انتهت أمس الاثنين أزمة السفينة الجانحة “إيفرغيفن” في قناة السويس المصرية بنجاح، وأعلن عن استئناف حركة الملاحة الدولية عبر القناة، لكن القادم يبقى أصعب، سواء من جهة تقدير حجم الخسائر الحقيقية والنهائية لهذه الحادثة المثيرة، أو من جهة تحديد طبيعة الجهات التي ستتحمل مسؤولية تعويض الأطراف المتضررة، هل هي الشركة المالكة للسفينة أو الشركة المستأجرة لها، أم هل هي إدارة قناة السويس أو شركات التأمين وإعادة التأمين؟
وكانت “إيفر غيفن” قد أغلقت القناة لمدة 6 أيام، موقفة بذلك الحركة في أحد أكثر طرق التجارة أهمية في العالم ومسببة ازدحاما هائلا ومكلفا للسفن في كل من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.
تواجه الشركة المالكة للسفينة الجانحة “إيفرغيفن” (Ever Given) -واحدة من أكبر سفن الحاويات في العالم- وشركات التأمين مطالبات بملايين الدولارات، بحسب ما ذكر تقرير لرويترز. ويبلغ طول سفينة “إيفر غيفن” 400 متر في حين تصل حمولتها 224 ألف طن.
وتقول وكالة فيتش (Fitch Ratings)، “يمكن أن تتسبب الحوادث التي تنطوي على سفن حاويات كبيرة، في مطالبات تزيد على مليار دولار، ولكن هذه في الغالب مرتبطة بالإنقاذ ووصول السفينة إلى محطتها النهائية”.
وتضيف وكالة فيتش أن تكاليف التأمين تتمثل بالمطالبات المتعلقة بتأمين بدن السفينة والبضائع وتأخر وصول السلع لمحطتها النهائية، بما في ذلك تكاليف الإنقاذ التي ستتحملها شركات التأمين، وفق ما نقلت وكالة الأناضول.
وكانت وكالة فيتش قالت إن إغلاق قناة السويس سيقلص أرباح شركات إعادة التأمين العالمية لكن لن يؤثر كثيرا على أوضاعها الائتمانية، في حين أن أسعار إعادة التأمين البحرية سترتفع أكثر.
فيتش أوضحت أيضا أن جزءا كبيرا من الخسائر من المرجح إعادة التأمين عليه من مجموعة عالمية من شركات إعادة التأمين، مما سيزيد الضغوط على أرباح النصف الأول من السنة.
وبحسب هيئة قناة السويس، فإن 356 سفينة كانت عالقة على طرفي قناة السويس شمالا وجنوبا، في حين يصل عدد السفن التي تنتظر العبور إلى 425 سفينة.
ويقول راهول خانا، مدير استشارات المخاطر البحرية لدى “أليانز غلوبال كوربريت أند سبيشياليتي” (Allianz Global Corporate & Specialty) إنه قد تكون هناك مطالبات أيضا عن أضرار لحقت بالقناة، وفق تقرير لرويترز.
وكان تقرير لشركة أليانز (Allianz) للتأمين، قال إن تعطّل يوم واحد في نقل البضائع، نتيجة وقف الملاحة بالقناة، “يكلّف التجارة العالمية من 6 إلى 10 مليارات دولار”، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
أما شركة “لويدز ليست” (Lloyd’s List)، فقالت قبل انفراج أزمة السفينة الجانحة إنّ الغلق يعيق شحنات تقدر قيمتها بنحو 9.6 مليارات دولار يوميا بين آسيا وأوروبا.
وأشارت “لويدز ليست” إلى أن “الحسابات التقريبية” تفيد بأن حركة السفن اليومية من آسيا إلى أوروبا تقدَّر قيمتها بحوالي 5.1 مليارات دولار، ومن أوروبا إلى آسيا تقدر بنحو 4.5 مليارات دولار.
وفي مؤتمر صحفي عقده الليلة الماضية، قال رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، إن الهيئة حددت تكلفة الخسائر ما بين 12 و15 مليون دولار يوميا، وإن الجهة المسؤولة عن التعويضات ستحدد بعد اكتمال التحقيقات بشأن الحادثة.
من جانبه، ينقل موقع “بيزنس إنسايدر الأميركي” (Business Insider) عن خبراء قولهم إن حادثة السفينة التي علقت بقناة السويس ربما كلفت العالم 400 مليون دولار كل ساعة.
ويمر عبر القناة، وفقًا للخبراء، ما يقرب من 10% إلى 12% من التجارة البحرية الدولية، في حين ذكرت هيئة قناة السويس أن ما يناهز من 19 ألف سفينة عبرت القناة في عام 2020.
وتقول “خدمة المستثمرين في موديز” (Moody’s Investors Service)، إن نحو 30% من حركة نقل الحاويات عالميا تمر عبر القناة سنويا.
يقول أمين موسى الحاج الخبير والمستشار في اقتصاديات النقل البحري، إنه ما من أحد باستطاعته في الوقت الحالي حصر وبدقة الخسائر التي ستتكبدها شركات التأمين جراء المطالبات التي ستتقدم بها الشركات المالكة للسفن التي علقت في قناة السويس أو غيرها من الجهات المتضررة، كما أنه ليس من الواضح ما إذا كانت شركات التأمين وحدها من ستلقى عليها المسؤولية أم هناك جهات أخرى ستكون مطالبة بتقديم تعويضات للأطراف الخاسرة.
ويضيف في حديث للجزيرة نت أنه في الوقت الحالي ربما تلقى المسؤولية بالدرجة الأولى على إدارة قناة السويس لكون الحادثة وقعت على أرضها وفي نطاق مسؤوليتها، ثم الشركة المالكة للسفينة، والشركة المستأجرة لهذه السفينة، وبقية شركات التأمين وإعادة التأمين التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالسفن التي تضررت من هذه الحادثة.
لكن أمين موسى نبه إلى أن الفصل في المسؤوليات ستحدده القوانين، والعقود المبرمة بين مالكي السفن والبضائع وشركات التأمين من جهة، وبين مالكي هذه السفن وإدارة قناة السويس من جهة ثانية، واللوائح التي تنظم عملية المرور عبر قناة السويس.
ماذا عن الشركة المالكة وشركات التأمين؟
اعتبر أمين موسى الحاج أن الشركة اليابانية المالكة لسفينة “إيفرغيفن” والشركة المستأجرة لها قد تتحملان جزءا كبيرا من المسؤولية إذا ثبت إخلالهما بالمعايير والمتطلبات القانونية والفنية للمرور، لكن هاتين الشركتين قد تدفعان ببند القوة القاهرة لإخلاء أي مسؤولية عنهما.
وفي وقت سابق، نقلت وكالة رويترز عن وكلاء تأمين وسماسرة قولهم إن مالك السفينة الجانحة -شركة “شوي كيسان كيه.كيه اليابانية” (Shoei Kisen KK)- وشركات التأمين قد تواجه جميعها مطالبات من هيئة قناة السويس عن فاقد الإيرادات وأيضا من السفن الأخرى التي تعطلت حركتها.
ويقول ديفيد سميث -مدير مكتب سمسرة التأمين البحري مكغيل وشركاه (McGill and Partners)- “كل الطرق تؤدي إلى السفينة”.
ويضيف سميث أنه من المرجح أن يعاد التأمين على الجانب الأكبر من مطالبات التأمين هذه من خلال برنامج تديره مجموعة نوادي الحماية والتعويض العالمية.
حدث استثنائي وتحركات مقبلة
في الأثتاء، يقول مصطفى فهمي أبو العلا الرئيس التنفيذي للإستراتيجيات بشركة “فورتريس للاستثمار” (Fortress Investment and business development)، ومقرها قطر للجزيرة نت، “حتى وإن كان غير واضح الآن من سيتحمل المسؤولية، لكن المؤكد أن الشركة اليابانية المالكة للسفينة والشركة المستأجرة ستتحملان الجزء الأكبر من المطالبات بالتعويضات”.
ويشير إلى أن هاتين الشركتين ستتقدمان بمطالبات لشركات التأمين وإعادة التأمين لحماية نفسها أو على الأقل التقليل من الخسائر.
ويضيف فهمي أن الساعات أو الأيام القليلة المقبلة ستشهد تحركا واضحا من جانب الشركات المطالَبة بالتعويض والشركات المتضررة وقناة السويس لتحديد المسؤوليات وتقييم الخسائر.
ويلفت إلى أن الحدث الحالي يبقى جديدا واستثنائيا على الساحة العالمية لذلك سيكون من الصعب معرفة طبيعة الخطوات التي ستتخذ من جانب المطالبين بالتعويضات أو من جانب الجهات التي ستتحمل هذه التعويضات.
يقول بن تشابمان المحرر الاقتصادي بصحيفة إندبندنت البريطانية إن “معركة قانونية” بملايين الدولارات ستبدأ قريبا وستدوم مجرياتها وفق الخبراء 5 سنوات على أقل تقدير.
ويضيف أن الطرف الذي سيحظى بالنصيب الأكبر من خسائر ملاك البضائع المشحونة هي شركات التأمين التي ستقضي -بعد الحصول على التعويض المناسب- سنوات في المحاكم للمطالبة بأكبر قدر ممكن من الأموال من ملاك السفن وشركات الشحن.
أما بالنسبة للشركات التي تأخرت بضائعها على متن مئات السفن التي اصطفت في طابور منتظرة تخليص سفينة “إيفر غيفن” -يتابع بن تشابمان- فسيكون من الصعب عليها الحصول على تعويضات مقابل الخسائر التي تكبدتها، وهو على الأرجح وبنسبة كبيرة الاحتمال ذاته بالنسبة لشركات الشحن التي اضطرت لسلوك طريق التفافية بطول 6 آلاف كيلومتر حول رأس الرجاء الصالح.
وتؤكد الصحيفة البريطانية أن حجم عملية التعويم يعني أن رجال الإنقاذ سيحصلون على الأرجح على مكافأة تبلغ عدة ملايين من الدولارات، ويتوقع كذلك أن تتقاضى هيئة قناة السويس رسوما باهظة مماثلة لقاء خدماتها.
وتعتقد الصحيفة أن طاقم إنقاذ السفينة “إيفر غيفن” قد يكون وفّر مليارات الدولارات على التجارة العالمية من خلال النجاح في تعويمها لكنه في المقابل سيترك فاتورة كبيرة لملاك السفينة وشحنتها.
المصدر : إندبندنت + الجزيرة + وكالات + بيزنس إنسايدر