الباحثة شذى خليل*
يعاني العراق من فجوة غذائية تنمو منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وقد وصلت إلى ذروة عظمتها في الوقت الحالي، وبات تمويل استيراد الغذاء ثقيلا على الموازنات المالية للدولة ويستنزف جزءا لا يستهان به من الدخل القومي يتجه نحو الأسواق الخارجية لسد الحاجة المستفحلة للغذاء.
الأمن الغذائي الذي تدهور وتدهورت معه معدلات الاكتفاء الذاتي يشكل خطرا فهو أحد المكونات الأساسية للأمن الوطني، ويُشير مُصطلح الأمن الغذائي إلى توفّر الغذاء للأفراد دون أي نقص، ويعتبر بأنّ الأمن الغذائي قد تحققّ فعلاً عندما يكون الفرد لا يخشى الجوع أو أنه لا يتعرض له، ويستخدم كمعيار لمنع حدوث نقص في الغذاء مستقبلاً أو انقطاعه، وان لتدهور وضع الزراعة وما نتج عنه من نقص في وفرة المواد الغذائية وما له من انعكاسات خطيرة على الأمن الغذائي الوطني سِيَّما بَعدَ الزياداتِ الهائِلَةِ في تعِدادِ السُكّانِ، وما رافَقَ ذلكَ مِن أزماتٍ في الموادِ الغذائيَّةِ، بِسَبَبِ التغييراتِ البيئِيَّةِ والمناخيّةِ.
جائحة كورونا:
كشفت جائحة كورونا، عن تخبط الحكومة العراقية في محاولتها التصدي للوباء المتفشي. وفي الوقت نفسه، تحاول الحكومة سد العجز البالغة قيمته 40 مليار دولار أميركي في موازنة الدولة بسبب الهبوط الشديد في أسعار النفط، والذي تشير التقديرات إلى أنه أفضى إلى تراجع إيرادات الحكومة إلى النصف.
التحديات ومشاكل تواجه العراق:
يواجه العراق خطر انعدام الأمن الغذائي. وما يزيد من حدّة المشكلة أن المؤسسات الحكومية عفا عليها الزمن وتخوض منافسة فيما بينها، وتعاني من نقص التمويل وغياب الكفاءة والتعقيدات البيروقراطية.
مشكلة تدهور الإنتاج الزراعي، تكمن في جزء منها في تدهور الإنتاج الزراعي المحلي لمعظم المحاصيل الزراعية المنتجة، إذ وصلت مستويات الإنتاج إلى مراحل متدنية جدا تكاد لا تغطي أكثر من 10 % من حاجة الطلب المحلي في العراق، وذلك بعد الاحتلال الأمريكي عام 3002. وفقا للتقديرات الأولية لوزارة التخطيط.
مشكلة انخفاض مناسيب المياه، إذ تعتبر مشكلة انخفاض المياه من اخطر المشاكل في العراق والتوجه نحو مناخ الجفاف بسبب مشكلة الاحتباس الحراري.
التحكم في واردات النهرين بسبب سيطرت دول الجوار ايران من جهة وتركيا وسوريا من جهة أخرى، على منابع النهرين هناك السدود التركية التي تحتجز حوالي 80 % من حصة العراق. وتحتجز سوريا 10 % من حصة العراق.
تركيا وسوريا تقيمان المشاريع على نهري دجلة والفرات.
ان الواردات المائية لنهر الفرات انخفضت بما يعادل 80 % تقريبا بعد التطوير لمشاريع البلدان المجاورة على نهر الفرات، كذلك تدهورت نوعية المياه الواردة للعراق بدرجة كبيرة تزيد على الضعف، أما نهر دجلة فإن التردي في نوعية المياه كان أقل نسبيا من تردي نوعية مياه نهر الفرات.
مشكلة الفساد المالي والإداري في الاقتصاد والمجتمع العراقي، يعد العراق من البلدان التي تعاني من درجة عالية من الفساد حسب ما جاء في مؤشر فهرس Corruption Perceptions Index
حيث يؤدي الفساد الى زيادة الكلف ومن ثم تقليل الأرباح أو انعدامها في بعض الأحيان فضلا عن أن الفساد المالي والإداري يضر بالنمو الاقتصادي ويرفع من تكاليف الانتاج بشكل عام، مما يؤدي الى زيادة الإنفاق على المعاملات المرتبطة بالإنتاج في القطاع العام والخاص، وهذا بحد ذاته يعد عاملا مضرا بالقطاع الزراعي والامن الغذائي.
كشفت الجائحة، مقرونةً بانهيار الأسواق النفطية، النقاب عن هشاشة المنظومة الغذائية، والهيكلية التي تتولى إدارتها في العراق، ويبقى التحدي الأصعب خلال الازمة هو تحول الأراضي الزراعية والمراعي الطبيعية الى صحراء غير منتجة في المناطق شبه الجافة بسبب الجفاف المستمر او الاستغلال غير المنظم والمفرط وتكون الكثبان الرملية وتراكم 38 الاملاح، النشاط البشري السيئ التوجيه وغياب الزراعة العلمية الذي يعمل على تدمر التربة.
يرى الخبراء الاقتصاديون ان قلة الخبرة في إدارة اقتصاد البلد وهدر ثرواته كان من المفترض أن تخصص خلال السنوات الماضية، الإيرادات النفطية الضخمة، لبناء اقتصاد إنتاجي فعال. ولكن الأخطاء المستمرة منذ 18 عاما، والفساد المالي والإداري، أضاعا علينا فرصة كبيرة لتحقيق ذلك. إضافة إلى عدم إنشاء صناديق سيادية كبيرة تحسبا لأية أزمات تمر بالبلاد”.
إن “أزمة أسعار النفط صعودا ونزولا لهو أمر طبيعي في سوق يخضع للعرض والطلب ، ولكن لم تتم الاستفادة من هذه التجارب، بتشكيل فريق اقتصادي متمكن، يقوم باستقراء الوضع الاقتصادي العالمي، ويساهم بتحويل الإيرادات النفطية الريعية، إلى إيرادات احتياطية إنتاجية، فالتجارب التي يمر بيها العراق من أزمات ونكبات اقتصاد لا تؤخذ على محمل الجد لتجاوزها في ظروف مشابه قادمة… أين دور وزارة التخطيط وبقية الوزارات؟ هل تعمل بتخبط بقرارات مصيرية تمس حياة شعب بأكمله؟
أما القطاع الزراعي، والمخاوف التي يظهرها المواطنون من انهيار الأمن الغذائي، حيث لا توجد الإرادة الحقيقية في تخطيط وتنفيذ الخطط الزراعية والمقترحات المهمة، والتوجه نحو الحلول السهلة، مثل بيع النفط وشراء الغذاء. وعلى الرغم من الوصول في إنتاج بعض المحاصيل الزراعية إلى شبه الاكتفاء الذاتي، إلا أن الواقع العملي يتطلب أن نشرع بخطوات أكثر جدية تشجع الفلاح على العمل لتحقيق شيء مجزٍ، وحماية منتجه من المنافسة الأجنبية التي شهدها لفترات طويلة. وعليه، فإن حماية الأمن الغذائي خلال الأزمات تأتي وفق هذه الوجهة حسب الخبراء.
لم تتم العناية بالبحوث العلمية المختصة والباحثين والمراكز البحثية، والحديث عن وفرة في بعض المحاصيل ليست كافية، خصوصا ونحن أمام زيادة متوقعة بأسعار المواد الغذائية وبذور المحاصيل المستوردة. وبما أن الأزمة الراهنة كبيرة والحكومة أصبحت محرجة ماليا مع هبوط أسعار النفط واعتمادنا على الاستهلاك دون الإنتاج، ستتجه لتقليل دعم الإنتاج الزراعي بشكل أكبر، وهذا سينعكس على المزارعين سلبا، مع الإشارة إلى أن أغلب مزارعنا هي عائلية وليست مزارع كبيرة ومتخصصة واستثمارية حتى تستغل رؤوس أموالها كقطاع خاص”.
عدم القدرة على مواكبة النمو السكاني. وتزداد هذه المشكلة وتفاقم المشاكل الاجتماعية والسياسية وغياب الاستقرار، والفساد وسوء إدارة موارد الدولة، وحسب الأرقام ازدادت الإمدادات الغذائية من 13.8 مليون طن في عام 2000 إلى 20 مليون طن في عام 2019 بحسب التقديرات، أي بنسبة 44 في المئة.
وفي الوقت نفسه، ازدادت أعداد السكان في المدن العراقية بمعدل الضعف تقريباً خلال العقدَين المنصرمين، سيما بسبب النزوح من الأرياف بحثاً عن عمل. فقد كان للتغير المناخي أثرٌ سلبي على المجتمعات الزراعية، إذ أدّى تراجع الإمدادات المائية في نهرَي دجلة والفرات وارتفاع نسبة الملوحة في سطح الماء الجوفي إلى ازدياد التصحر.
ختاما العراق أمام محنة كبيرة، لأن جائحة كورونا، شلت الاقتصاد والمصانع وأوقفت حركة النقل التي تعتبر أكبر مستهلك للوقود والطاقة، نحن في تدهور مستمر وعد تنازلي ينذر بالخطر بشأن وضعنا الغذائي أيضا، وعليه، فإن الحاجة أصبحت ماسة للنظر إلى ما هو أوسع من المحاصيل المحلية الموجودة في الأسواق، والتوجه نحو تقوية القطاع الزراعي من خلال توفير المكائن والمعدات للفلاح وحمايته من انسيابية محاصيل دول الجوار. كما أن هذه المحنة تعتبر فرصة للإصلاح الاقتصادي والقيام بهجرة عكسية من المدينة إلى الريف بعد توفير بيئة معيشية مناسبة للفلاح.
ويتطلب أيضا وضع موازنة طوارئ لدعم غذاء المواطنين، أو الاستعداد خلافا لذلك، إلى الأزمة العسيرة المقبلة خلال الأشهر المقبلة إذا بقيت هذه الأوضاع الاقتصادية، فيما تساءلت عن كمية الخزين الاستراتيجي لوزارة الزراعة في هذه الأزمة، في الوقت الذي لا تمتلك فيه طاقات خزنيه، وما تم تدميره من السايلوات والمخازن على يد الإرهاب، تحتاج الحكومة العراقية إلى إصلاح سريع على مستوى المؤسسات والسياسات، فضلاً عن إعادة تنظيم أنظمة شبكة الأمان من أجل الاستجابة لمخاطر انعدام الأمن الغذائي.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية