أنقرة – وضعت نخبة من كبار ضباط البحرية التركية المتقاعدين سطوة الرئيس رجب طيب أردوغان على الجيش محل تساؤلات جدية، بعد سنوات من إقالة كبار قادة الجيش الذين لا يدينون له بالولاء وسجنهم.
وخرج أكثر من مئة من ضباط القوات البحرية المتقاعدين عن صمتهم ووجهوا كتابا مفتوحا محذرين أردوغان من خرق مشروع قناة إسطنبول لاتفاقية مونترو الموقعة عام 1936 لعبور البوسفور والتي ترعى استخدام القنوات البحرية التركية، ومن العبث بمبادئ أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة.
وتضمن اتفاقية مونترو حرية عبور السفن المدنية مضيقي البوسفور والدردنيل في السلم والحرب. كما تنظّم عبور السفن البحرية التابعة لدول غير مطلة على البحر الأسود.
ويعد شق قناة إسطنبول أحد أبرز مشاريع الرئيس التركي التي يصفها الكتاب المفتوح بأنها “مشاريع جنونية” لإحداث تحوّل على صعيد البنى التحتية من مطارات وجسور وطرق وأنفاق خلال عهده المستمر منذ 18 عاما.
ومن شأن القناة الجديدة أن تتيح عبور السفن بين البحر المتوسط والبحر الأسود من دون المرور بمضائق خاضعة لبنود اتفاقية مونترو.
وتشكك أحزاب معارضة وسياسيون أتراك بمن فيهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، من حزب الشعب الجمهوري المعارض، بجدوى مشروع القناة لأسباب مالية وبيئية.
وقال المحلل في صندوق مارشال الألماني أوزغور أونلوهيسارجيكلي “إذا خضعت القناة الجديدة لاتفاقية مونترو لا يمكن لتركيا طلب رسوم من السفن التجارية العابرة لها”.
واعتبر 103 أدميرالات متقاعدين أن فتح نقاش حول اتفاقية مونترو يثير القلق، واصفين إياها بأنها تشكل أفضل حماية لمصالح تركيا، في تحد مباشر لأردوغان لم يعهده خلال السنوات الماضية من قبل ضباط الجيش منذ محاولة الانقلاب عام 2016.
وجاء في الكتاب المفتوح “نؤيد الإحجام عن أيّ خطاب أو تحرك يمكن أن يضع اتفاقية مونترو موضع جدل”.
ووصف الأدميرالات الاتفاقية بأنها “أكبر انتصار دبلوماسي منفرد أكمل معاهدة لوزان للسلام”، التي حددت معظم حدود تركيا الحديثة في عام 1923، وقالوا إن المضائق التركية كانت “من بين أهم الممرات المائية في العالم”.
وأضافوا أن الاتفاقية سمحت لتركيا بالبقاء على الحياد خلال الحرب العالمية الثانية، وتضمن السلام في البحر الأسود بشكل عام.
وقالوا “إن أهم درس يمكن استخلاصه من هذه المؤامرات هو أن القوات المسلحة التركية يجب أن تتمسك بدقة بالقيم الأساسية غير القابلة للتغيير والمرتبطة بالدستور”، في إشارة إلى المادة التي تعرّف تركيا كدولة علمانية وديمقراطية في ظل سيادة القانون.
ويعد هذا البيان أحدث تطور جدي في موقف القوات المسلحة من مساعي أردوغان لزعزعة التزامات تركيا الدولية والإقليمية والتلاعب بها كيفما شاء بعدما أوجد لنفسه غطاء دستوريا في ظل النظام الرئاسي والسعي للتنصل من دستور تركيا الحالي والترويج لإقرار دستور جديد قبيل انتخابات 2023.
واعتبر المحلل السياسي التركي إلهان تانير البيان بمثابة تحذير جاد لحزب العدالة والتنمية الحاكم يعكس الاستياء العميق من سياسة أردوغان الخارجية.
وقال تانير في تصريح لـ”العرب” “يظهر هذا التطور أن جزءا من الجيش، وإن كان من الأدميرالات المتقاعدين، لا يزال بإمكانه التعبير عن المعارضة القوية لدكتاتورية أردوغان وخرق مبادئ أتاتورك العلمانية. وهذا يكفي لتهديد سطوة الرئيس”.
وأضاف “ما حصل يؤكد أن حكومة أردوغان لا تزال على أرضية متزعزعة على الرغم من كل سياساتها الأمنية في البلاد”.
ويخشى على نطاق واسع أن يتعرض أولئك الأدميرالات إلى ما تعرّض له زملاؤهم من ملاحقة واتهامات كيدية بالخيانة تمهيدا لمحاكمات سبق وأن طالت عشرات الآلاف من الجنود والضباط الأتراك الذين تغص بهم السجون حاليا.
واستدعى الكتاب المفتوح ردا شديد اللهجة من كبار المسؤولين الأتراك، كما فتحت النيابة العامة في أنقرة تحقيقا بشأنه.
وأصدرت وزارة الدفاع التركية بيانا أكدت فيه أنه لا يمكن استخدام الجيش كوسيلة لتحقيق الغايات الشخصية لأولئك الذين ليست لديهم أيّ مهمة أو مسؤولية.
واعتبر المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن أن الكتاب المفتوح “يذكّر بزمن الانقلابات”.
وجاء في تغريدة أطلقها “عليهم أن يدركوا أن أمتنا الموقرة وممثليها لن يقبلوا على الإطلاق بهذه العقلية”.
ويكشف تصريح قالن مدى القلق الذي سببه الكتاب المفتوح لكبار الضباط الأتراك للرئيس أردوغان.
واعتبرت الأوساط المقربة من أردوغان كتاب كبار الضباط البحريين بمثابة انقلاب فيما شنت وكالة أنباء الأناضول هجوما على الموقّعين واتهمتهم باستخدام الجيش لتحقيق أطماع شخصية.
وقال رئيس البرلمان التركي مصطفى شنتوب إن الشعب التركي دفن جميع عشاق الانقلاب.
وأثار شنتوب المعروف بأنه أكثر المدافعين عن مشاريع أردوغان الجدل بسبب حديثه عن حق تركيا في الانسحاب من أيّ اتفاقية دولية حتى ولو كانت اتفاقية مونترو، وذلك في معرض دفاعه عن انسحاب الرئيس أردوغان من اتفاقية إسطنبول.
العرب