رسائل مزدوجة: لماذا تراجع تأييد الرأي العام الأمريكي للاتفاق النووي الإيراني؟

رسائل مزدوجة: لماذا تراجع تأييد الرأي العام الأمريكي للاتفاق النووي الإيراني؟

3906

لا تزال تطورات الاتفاق النووي الذي تم توقيعه بين إيران ومجموعة “5+1” في 14 يوليو 2015، تكتسب حيزًا مهمًّا من اهتمامات الرأي العام الأمريكي، لا سيما عقب الجدل الذي شهده الملف برمته بشكل عام منذ توقيع الاتفاق، فعلى الرغم من الحشد الكثيف الذي قامت به الدوائر المناهضة للاتفاق داخل الولايات المتحدة الأمريكية على مدار الأسابيع الماضية، لضمان تصويت الكونجرس على رفض الاتفاق وتعطيله؛ فإن إدارة الرئيس باراك أوباما استطاعت مبدئيًّا تجاوز إمكانية اعتراض الكونجرس على الاتفاق، وذلك بعدما أخفق الجمهوريون، خلال تصويت إجرائي بمجلس الشيوخ في 10 سبتمبر، في تمرير مشروع قانون لرفض الاتفاق.

تراجع التأييد:

 أشارت نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز “بيو لأبحاث الرأي العام” خلال الفترة من 3 إلى 7 سبتمبر 2015 ونشرت نتائجه على موقع المركز بعد ذلك بيوم واحد، أي قبل تصويت الكونجرس على الاتفاق، إلى أن ثمة تراجعًا ملحوظًا في حجم التأييد الشعبي للاتفاق النووي مع إيران، حيث أكد 21% فقط من المستطلعة آراؤهم تأييدهم للاتفاق، مقابل 33% أبدوا الرأي نفسه في استطلاع مماثل قام به المركز في يوليو 2015، عقب إعلان توقيع الاتفاق مع إيران بأسبوع، فيما أعرب 49% عن عدم موافقتهم على الاتفاق، مقارنة بنسبة 45% في استطلاع يوليو.

 وبحسب نتائج الاستطلاع، فإن ثمة انقسامًا حزبيًا واضحًا حول الاتفاق النووي، وما يتضمنه من بنود؛ حيث أيد 42% فقط من الديمقراطيين الاتفاق، مقارنة بنسبة 50% خلال استطلاع يوليو، كما أكد 29% منهم رفضهم للاتفاق مقارنةً بـ27% في الاستطلاع السابق، في حين انخفض تأييد الجمهوريين للاتفاق من 13% خلال استطلاع يوليو إلى 6% خلال استطلاع سبتمبر، كما انخفض دعم المستقلين للاتفاق أيضًا من 31% إلى 20%.

 إشارات متناقضة:

 جاء قرار الكونجرس الأمريكي بعدم تعطيل الاتفاق النووي مع إيران بعدما شهدت واشنطن حملات واسعة لتأييد الاتفاق من قبل المجلس الإيراني- الأمريكي الوطني الذي دشن حملة لجمع توقيعات تدعم الاتفاق النووي، وتسليمها إلى أعضاء الكونجرس قبل التصويت على الاتفاق، بهدف إقناعهم بالتصويت لصالح الاتفاق، في الوقت الذي أعلن فيه 340 حاخامًا أمريكيًّا ينتمون لمنظمة “أمينو” اليهودية، تأييدهم للاتفاق، داعين الكونجرس الأمريكي إلى المصادقة عليه، ومحذرين من تداعيات التصويت ضده في الكونجرس، والتي تتعلق بعزلة إسرائيل، وزيادة سباق التسلح النووي، وانهيار نظام العقوبات الدولي.

ويبدو أن الرسائل المتناقضة التي توجهها الإدارة الأمريكية، بشأن أهمية الاتفاق النهائي المبرم مع إيران، وفي الوقت ذاته انتقاد إيران وتحذيرها من مواصلة محاولتها الحصول على برنامج نووي غير سلمي، قد انعكست بشكل كبير على توجهات الرأي العام الأمريكي حول الثقة في القادة الإيرانيين، ومدى استعدادهم للالتزام ببنود الاتفاق، لا سيما مع تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية عدم مجاراتها باقي الدول الأوروبية في سباقها الماراثوني للحصول على نصيب من الصفقات الاقتصادية المتوقع إبرامها مع إيران بعد رفع العقوبات عن الاقتصاد الإيراني، والانخراط في المشروعات المتوقعة بعد هذا الرفع، وذلك رغم تأكيد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، قبل تصويت الكونجرس بأيام قليلة، على أن الخسائر الاقتصادية الأمريكية ستكون فادحة في حالة التصويت ضد الاتفاق، بقوله: “إن الدولار لن يبقى عملة الاحتياط في العالم”.

 وطبقًا لنتائج الاستطلاع الذي أعده مركز “بيو” مؤخرًا، يلاحظ أن الرأي العام الأمريكي لا يثق في التزام القادة الإيرانيين بالاتفاق بنسبة 70% (28% لا يثقون إلى حد ما، 42% لا يثقون إطلاقًا)، في حين يثق 20% فقط (2% يثقون إلى حد كبير، و18% يثقون إلى حد ما)، كما عبر 51% عن عدم ثقة الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسسات المجتمع الدولي في مراقبة مدى التزام إيران بالاتفاق، في مقابل ثقة 42% في قدرة بلادهم والمجتمع الدولي على ذلك.

 ومن المرجح أن تستمر حالة الجدل في الولايات المتحدة الأمريكية حول الاتفاق النهائي مع إيران بشأن ملفها النووي خلال الفترة القادمة، لا سيما مع اقتراب الانتخابات التمهيدية -التي ستُجرى في بداية العام القادم- للانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2016؛ حيث يتبارى مرشحو الرئاسة في الإعلان عن موقفهم من الاتفاق، ووضع ملامح رؤيتهم للعلاقات مع إيران في إطار توقيع الاتفاق النهائي. ويبدو واضحًا أن المواقف تتسم بالغموض والتناقض في كثيرٍ من الأحيان.

 فعلى سبيل المثال، حذرت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون إيران من مواصلة محاولات امتلاك سلاح نووي، مؤكدةً أنها حال فوزها بمنصب الرئاسة ستتخذ كل الإجراءات الضرورية لحماية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بما فيها اللجوء إلى العمل العسكري إذا ما تطلب الأمر بهدف منع إيران من حيازة سلاح نووي، في حين انتقد المرشح الجمهوري دونالد ترامب، توقيع الاتفاق قبل رفع العقوبات عن طهران، مشيرًا إلى الصواريخ والأسلحة التي باتت تتسلمها إيران منذ التوقيع على الاتفاق من روسيا وغيرها دون أن تستفيد الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك، فيما حذر تاد كروز، وهو مرشح جمهوري أيضًا، من عواقب الاتفاق المتمثلة في أن رفع العقوبات عن الأموال الإيرانية المجمدة سيسهم في تدفقها بشكل سلس لدعم الجماعات المتطرفة، وإراقة مزيدٍ من دماء الإسرائيليين والأوروبيين والأمريكيين.

وفي هذا الإطار، يمكن القول إن إيران ستظل حاضرة على أجندة الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة كما كانت في السابق، غير أن حضورها هذه المرة سيكون مختلفًا، حيث سيرتبط بالجدل حول المكاسب الأمريكية من التداعيات الاقتصادية المحتملة للاتفاق النووي، فضلا عن احتمالات مراوغة إيران في تنفيذ بنود الاتفاق.

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية