في حدود التفاؤل بولادة شرق أوسط مستقر

في حدود التفاؤل بولادة شرق أوسط مستقر

لم يكن رجب طيب أردوغان عميق الرؤية حين استجاب لنزعته الإخوانية وورّط تركيا في نزاع مسلح لم يكن يهدد أمنها القومي. غير أن الرجل الذي أعجبه أن يمثل دور السلطان العثماني الجديد كان قد سعى إلى تخفيف الصدمة على الأتراك ولم يرسل تركيّاً واحداً للقتال في ليبيا بل اكتفى بتجنيد فرق من المرتزقة السوريين.

كان ذلك إجراء فيه الكثير من القسوة على شعب دفعته ظروفه إلى اليأس القاتم، غير أنه كان في الوقت نفسه حلا شديد الحساسية بالنسبة إلى الهاربين من سوريا بعد أن قاتلوا سنوات تحت ألوية التنظيمات المسلحة والذين سبق لتركيا أن دربتهم وأشرفت على إمدادهم بكل أنواع التعبئة البشرية والمادية وصار عليها في ما بعد أن تستقبلهم مهزومين وتتحمل مسؤولية ضبطهم بعد أن رفضت دولهم استقبالهم.

كان أردوغان قد اتخذ قراره في ظل إهمال دولي لمسألة ليبيا وهو ما جعله يعتقد أن تلك الحرب مستمرة إلى ما لا نهاية، وإذا ما انتهت فإنها ستُحسم لصالح التنظيمات والجماعات الإسلامية. غير أن تلك الرؤية لم تكن صحيحة. إما لأن أردوغان قد أخطأ في قراءة المؤشرات السياسية العالمية بسبب ضيق أفقه السياسي، أو لأن المجتمع الدولي قد غير خططه بعد أن خضع لضغوط غير متوقعة.

لقد تغيرت المعادلات فجأة ولم يأخذ أحد رأي أردوغان بعد أن كان قد صدر قرار دولي يدعو إلى خروج فرق المرتزقة الأجانب من غير أن تستجيب تركيا له. وإذا ما كان المتحمسون للتدخل التركي من الليبيين قد حاولوا التشبث بتلك العلاقة المريبة فإن التحولات السريعة التي شهدتها ليبيا لم تبق أحدا منهم في موقعه السياسي.

هناك اليوم ليبيا جديدة ليست على استعداد لاستعمال أدوات دولة الحرب التي انطوت آخر صفحاتها بإرادة عالمية واضحة الملامح ومساهمة إقليمية لافتة. وهو ما دفع أردوغان إلى الصمت بعد أن كان في الماضي القريب قد بُح صوته وهو يدافع عن المصالح التركية في ليبيا. لا يمكننا هنا أن نثق بأن كل شيء جرى كما تكشف عنه المظاهر. هناك بالتأكيد اتصالات سرية وضعت أردوغان في صورة الحل الذي كان عليه أن يتعامل معه بطاعة من غير أن يبدي أي نوع من الاعتراض.

غير أن اللافت أن أردوغان الذي خرج من الملعب الليبي مهزوما عاد إلى تركيا ليفجر قنبلة لم يتوقعها أحد. لقد اتخذ الإخواني المعتق قرارات لا تنتمي إلى صورة تركيا كما يراها باعتبارها بلدا إخوانيا. ما الذي جرى ليسعى أردوغان إلى تحسين علاقة تركيا بمصر والسعودية والإمارات؟ وإذا ما كانت الدول الثلاث قد تعاملت بحذر مع المبادرة التركية فإن أردوغان وعلى طريقته بدأ باتخاذ قرارات كان الهدف منها تنظيف تركيا من جماعة الإخوان.

لم تكن تلك القرارات صورية بهدف الخداع وتمرير أجندة إخوانية. لقد بدأ الإخوانيون الأجانب بلملمة أغراضهم والاستعداد لمغادرة تركيا. ومثلما صار أردوغان يسحب مرتزقته السوريين من ليبيا، صار دعاة الحرب الدائمة من الإخوان يغادرون تركيا.

بالتأكيد لم يتخذ أردوغان قراراته تلك إرضاء لمصر والسعودية والإمارات. غير أنه كعادته حاول أن يخلط الأوراق فتبدو إجراءاته كما لو أنها محاولة يرسل من خلالها إشارة حسن نية إلى الدول العربية التي قاطعت تركيا بسبب انحيازها إلى جماعة الإخوان المسلمين التي صُنفت جماعة إرهابية من قبل الدول الثلاث. غير أن تلك الإجراءات في حقيقتها ليست كذلك.

وإذا ما كانت ليبيا معنية بشكل مباشر بالتحول التركي فإن ذلك التحول يمثل تمهيدا لعصف جديد سيقلب الأمور رأسا على عقب في الدول التي تشهد اضطرابات في المنطقة. ستكون سوريا في مقدمة تلك الدول. وهو ما يمكن توقع تنفيذه بالنسبة إلى الدول المبتلاة بالهيمنة الإيرانية أيضا. فليس مستبعدا أن يفرض المجتمع الدولي حلا سياسيا سريعا للأزمة في اليمن كما فعل في ليبيا. وقد كان صادما ومفاجئا أن نسمع أن إيران تقوم بسحب مرتزقتها السوريين من اليمن. ذلك ما حدث من غير أن يكون الرأي العام على علم بأن إيران قد أرسلت أولئك المرتزقة إلى اليمن.

لن يكون مفاجئا في القريب العاجل أن ينسحب حزب الله من سوريا وينضبط في لبنان وأن تقوم الميليشيات الإيرانية في العراق بتخفيف عبئها على الدولة العراقية من خلال تسريح عشرات الألوف من أفرادها.

كل تلك التوقعات لا تدخل في دائرة التكهنات المتخمة بالتفاؤل بل أنها يمكن أن تكون امتدادا للتحول التركي الذي يشير إلى أن المجتمع الدولي قد قرر وبشكل صارم أن يُنهي حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة.

لم يكن الحديث عن قوتين طالعتين في سماء المنطقة هما إيران وتركيا صحيحا. فحين يقرر المجتمع الدولي أن يحتويهما سيتمكن من تركيب معادلات إقليمية ستكونان جزءا منها من غير أن تخرجا عن حدودهما.

العرب