بعيداً عن المساومة على موقفه النووي، يواصل المرشد الأعلى التأكيد على أن إيران قادرة على إبطال مفعول العقوبات وحل تحدياتها الاقتصادية بنفسها، من خلال الاستفادة من القدرات المحلية وإظهار الدعم الانتخابي المفترض الذي يُظهره الشعب الإيراني للنظام.
عادة ما يكون الخطاب السنوي الذي يلقيه المرشد الأعلى علي خامنئي في عيد النوروز مؤشراً على أفكاره حول الشؤون المحلية والخارجية. وبخلاف خطابه الكئيب وغير المألوف في العام الماضي – والذي ركز على وباء “كورونا” دون الإشارة إلى قضايا السياسة الخارجية – قدّم خطاب هذا العام العديد من الدلالات إلى الجماهير الأجنبية والمحلية.
وعشية عيد النوروز، غالباً ما يمهّد المرشد الأعلى الأرضية لخطابه الرئيسي من خلال تلخيص مجريات العام الذي سبق والإعلان عن شعار يفتتح به العام الجديد. وتميل هذه الرسائل إلى التركيز على نجاحات إيران وصمودها بوجه الضغوط والمصاعب – على الرغم من أن آية الله استخدم أكثر من بضع كلمات في المرة السابقة لوصف العام “المضطرب” و”الصعب” ومقارنة البلاد بسفينة تبحر في مياه عاصفة وتصارع للوصول إلى الساحل. وفي هذا العام، استغل عشية خطابه الرئيسي في 21 آذار/مارس لطمأنة المستمعين أن البحار تهدأ وأن السفينة على مقربة من الشاطئ.
زيادة الإنتاج لإبطال مفعول العقوبات
يعتقد خامنئي أن قوة أي دولة لا تكمن في قدرتها العسكرية فحسب، بل في نموها الاقتصادي وعوامل أخرى أيضاً (مثل الاستقرار الاجتماعي والتماسك السياسي والتقدم العلمي والأيديولوجية). ولذلك، كانت الشعارات التي اختارها بمناسبة أعياد النوروز، على مدى تسع من السنوات العشر الماضية لتوجيه الجهود الرسمية في العام التالي، مرتبطة جميعها بـ “اقتصاد المقاومة” في إيران إزاء العقوبات. ولم يكن شعار هذا العام مختلفاً – وهو “الإنتاج والدعم وتذليل العقبات” – حيث دعا المسؤولين إلى تعزيز الإنتاج والاستهلاك المحلي مع مكافحة الفساد.
ويودّ خامنئي التأكيد أيضاً على أن المصاعب قد تؤدي إلى فرص جديدة، لذلك قدم خطابه في عيد النوروز صورة متفائلة لقدرات إيران الاقتصادية. وقال إن تحويل البلاد إلى اقتصاد مزدهر “لا يتطلب معجزة ولكن يمكن تحقيقه بالمثابرة والاجتهاد”. وعلى وجه التحديد، قال أن إيران يمكن أن تصبح في المرتبة الثانية عشرة بين كبرى اقتصادات العالم من خلال اتّباع صيغته، وبذلك تعطي الدول الأخرى حافزاً أكبر للتفاعل مع الجمهورية الإسلامية، وبالتالي جعل العقوبات غير فعالة.
ثم أوضح خامنئي سبب عدم اعتبار حل الوسط النهج المناسب لمواجهة العقوبات. ففي رأيه، من خلال مطالبة واشنطن برفع قيودها، سيُقابَل المسؤولون الإيرانيون حتماً بقائمة من المطالب المهينة استجابة لذلك. كما جادل بأن المسؤولين “يجب أن لا يتركوا اقتصاد البلاد في حالة من الغموض بينما ينتظرون اتخاذ قرارات من قبل الآخرين”. وبدلاً من ذلك، أشاد بتحوّل الأمة إلى الاعتماد على الذات رداً على الضغط الدولي وأوصى بأن تواصل الحكومة الحالية والقادمة التخطيط كما لو أن العقوبات ستظل سارية المفعول إلى أجل غير مسمى.
الصبر وعدم الثقة
في خطاب ألقاه في 7 شباط/ فبراير، دحض خامنئي المقترحات المتعلقة بآلية تسلسلية تقوم فيها الولايات المتحدة وإيران بخطوات تدريجية للعودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، تماشياً مع روايته القائلة بأن النظام ليس في عجلة من أمره للعودة إلى الاتفاق النووي. وكرر هذا الموقف المتطرف في خطابه في عيد النوروز، مؤكداً أنه لا يمكن الوثوق بالوعود الأمريكية وأن هذه المشكلة تمتد إلى جميع الإدارات الأمريكية. على سبيل المثال، قال إنه بعد أن أوفت طهران بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، لم ترد إدارة أوباما بالمثل حقاً، حيث رفعت العقوبات “على الورق” فقط بينما استمرت بتخويف الشركات لمنعها من التعامل مع إيران.
ثم كرر خامنئي مطالبته بوجوب رفع واشنطن أولاً لجميع العقوبات ومنح إيران الوقت اللازم للتحقق من أن ذلك تم بحسن نية – وعندها فقط سيتراجع النظام عن انتهاكاته النووية المتراكمة ويعود إلى الامتثال الكامل لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة». كما حذر المسؤولين الإيرانيين من أن جميع أفعالهم يجب أن تتوافق مع هذه السياسة، مرسلاً إشارة واضحة إلى الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.
وربما كان تعبيره الذي حمل الدلالة الكبرى هو الإشارة إلى جلسة الاستماع الأخيرة للمصادقة على نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان، التي أشارت إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالاتفاق النووي فإن “عام 2021 ليس مشابهاً لعام 2015 … فقد تغيرت الحقائق على الأرض”. ووافق خامنئي على هذه الصياغة لكنه استخدمها ليجادل بأن الأمور تغيرت “لصالح إيران” وأنه “لا ضير” في الاستمرار بما يراه وضعاً قائماً مقبولاً إذا رفضت واشنطن شرطه المسبق. ومن وجهة نظره، فإن هذا الصبر هو الأفضل من القبول على عجل باتفاق غير مواتي في النهاية مثل «خطة العمل الشاملة المشتركة»، لأن “الاستعجال قد يكون له عواقب أكثر خطورة من فقدان الفرصة”.
التطلع إلى الانتخابات
ستختار إيران رئيسها المقبل في 18 حزيران/يونيو، لذلك استغل خامنئي خطابه في عيد النوروز كفرصة ليشرح للشعب الإيراني الأسباب التي تدعوه إلى تنحية خلافاته جانباً والمشاركة في الانتخابات. وبرأيه أن ارتفاع نسبة إقبال الناخبين يؤكد كرامة البلاد وقدرتها و”قوتها الوطنية” – وهذا يصوّر التصويت على أنه دلالة على القومية الإيرانية وليس مجرد دعم للنظام الإسلامي.
وثمة نقطة أخرى جديرة بالملاحظة هي وصفه للرئيس الإيراني بأنه أعلى سلطة حكومية، خاصة بالمقارنة مع الفروع الأخرى مثل القضاء. ويمكن اعتبار ذلك إشارةً إلى رئيس السلطة القضائية ابراهيم رئيسي الذي تَرَشح للرئاسة في عام 2017 وغالباً ما يُعتبر مرشح بارز لخلافة خامنئي في منصب المرشد الأعلى. ومن غير الواضح ما إذا كان رئيسي مهتماً بالترشح للرئاسة مرة أخرى، لذلك قد تكون ملاحظة خامنئي بمثابة تحفيز له للقيام بذلك. وتضمَّن خطاب عيد النوروز أيضاً قائمة بالخصائص المرغوبة للرئيس المقبل – “كفؤ”، “مخلص”، “ساعي إلى العدالة”، “جهادي وثوري” – وكلها تتطابق مع السيرة الذاتية المعروفة لرئيسي.
وإذا كان المرشد الأعلى يقود [حملة] علنية لصالح مرشح معين، فلن تكون هذه هي المرة الأولى. ففي انتخابات عام 2005، ألمح إلى أن محمود أحمدي نجاد هو المرشح الرئاسي المفضل لديه من خلال الإشارة إلى السمات المميزة لأحمدي نجاد في خطبه.
وبالنظر إلى أن مرشحه المثالي يمثل تناقضاً حاداً مع النهج العملي للرئيس روحاني، يمكن أن نفهم سبب تردد خامنئي في التخلي عن موقفه المتشدد تجاه الولايات المتحدة قبل الانتخابات. وفي رأيه، ربما يكون للتسرع على عجل جداً نحو التوصل إلى حل وسط نووي عواقب إضافية إلى جانب الوقوع في فخ أمريكي محتمل – فهو قد يشجع الناخبين أيضاً على دعم مرشح رئاسي “معتدل” آخر. وبالتالي، يبدو منطقياً للنظام، على الصعيدين المحلي والخارجي، أن يمارس لعبة الحزم والقسوة ويبقي على الجمود الحاصل، على الأقل إلى ما بعد انتخابات حزيران/يونيو.
عومير كرمي
معهد واشنطن