الرياض – تعهد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال زيارة للسعودية بأن بلاده لن تصبح نقطة انطلاق لأي هجوم على المملكة. لكن وعوده، وإن كانت تعبر عن رغبته في ملء كرسي رئاسة الوزراء، تبدو أكبر من قدرته على الالتزام بها بسبب صعوبة التحكم في الميليشيات الموالية لإيران التي تعمد إلى إظهاره في موقع ضعف والاستهانة بتصريحاته المتعلقة بضبط الوضع الأمني والتحكم في فوضى السلاح.
وغلب على الزيارةِ الموضوعُ الأمني وقدرة الكاظمي على تحييد العراق عن نفوذ إيران، في الوقت الذي كان فيه موضوع التعاون الاقتصادي محدودا ما يعكس توجسا سعوديا جديّا من الرهان على تعاون إستراتيجي مع عراق لا يزال تحت قبضة الإيرانيين.
وفي أعقاب اجتماع استمرّ، وفقًا لعدد من مساعدي رئيس الوزراء العراقي، عدّة ساعات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قال الكاظمي للصحافيين “لن نسمح بأيّ اعتداء على المملكة”، في مسعى لطمأنة الرياض بشأن تأمين جبهتها الشمالية في ضوء معلومات عن هجمات انطلقت من العراق واستهدفت الأراضي السعودية.
وفي يناير تحطّمت طائرات مسيّرة مفخّخة في القصر الملكي الرئيسي في الرياض، في هجوم نقلت وسائل إعلام في الولايات المتّحدة عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ الطائرات التي شنّته أُطلقت من العراق المجاور.
ولم يكشف المسؤولون السعوديون علنًا عن أيّ تفاصيل حول الهجوم الذي أفادت التقارير بأنّه استهدف مجمّع اليمامة المترامي الأطراف.
لكنّ هذه الأنباء أثارت القلق في بلد يتعرّض باستمرار لهجمات بصواريخ وطائرات مسيّرة مفخّخة يشنّها من اليمن المجاور المتمرّدون الحوثيون المدعومون من إيران.
وكانت “ألوية الوعد الصادق”، وهي جماعة مسلّحة غير معروفة نسبيّا في العراق، أعلنت مسؤوليتها عن ذلك الهجوم. لكن خبراء أمنيين اعتبروا أنّها واجهة لفصائل أخرى أكثر رسوخًا في العراق تدعمها إيران.
وردّا على سؤال بشأن هذا التبنّي قال الكاظمي إنّ ما أعلنته الجماعة المسلّحة “غير صحيح”، مشدّدا على أنّ الهجوم لم يُشنّ من العراق.
وأضاف “أمّا الحديث عن اعتداءات من العراق فلم تكن هناك أيّ اعتداءات”، معتبرا أنّ “هناك محاولات من البعض لتوجيه الاتّهامات لضرب العلاقات”.
ويقول مراقبون عراقيون إن الكاظمي يريد أن يظهر جدية تصريحاته التي عبّر فيها عن النأي بالنفس واتخاذ مسافة من إيران بالرغم من مخاطر هذه الخطوة على مستقبله السياسي وحتى على أمنه الشخصي، في وقت ينظر فيه الإيرانيون والميليشيات الحليفة لطهران إلى هذه السياسة على أنها “عمالة” للرياض وواشنطن.
لكن السعوديين، رغم الوضع الهش الذي تعيشه حكومة الكاظمي في مواجهة إيران وحلفائها، يسعون لمساعدة العراق على العودة إلى العمق العربي، وهو موقف يتبناه بصفة خاصة الأمير محمد بن سلمان في سياق رؤية أوسع بشأن الحد من نفوذ إيران الإقليمي.
وترى أوساط خليجية أن ولي العهد السعودي هو الممسك بملف العراق، كما ملف اليمن، وما يساعد على نجاح خطته لتسهيل عودة العراق إلى عمقه العربي هو وجود علاقات وثيقة بينه وبين رئيس الوزراء العراقي، وهو ما يفسر الحفاوة البالغة التي قوبل بها الكاظمي خلال الزيارة.
وشدد غسان العطية، مدير المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية في لندن، على أن الاحتفاء السعودي بالكاظمي يكشف عن جدية توجه الرياض الجديد إزاء المحيط العربي من أجل وحدة الصف العربي.
وقال العطية في تصريح لـ”العرب” “صار واضحا أن الخلافات العربية – العربية أضرت بالمنطقة ومنحت تركيا وإيران المزيد من النفوذ للتوسع، الأمر الذي دفع السعودية إلى العمل من جديد على توحيد الصف العربي”.
وأكد على أن التوجه السعودي من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حيال العراق جدي بغض النظر عن طبيعة الاتفاقات التي وقعت. لكنه لفت إلى أنه لا يمكن توقع نتائج سريعة من الزيارة في ظل النفوذ الإيراني.
وتوقع العطية ألا يكون بمقدور القراءة السياسية لزيارة الكاظمي أن تعول على نتائج سريعة بوجود النفوذ الإيراني ونفَس طهران الطويل في التعامل مع ما يجري في العراق، “خصوصا أننا مقبلون على انتخابات إيرانية يُتوقع أن تزيد من قبضة المتشددين وانتخابات عراقية لا أحد يمكنه التكهن بنتائجها”.
وقلل الأكاديمي العراقي رحيم الكعبي من أهمية الزيارة ومن الرهان السعودي على جلب الكاظمي إلى العمق العربي، مشيرا إلى أن المراهنة السعودية المستمرة منذ 2003 على العملية السياسية في العراق لم تؤت أُكلها ولوْ مرة واحدة.
وقال الكعبي في تصريح لـ”العرب” “طالما احتفت الرياض بشتى الطرق بزعامات سياسية ودينية عراقية، راكضة وراء سراب زحزحتها ولو جزئيّا عن المشروع الإيراني، لكن فِي كل مرة لا يتردد أقطاب العملية السياسية المُحتفى بهم سعوديا في أن يُتبعوا أي خطوة يخطونها باتجاه الرياض بمئة خطوة وخطوة نحو طهران”.
وشدد على أن السعودية تعلم أكثر من غيرها أن أيّ مواجهة بين الرياض وطهران سيصطف فيها عراقيو السلطة وأجهزتهم الأمنية وجماعاتهم المسلحة كالبنيان المرصوص إلى جانب الإيرانيين. وفي المحصّلة، فإنه لا جديد يذكر ولا قديم يعاد في زيارة الكاظمي للسعودية.
ورغم الحفاوة الرسمية البالغة بالزيارة لا تخفي الرياض توجسها من مستقبل العلاقة مع العراق، وهو ما تظهره الاتفاقيات الاقتصادية المحدودة التي تم التوصل إليها، من ذلك تأسيس صندوق مشترك بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وهو رقم محدود قياسا بحجم اقتصاد البلدين.
وقالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إن الجانبين “اتفقا على تأسيس صندوق سعودي عراقي مشترك يقدر رأس ماله بثلاثة مليارات دولار إسهاما من السعودية بتعزيز الاستثمار في المجالات الاقتصادية في العراق بما يعود بالنفع على الاقتصاديْن السعودي والعراقي، وبمشاركة القطاع الخاص من الجانبين”.
كما اتفق الجانبان على “التعاون في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة، وتفعيل وتسريع خطة العمل المشتركة، تحت مظلة مجلس التنسيق السعودي العراقي، مع ضرورة الاستمرار في التعاون، وتنسيق المواقف في المجال البترولي”.
وشملت الاتفاقيات “تعزيز فرص الاستثمار للشركات السعودية، ودعوتها إلى توسيع نشاطاتها في العراق، وفي مختلف المجالات، وفي جهود إعادة الإعمار”.
العرب