عقدة الحدود البحرية بين سوريا ولبنان بيد روسيا

عقدة الحدود البحرية بين سوريا ولبنان بيد روسيا

أثار الدخول الروسي المفاجئ على خط الغاز والنفط شرق المتوسط ردود فعل لبنانية غاضبة بسبب اتفاق بين دمشق وموسكو يجيز التنقيب في منطقة مثار خلاف بين البلدين، مما دفع لبنان إلى دعوة سوريا للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية.

بيروت – عادت مسألة ترسيم الحدود البحرية اللبنانية إلى الواجهة مجددا لكن هذه المرة من الجهة الشمالية للبلاد، مع الجارة سوريا، التي وقعت مطلع مارس الماضي عقدا مع شركتين روسيتين يمنحهما حرية القيام بعملية مسح وتنقيب عن النفط.

وبموجب العقد الموقع بين الطرفين، يمنح النظام السوري شركتين روسيتين (كابيتال ليميتيد، وإيست ميد عمريت) حقا حصريا في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي قبالة السواحل السورية في البحر المتوسط، لكن العقد ذاته كشف أنّ الحدود البحريّة التي حدّدتها سوريا في البلوك البحري (1) مُتداخلة مع البلوك البحري (1) و(2) من الجهة اللبنانيّة بما يُقارب 750 كلم مربعا داخل حدود لبنان.

ودفعت هذه القضية المستجدة الرئيس اللبناني ميشال عون إلى الاتصال بنظيره السوري بشار الأسد الثلاثاء للبحث في ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين ودعوته للتفاوض.

وكشف وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية شربل وهبي عن فحوى الاتصال، مؤكدا أن عون شدد على أن لبنان لن يقبل الانتقاص من سيادته بالمياه، ودعا الرئيس الأسد إلى ضرورة التفاوض حول ترسيم الحدود.

وحسب وهبي فإن “آخر الدواء هو اللجوء إلى المحاكم الدولية، لكننا لسنا اليوم في وارد الهجوم على سوريا”.

والحدود البحرية بين سوريا ولبنان غير مرسمة نهائيا، أسوة بالحدود البرية التي بدأ العمل على ترسيمها عام 1971؛ حيث تم إنجاز القسم الأكبر منها وبقيت نحو 20 نقطة حدودية عالقة، حالت الحرب الأهلية في لبنان التي اندلعت عام 1975‎ دون استكمال عملية ترسيمها.

وتعود الخلافات حول قضية ترسيم الحدود مع سوريا إلى عام 2011، عندما أصدرت الحكومة اللبنانية مرسوما برقم 6433، والذي رسّم من جانب واحد حدود لبنان البحرية الشمالية والجنوبية والغربية، قبل أن تودعه في الأمم المتحدة لحفظ حقوق بلادها. حينها، جرَت مراسلة الدولة السورية من جانب وزارة الخارجية اللبنانية. وحُرِّك الملف لاحقا، مع إطلاق دورة التراخيص للتنقيب عن النفط، لكن دون إحراز تقدم بسبب التطورات الأمنية والعسكرية والسياسية في سوريا وتمسك لبنان بسياسة النأي بالنفس.

وتوضح مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط، خبيرة سياسات النفط لوري هايتيان أن العقد الذي أبرم (بين الجانبين السوري والروسي) وقع منذ عام، إلّا أنّ المستجد مطلع مارس الماضي أن البرلمان السوري وافق على العقد وبات نافذا عبر القانون.

وحسب هايتيان فهذا يدل على أن هناك مشكلة فعليّة مع الجانب السوري، لأن ليس هناك ترسيما حدوديا للبنان مع سوريا، كما لا يعرف إن كانت السلطات اللبنانية على علم مسبق بالعقد، لكن طالما أن هذه المسألة باتت معلومة الآن، فعلى الحكومة اللبنانية أن تصدر موقفا ما، لأنّ الجوهر الأساسي في المسألة أنها لم تقم بترسيم حدود بحريّة مع سوريا رسميّا.

وفي الآونة الأخيرة بدأ سياسيون وخبراء لبنانيون، على غرار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، حملة من أجل دفع السلطات اللبنانية للتحرك بهدف ترسيم الحدود البحرية مع سوريا بعد فترة من الجمود، وذلك بالموازاة مع رسم الحدود البحرية مع إسرائيل.

ويعتبر المحلل السياسي طوني بولس أنّ الصمت اللبناني على الانتهاك السيادي من الجانب السوري طيلة الفترات الماضية يأتي نتيجة هيمنة حزب الله حليف النظام السوري على السلطة اللبنانية.

ويقول بولس إن أيديولوجيا حزب الله تقوم على نزع الحدود بين الدول، وبالأساس، فإن الحزب أزال الحدود بين لبنان وسوريا من خلال المعابر غير الشرعية، وكذلك المقاتلين التابعين للحزب الذين يذهبون إلى سوريا لمساندة النظام.

ويشارك حزب الله منذ عام 2013 في القتال إلى جانب النظام السوري، وأدخل عبر الحدود البرية الآلاف من المقاتلين التابعين له إلى عدد من المحافظات السورية لمساندة حليفه الأسد بغية إبقائه في السلطة.

وبعد أن رسم لبنان حدوده من جانب واحد في العام 2011، فتح باب التراخيص الأولى للتنقيب عن النفط والغاز عام 2013، وكان البلوك الأوّل من الجانب اللبناني مفتوحا للتلزيم (منح حق التنقيب)، غير أنّ الجانب السوري قدّم اعتراضه على الأمر للأمم المتحدة، حتى بعدما أبلغ الجانب اللبناني الطرف السوري بأنّه يجب التشاور في المسألة.

ومن هذا المنطلق، ترى خبيرة سياسات النفط اللبنانية أن لبنان بات اليوم في وضع مغاير تماما، إذ عمدت سوريا إلى تلزيم البلوك رقم 1 لشركة روسية، قائلة “ونحن علينا كدولة لبنانية، كما فعلت سوريا سابقا عام 2013، أن نعترض على هذه الخطوة”. ورأت أنّ “على الحكومة اللبنانية أن تراسل الجانب السوري وتستوضح منه عما يحصل، وعليها التدخل فورا للحفاظ على حقّنا”.

ومن وجهة نظر هايتيان هناك حلان لا ثالث لهما فإما أن تمتنع الشركة الروسية عن الدخول إلى البلوك 1و2 داخل الحدود اللبنانية وإما نتجه نحو مفاوضات مباشرة مع الطرف السوري، وإن كانت هناك مشكلة في المفاوضات المباشرة، فبإمكان الجانب الروسي أن يقوم بهذا الأمر.

وفي ما يتعلق بالجانب القانوني للمسألة، يقول أستاذ القانون الدولي أنطوان سعد إنه استنادا إلى اتفاقية مونتيغو باي (اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار)، سيكون على لبنان إمّا أن يلجأ إلى محكمة قانون البحار، وإمّا الذهاب إلى لجنة تحكيمية بحيث تختار سوريا محكّمين، ولبنان أيضا محكّمين، وعندها يختارون طرفا خامسا ليشكلوا هيئة تحكيمية تنظر في مسألة ترسيم الحدود، لكن يمكنه اللجوء أيضا إلى محكمة العدل الدولية.

ويرى سعد أن الاعتداء ليس فقط بسبب سوريا، وإنما أيضا على الشركة التي تمارس التنقيب، لكونها تدرك جيدا أنه لا يمكن أن تقترب من مساحة متنازع عليها.

والاتفاقات الروسية السورية لاستغلال الحدود البحرية ليست وليدة العام الماضي، فمنذ ديسمبر 2013 وقّعت دمشق اتفاقا ضخما مع موسكو للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية، في عقد يمتد على مدى 25 عاما. وتبلغ كلفة التنقيب والاستكشاف 100 مليون دولار.

ومن شأن الدخول الروسي إلى ساحة الصراع على غاز المتوسط أن يخلط الأوراق لأن المساحة التي تقوم فيها الشركات الروسية بالتنقيب تثير جدلا في لبنان من جهة وتضع موسكو من جهة ثانية في مواجهة مباشرة مع دول منتدى غاز شرق المتوسط، وخاصة مع إسرائيل التي مازالت تتفاوض على ترسيم حدودي مع لبنان دون تحقيق أي تقدم.

ويقول متابعون إن روسيا تثبت أنها تحركت بذكاء لتأمين عودتها إلى منطقة حيوية دون ضجيج؛ فبعد تدخلها العسكري في سوريا في العام 2015، ثم لاحقا في ليبيا، يأتي تدخلها المفاجئ في الصراع على الغاز ليحولها إلى رقم أساسي في أي مفاوضات لرسم ملامح المنطقة في المستقبل، ومن بينها مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين دمشق وبيروت، وهو ما سيكون له تأثير على التحالفات الإقليمية التي تشكلت على هامش الصراع على الغاز في المنطقة.

ويرى النائب والعميد المتقاعد في الجيش اللبناني وهبي قاطيشا أنّ “الحكومة اللبنانية غائبة عن الوعي، ومنظومة الحكم ألغت الوضع اللبناني حيال سوريا وجميع الدول”، مشددا على ضرورة الضغط على الخارجية اللبنانية لترسل تنبيها إلى الأمم المتحدة والجانب السوري، كما إلى الشركة الروسية. ويتخوف النائب اللبناني من أن تكون المنظومة الحاكمة في البلاد باعت لبنان للجانب السوري، معتبرا أنّ “الجانب اللبناني يخاف من الجانب السوري”.

العرب