للأسبوع الثاني على التوالي تواصل قوات النخبة العراقية، المتمثلة بجهاز مكافحة الإرهاب، مدعومة بقوات التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، سلسلة من العمليات الواسعة في منطقة جبال قره جوخ شمال محافظة نينوى وعلى الحدود مع أربيل ضمن قضاء مخمور. وتضمنت عمليات إنزال جوية، وضربات للتحالف الدولي بلغت أعلاها يوم الخميس الماضي، إذ شن 30 غارة جوية، بحسب بيان عراقي رسمي، قال إنها استهدفت معاقل ومخابئ لمسلحي تنظيم “داعش”. وقره جوخ سلسلة جبلية واسعة تقع في قضاء مخمور جنوب شرقي نينوى بنحو 65 كيلومتراً، ويصل طولها إلى قرابة 40 كيلومترا، وتعد من بين أطول السلاسل الجبلية في العراق، بعد قنديل وحمرين، وحصاروست، وزاغروس.
ويبلغ أعلى ارتفاع قمة لجبال قره جوخ 2100 متر، ولها 9 مرتفعات، كل واحد له اسم، وفيها قرى مختلفة مثل داري وزود وتافان وغيرها. وتتميز بصعوبة تضاريسها وكثرة الكهوف والملاجئ والممرات الجبلية فيها، التي يصعب على السيارات والآليات العسكرية التقدم فيها. وأكد مسؤولون عسكريون في بغداد أنّ جبال قره جوخ، وهي من المناطق الحدودية بين إقليم كردستان العراق ونينوى وتصنف ضمن المناطق المتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل، باتت ملاذاً جديداً لتنظيم “داعش”. ويعتقد أن قسما من عناصر التنظيم دخلوا العراق من سورية أخيراً، واحتموا في الجبال كملاذ مؤقت لهم، أو كمنطلق لتنفيذ الهجمات في الجزء الشمالي من العراق.
تضم جبال قره جوخ كهوفاً ومغارات بعضها حفرها التنظيم
وأمس الاثنين أبلغ مسؤول في الاستخبارات العراقية، “العربي الجديد”، بأن مناطق تواجد “داعش” الرئيسية باتت محصورة في عدة مناطق، أبرزها جبال قره جوخ. وأوضح أن “الجبال تضم كهوفاً ومغارات، بعضها طبيعي وأخرى تم حفرها أخيراً من قبل التنظيم، وفيها غطاء نباتي كثيف ووديان”. وقال “تم إجراء تجربة لتنفيذ عملية توغل لقوات راجلة، لكن نجمت عنها خسائر بشرية ضمن قواتنا الخاصة، لذا فإن العمليات تتركز الآن على التصوير والرصد الجوي والقصف، أو عمليات إنزال في منطقة معينة، وهو ما حقق نجاحاً بالفترة الأخيرة”. وأكد أن “القوات العراقية تسيطر حالياً على ثلث مساحة المنطقة الجبلية في قره جوخ، والباقي محاصر. لكن هذا لا يمنع وجود إمكانية للتحرك من قبل جيوب التنظيم فيه”. وتابع “داعش خبير بتفاصيل المنطقة، والأيام القليلة المقبلة ستشهد عمليات نوعية في هذه السلسلة الجبلية، مع استمرار الضربات الجوية النوعية والمكثفة من قبل طيران التحالف الدولي”.
وكانت خلية الإعلام الأمني في العراق أعلنت، الخميس الماضي، عن تنفيذ جهاز مكافحة الإرهاب عملية أمنية في جبال قره جوخ بمحافظة نينوى بإسناد التحالف الدولي. ووفقاً لبيان الخلية فقد تم توجيه 30 ضربة جوية لمعاقل وجيوب تابعة لتنظيم “داعش” في سلسلة جبال قره جوخ من قبل التحالف الدولي، قبل أن ينفذ جهاز مكافحة الإرهاب عملية أمنية، بدعم من وحدات الجيش العراقي والبشمركة، في الجزء الشمالي من المنطقة ذاتها، أسفرت عن مقتل عدد من الإرهابيين وتدمير أوكارهم.
وعاود “داعش” تصعيد هجماته مجدداً في مناطق عدة من العراق، على عكس توقعات مسؤولين أمنيين في أن تسهم الضربات التي تلقاها أخيراً في انحسار عملياته، خاصة بعد الإعلان عن مقتل ما يعرف بـ”والي العراق” بالتنظيم أبو ياسر العيساوي، نهاية يناير/كانون الثاني الماضي. وأسفرت هجمات التنظيم الأخيرة شمال وغرب ووسط البلاد عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 300 عراقي، أغلبهم في بغداد بالتفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا سوقاً شعبياً، وخلفا نحو 150 قتيلاً وجريحا، في 21 يناير الماضي.
وقال المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة اللواء تحسين الخفاجي، لـ”العربي الجديد”، إن “الجهات الأمنية العراقية، لديها معلومات استخباراتية مهمة عن معقل داعش في جبال قره جوخ، ولهذا هناك ضربات جوية نوعية على أهداف التنظيم، مع بعض العمليات النوعية لجهاز مكافحة الإرهاب”. وأكد أن “العمليات الأمنية والعسكرية للقضاء على ما تبقى من داعش في العراق، وخصوصاً في المناطق الجبلية، التي يعتقد التنظيم أنها ملاذ آمن له مستمرة، وفي تصاعد، لمنع أي هجمات إرهابية قد يشنها على القوات الأمنية أو المواطنين. وخلال الفترة الماضية، أفشلت العمليات الاستباقية الكثير من الهجمات، ومنها انتحارية”. وبين أن “قيادة العمليات المشتركة لديها حالياً تنسيق مع قوات البشمركة بملف محاربة بقايا تنظيم داعش، خصوصاً أن جبال قره جوخ، تعتبر من المناطق التي تمتد بين تلك التي تقع تحت سيطرة القوات الاتحادية والإقليم (كردستان). وهناك عمل أمني عسكري مشترك ضد ما تبقى من خلايا داعش، ولمنع أي أعمال إرهابية في أي منطقة داخل العراق”.
مشاركةPlay Video
إلى ذلك، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كاطع الركابي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “جبال قره جوخ باتت من أخطر المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي. وهي تعتبر حالياً معقلاً وحصناً له، وهذا يهدد العراق بأكمله، وليس المناطق القريبة من الجبال فقط”. وبين أن “تطهير وتأمين جبال قره جوخ، ليس بالأمر السهل، لكن في نفس الوقت ليس بالأمر المستحيل، فهو يتطلب تخطيطاً محكماً وتنفيذ ضربات جوية نوعية وعمليات إنزال ضد أهداف مهمة داخل هذه الجبال، واعتماد مراقبة على مدار 24 ساعة من خلال الطيران المسير وحتى الطيران الحربي، لمنع أي تحركات لعناصر تنظيم داعش”. واعتبر أن “بقاء أجزاء كبيرة من جبال قره جوخ بيد تنظيم داعش، لفترة أطول، يعني تقوية هذا المعقل والحصن. ولهذا عملية تطهيره والسيطرة عليه يجب ألا تتأخر أكثر. ونحن نرى هذه الأيام ضربات جوية تنفذ على معقل وقاعدة تنظيم داعش في جبال قره جوخ، لكن هذا العمل يجب أن يكون مستمراً، وليس لأيام معدودة فقط”.
الخفاجي: العمليات للقضاء على ما تبقى من “داعش” تتصاعد
في المقابل، قال مسؤول منطقة مخمور في الحزب “الديمقراطي الكردستاني” عبد الله طاهر، في تصريح صحافي، إن “هناك تنسيقا جيدا بين التحالف وقوات البشمركة، وبين الحين والآخر تقصف طائرات التحالف أوكار داعش في جبال قره جوخ بقضاء مخمور”. وحذر من أن “عناصر تنظيم داعش الإرهابي يواصلون نشاطهم وتحركاتهم في مخمور. وقد تحولت جبال قره جوخ إلى قاعدة لداعش، فيما الحكومة العراقية لا تستطيع حماية المنطقة، لأنها تضم مساحات واسعة ومتاخمة لمنطقة الحويجة غير الآمنة”.
الخبير بالشأن الأمني العراقي العقيد المتقاعد سعد الحديثي قال، لـ”العربي الجديد”، إن “أحد أبرز أسباب تحول الجبال لبؤرة مسلحة جديدة للتنظيم هو كونها منطقة نزاع بين أربيل وبغداد، وداعش وكل الجماعات الإرهابية بالعراق تستفيد من المناقضات والخلافات منذ عام 2003”. وأضاف أن “رفض القوى السياسية الحليفة لإيران بالفترة السابقة أي تواجد للبيشمركة في المنطقة، ومع عجز بغداد لإيجاد حل أمني للمنطقة، ساهم في تحولها لنقطة جذب خصبة للتنظيم، خاصة بعد أكتوبر/تشرين الأول 2017، عقب استفتاء انفصال إقليم كردستان، واتخاذ بغداد إجراءات بحق الإقليم، منها إخراج البيشمركة من المناطق المتنازع عليها بعد أن كانت مسؤولية حمايتها مشتركة بين الطرفين في السنوات السابقة”. واعتبر أن “فكرة السؤال الذي يجب أن يطرح هنا، ليس متى أو كيف يمكن السيطرة على الجبال وتفرعاتها، بل متى يمكن حرمان التنظيم من العثور على مناطق مماثلة للتكاثر أو التحصن فيها؟، لأن مناطق الخلافات كثيرة في العراق. والأكثر أن استمرار الانتهاكات بدوافع بعضها طائفية من قبل فصائل في الحشد الشعبي، ومنها التغيير الديمغرافي والتلاعب بالجغرافيا عسكرياً، يوفر الخطاب والغطاء لتنظيم داعش لفترة أطول”.
عادل النواب
العربي الجديد