريكية وإقليمية ومحلية ضارية.
وتمكنت المجموعة التي قادها اليمني ناصر الوحيشي ونائبه السعودي سعيد الشهري، السجينان السابقان في صنعاء وغوانتانامو على التوالي، من التوسّع سريعا بينما كان اليمن بدأ يواجه حركة انفصالية في الجنوب، وتمردا في الشمال، وأزمة اقتصادية خانقة.
وفي عام واحد، جنّد التنظيم مئات المقاتلين في المناطق الفقيرة بمساعدة القبائل بعدما قدّم نفسه على أنه بديل لنظام منهار، وجذب الجهاديين من آسيا وأفريقيا، وتبنى هجمات مميتة ضد القوات المحلية في اليمن وكذلك في السعودية، وحاول قتل مسؤول سعودي أمني نافذ هو الأمير محمد بن نايف حين كان نائبا لوزير الداخلية وتفجير طائرة مدنية أمريكية.
وأصدرت المجموعة واحدة من أولى المجلات الجهادية الناطقة بالإنكليزية على الإنترنت “إنسباير”.
وكان شبح القاعدة موجودا بقوة في اليمن قبل ذلك. وأعلن الفرع اليمني السابق للقاعدة مسؤوليته عن الهجوم على المدمرة “يو إس إس كول” قبالة مدينة عدن الجنوبية الذي أسفر عن مقتل 17 عسكريا أمريكيا عام 2000.
ويقول الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة حسام ردمان من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إنه عند ولادة الجماعة في 2009، كانت لدى عناصرها “أرضية قوية للتحرك وملاذات آمنة”.
لكن التنظيم لم يبلغ ذروته إلا في 2014 عندما بدأ باجتياح البلدات ثم سيطر على مدينة المكلا الجنوبية في 2015 لمدة عام كامل، بينما كان منافسه الرئيسي، تنظيم “الدولة”، يتمدد هو الآخر في العراق وسوريا.
خارج اليمن، هاجمت الجماعة المجلة الساخرة الفرنسية شارلي إيبدو في عام 2015، ما أسفر عن مقتل 12 شخصا، في عملية أبرزت قدرة التنظيم على الضرب بعيدا.
ثم انحدار
عندما قادت السعودية تحالفا عسكريا في اليمن في آذار/مارس 2015 بهدف وقف تقدّم الحوثيين، كانت عينها على الجماعة المتطرفة أيضا.
وتولت الإمارات، العضو الرئيسي في التحالف، زمام المبادرة وقامت قواتها بطرد تنظيم القاعدة من القرى الواحدة تلو الأخرى بمساندة القوات الأمريكية وأسلحتها واستخباراتها.
في موازاة ذلك، تمكنت الطائرات بدون طيار والقوات الخاصة الأمريكية من تحديد مكان القادة وقتلهم، بمن فيهم الوحيشي في عام 2015.
وبرز أمام التنظيم تحد آخر هو سعي تنظيم “الدولة” إلى التوسع، فتصارع الخصمان على الأرض وتقاتلا على مدى سنوات.
ويقول مصدر قبلي: “كل هذه العناصر أضعفت قاعدة الجهاد في جزيرة العرب التي تواجه اليوم مشاكل مالية. وقد اتهم عدد من عناصرها بالخيانة، بينما انضم آخرون الى تنظيم “الدولة”.
على الرغم من كل ذلك، واصلت الجماعة “استغلال الفراغ الأمني الناجم عن الصراع المستمر” و”شن هجمات في مناطق جنوب ووسط اليمن مع إفلات نسبي من العقاب”، وفقا لتقرير أمريكي سنوي عن الجماعات الإرهابية في 2019.
ووفقا للتقرير، بلغ عدد مقاتلي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بضعة آلاف في 2019.
ثم جاءت معركة مأرب التي تبعد نحو 120 كيلومترا شرق العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة المتمردين.
ويؤكد المصدر القبلي إن القتال يساعد الجماعة على “إعادة تنظيم نفسها”.
ويتابع أنّها دفعت “بعناصرها غير المعروفة والشباب للانخراط في صفوف المقاومة التي تقاتل الحوثيين للاستفادة من الدعم”، في إشارة إلى الرواتب التي يتقاضاها هؤلاء على الأرجح من التحالف.
(أ ف ب)