بيروت – يرى مراقبون أن المسؤولين اللبنانيين لا يتحملون وحدهم مشكلة نقص الغذاء في بلد لم يعد لديه أي سبيل للخروج من نفق الأزمة السياسية والمالية، بل إن المشكلة أضحت عالمية بسبب عدة عوامل متداخلة، ولعل من أهمها التغيرات المناخية، التي أثرت على المحاصيل الزراعية وعمليات الإنتاج وما تلاه من تداعيات أزمة الوباء، التي دفعت أسعار السلع إلى الارتفاع على نحو غير مسبوق.
وتبدو الأزمة اللبنانية متداخلة، فهي عبارة عن مزيج من المشكلات المركبة التي تغلفها الحسابات السياسية. ولطالما حذّرت منظمات نقابية لبنانية من أن ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية سوف يهدد الأمن الغذائي للدولة عاجلا أم آجلا، نظرا لانعكاسات ذلك على أسعار السلع والخدمات، مما يفاقم تدهور قدرة المواطنين الشرائية وأوضاعهم المعيشية.
وتفيد بيانات منظمات أممية ودولية تُعنى بمجال توفير الغذاء ومحاربة الفقر والجوع في العالم أن أسعار السلع الغذائية ظلت ترتفع بشكل مطرد منذ يونيو الماضي، تاركة الحكومات تغرق في مأزق كبير، خاصة بعد تضرر الدول من القيود التي تم فرضها بهدف تطويق الأزمة الصحية.
وذكرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) في تقرير نشرته الشهر الماضي، أن أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية ارتفعت للشهر الثامن على التوالي في يناير الماضي، لتصعد إلى أعلى مستوياتها منذ يوليو 2014، بقيادة قفزات في أسعار الحبوب والسكر والزيوت النباتية.
وبلغ متوسط مؤشر فاو لأسعار الغذاء، الذي يقيس التغيرات الشهرية لسلة من الحبوب والزيوت النباتية ومنتجات الألبان واللحوم والسكر في الأسواق الدولية 116 نقطة في شهر فبراير الماضي، مقارنة مع قراءة معدلة قليلا عند 113.2 نقطة في يناير الماضي.
وأدت الخسائر داخل الأسواق المحلية في العديد من بلدان العالم إلى تراجع ما لدى السكان المحليين من مبالغ نقدية لشراء الغذاء، في الوقت الذي سبّب فيه تعطل الإمدادات جراء القيود المفروضة على التنقل نقصا كبيرا في السلع والبضائع، ما انجر عنه لهيب في مستوى الأسعار على المستوى المحلي.
وبحسب مؤشر أسعار الغذاء، الذي يصدره البنك الدولي بشكل دوري، فقد ارتفعت أسعار الغذاء على مستوى العالم بنسبة 14 في المئة بنهاية العام الماضي. وقال خبراء الصندوق إنه من المؤكد أن تكون للتراجع في إمكانية الحصول على الأغذية آثار سلبية لسنوات قادمة على الصحة والتنمية.
وتوضح الدراسات المسحية التي يجريها البنك الدولي في 45 بلدا، أن نسبة كبيرة من الناس تنفد منها المواد الغذائية أو تخفّض من استهلاكها. ومع تزايد خطورة الوضع، يمكن للمجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات رئيسية هذا العام لزيادة الأمن الغذائي والمساعدة في منع وقوع خسائر أكبر في رأس المال البشري.
ولكن ذلك ليس كل شيء، فكثيرا ما كانت تكشف وسائل الإعلام قضايا فساد تتعلق بنقص الغذاء وارتفاع الأسعار، كما تشير العديد من المنظمات المحلية ومراكز الأبحاث المتخصصة دوما إلى أنه يجب ألا تترك الأسواق للمافيات والاحتكارات، بل لا بد على الدولة أن تستورد المواد الغذائية مباشرة وأن تخزّنها وتسعّرها وتوزعها حتى لا يحصل خلل في التزويد.
وأكثر الناس المتضررين من هذه المشكلة هم أولئك الواقعون تحت الحروب والنزاعات، إذ أن تدمير مؤسسات الدولة قد لا يتيح للناس الحصول على الغذاء بالأسعار المتداولة فقط، بل يكونون تحت رحمة اللوبيات وغالبا ما تكون أطراف النزاع، وبالتالي ستزداد معاناتهم ويدخلون بشكل تدريجي ضمن دائرة الجياع.
وخلال العقود القليلة الماضية، أدى النمو الاقتصادي العالمي إلى تحفيز نمو سوق السلع، ومع زيادة إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية، لجأ العديد من المتداولين إلى أسواق السلع بحثا عن فرص تجارية جديدة. ونظرا لأن أسواق السلع تنطوي على تقلبات عالية المخاطر أثرت على عمليات التوريد وتوفير السلع.
ويؤكد المختصون أن ثمة مجموعة من العوامل وراء هذه التقلبات الشديدة التي يشهدها سوق السلع الأساسية في الوقت الراهن إلى جانب تأثيرات الأزمة الصحية العالمية، منها العرض والطلب، وتغير أسعار العملات، والمواقف الجيوسياسية، والسياسات الحكومية، وأيضا النمو الاقتصادي.
وتتسع تحذيرات الخبراء من الآثار السلبية لمعظم الأنظمة الغذائية المتبعة من قبل الحكومات، والتي قد تخلف أعدادا أكبر من الجياع حول العالم خاصة في ظل اتساع المخاوف من موجة جديدة من الوباء في ظل السلالات المتحورة، وطرحوا تساؤلا محوريا حول مدى قدرة الزراعة ومنظومات الغذاء في المستقبل على تلبية حاجات البشر المتزايدة بطريقة مستدامة.
وبينما ينتج العالم ما يكفي من الغذاء لإطعام سكان الكرة الأرضية، يتم إهدار ما يقارب ثلث هذا الطعام وتبديد الكثير من الموارد الطبيعية مثل المياه في نفس الوقت. وترجّح تحوّلات أنماط الاستهلاك تراجع تناول الحبوب وتزايد استهلاك اللحوم والفواكه والخضروات والأطعمة المصنعة، ما يؤدي إلى زيادة ضغوط إزالة الغابات وتدهور الأراضي الزراعية وتزايد الانبعاثات.
ومن المرجح أن يزيد عدد سكان العالم من 7.8 مليار نسمة حاليا إلى 10 مليارات نسمة بحلول العام 2050، وفي ظل نمو اقتصادي معتدل سيرتفع الطلب على المنتجات الزراعية إلى النصف مقارنة بالمستويات الحالية، ما يزيد الضغوط على الموارد الطبيعية الشحيحة أصلا.
العرب