بغداد – تحركت قطر سريعا للاستفادة من مساحة دبلوماسية متاحة اغتنمتها بعد قمة العلا الخليجية ودخلت في سباق خليجي للتواصل مع العراق وفق نوايا وحسابات مختلفة أو متضاربة.
ومثلت زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني لبغداد ولقاؤه بالمسؤولين العراقيين خطوة مهمة في استغلال المساحة الدبلوماسية، وخصوصا أن علاقة قطر بإيران تجعلها بمنأى عن خطر ردود الأفعال من التيارات السياسية العراقية المحسوبة على طهران، وهو الأمر الذي يواجه مساعي دول خليجية أخرى وخاصة السعودية.
وكانت السعودية قد بادرت وفتحت مجالا للتواصل مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وأرسلت وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان إلى بغداد العام الماضي، لكن الخطوات السعودية وُوجهت بمواقف متشددة من قبل الميليشيات العراقية التابعة لإيران مما عقد مهمة الانفتاح السعودي على العراق بعد ثلاثين عاما من الانقطاع الذي أعقب أزمة احتلال العراق للكويت عام 1990.
وترى قطر في العراق نقطة تقاطع إستراتيجية أولى في المنطقة، حيث يتنافس الإيرانيون والأتراك والأميركان وعدد من الدول العربية على تسجيل الحضور في بلد لم يتجاوز أزمة احتلاله من قبل الولايات المتحدة عام 2003.
ورغم أن الزيارة قدمت ببعدها الاقتصادي إلا أنها جزء من السباق الخليجي على كسب النفوذ في العراق استعدادا لمرحلة تجاذب إستراتيجية تعيد تشكيل المنطقة على خلفية تعامل الإدارة الأميركية الجديدة بمنطق يختلف عن طريقة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وقال مصدر سعودي لـ”العرب” إن “الرياض لن تنظر بارتياح إلى التحرك القطري نحو بغداد”.
وأضاف شرط عدم ذكر اسمه “القطريون يستغلون المساحة والصمت الإيراني والتشجيع التركي. كلها عوامل غير مريحة للسعودية”.
واتفق وزير الخارجية القطري ونظيره العراقي فؤاد حسين على تفعيل اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين البلدين، قبل أن يتوجه الوزير القطري إلى كردستان في شمال العراق للاجتماع بالقيادات الكردية.
وطغت على الانفتاح الخليجي حيال العراق نبرة تفاؤل سياسية من قبل المسؤولين العراقيين، إلا أن الشارع العراقي ما زال يترقب نتائج ملموسة على الأرض تجسد الاتفاقات الاقتصادية والاستثمارية التي وُعدت بها بغداد من قبل الرياض والدوحة.
ويرى عراقيون أن أغلب الاتفاقات التي أعلن عنها مع السعودية وقطر مازالت حبرا على ورق، ويعزون ذلك إلى الضغوط الإيرانية على الحكومة العراقية ومعارضة بعض الكتل السياسية المدعومة من طهران لانفتاح بغداد على محيطها الخليجي.
وعزا برلماني عراقي صمت السلطات العراقية عن التلكؤ في تنفيذ المشاريع السعودية والقطرية في العراق إلى الموقف الإيراني الذي كان ولا يزال هو المهيمن على قدرة العراقيين على إدارة مصالحهم مع أطراف عربية لا تجد إيران لها مصلحة فيها.
وشكك البرلماني الذي تحفظ عن ذكر اسمه في أن تكون قطر مختلفة عن السعودية في تنفيذ مشاريعها في العراق بسبب علاقاتها الإستراتيجية مع إيران.
وعزا ذلك في تصريح لـ”العرب” إلى أن “أي خروج جزئي للعراق من دائرة الهيمنة الاقتصادية الإيرانية قد يؤدي إلى خروج كلي، وهو ما يمكن أن يلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد الإيراني الذي يعاني من ضغوط العقوبات الأميركية”.
وإذا كان المطلوب من الجميع أن يتفاءلوا في ظل مرحلة جديدة من الصراع ستكون فيها إيران جاهزة لتفهّم مطالب المجتمع الدولي فإن الوضع السياسي داخل العراق تخيم عليه توقعات ضبابية في انتظار الانتخابات المقبلة وما يمكن أن ينتج عنها من تحولات على المستوى السياسي.
وسبق أن أعلنت السعودية وقطر عن استثمارات اقتصادية ضخمة في بادية السماوة وصحراء الأنبار دون أن يُعلن عن الشروع في تنفيذها.
وقال وزير الخارجية القطري خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره العراقي فؤاد حسين في بغداد “بحثنا استئناف عمل اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين قطر والعراق في أسرع وقت، وقد تم الاتفاق على تفعيل عمل اللجنة”.
وأشار إلى أنه أجرى لقاءات مثمرة مع الرئيس العراقي برهم صالح وسلمه رسالة خطية من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تضمّنت دعوة رسمية لزيارة الدوحة. كما التقى مصطفى الكاظمي، مؤكدا أن “هناك توافقا في وجهات النظر بشأن الوضع الإقليمي بين البلدين”.
وقال فؤاد حسين خلال المؤتمر إن بلاده “ستعمل على تفعيل اللجنة المشتركة العراقية – القطرية الخاصة بالقضايا الاقتصادية”، لافتا إلى أن “العراق سيفعّل جميع الاتفاقات بين البلدين”.
وكان العراق وقطر قد اتفقا على تشكيل اللجنة العليا المشتركة بين البلدين عام 2013 للتنسيق السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وبعد سيطرة داعش على ثلث مساحة العراق عام 2014 توقفت الاجتماعات بين البلدين.
وكانت آخر زيارة للوزير القطري إلى العراق منتصف يناير 2020 بهدف إرساء التهدئة في المنطقة، عقب اغتيال واشنطن الجنرال الإيراني قاسم سليماني في الثالث من الشهر ذاته قرب مطار بغداد الدولي.
وكان الرئيس العراقي برهم صالح أكد أن أمام دول المنطقة مسؤولية كبيرة عن تجاوز الأزمات والتوترات عبر تنسيق الجهود لدعم الحوار والدفع بمسارات الحل السياسي في تسوية مشاكل المنطقة.
ودعا الرئيس صالح خلال استقباله وزير الخارجية القطري إلى العمل على تثبيت دعائم الاستقرار الإقليمي ومواجهة الإرهاب والفكر المتطرف ودعم فرص التعاون الاقتصادي والتجاري والتنمية.
العرب