ما بعد التصويت (الجزء الأول): التداعيات على استخبارات الولايات المتحدة والدول الحليفة

ما بعد التصويت (الجزء الأول): التداعيات على استخبارات الولايات المتحدة والدول الحليفة

LibyaNuclearUraniumGeigerRadiationRTR2QU9L-639x405

“في 16 أيلول/سبتمبر، عقد معهد واشنطن مؤتمراً خاصاً حول تداعيات الاتفاق النووي الإيراني دام يوماً واحداً، وتضمن كلمة رئيسية ألقاها القائم بأعمال وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية آدم زوبين. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظات ضابطة الاستخبارات الوطنية الأمريكية السابقة إيلين ليبسون، ورئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق الميجور جنرال (متقاعد) عاموس يادلين. وسيتم تلخيص المنتديات الأخرى في المراصد السياسية المقبلة.”

إيلين ليبسون

تتمّ مراقبة إيران بشكل مكثّف منذ فترة طويلة. فقد كانت هدفاً رئيسياً قبل محادثات «مجموعة الخمسة زائد واحد»، وازدادت المراقبة خلال سير المفاوضات. وتتوفّر العديد من التقنيات لمتابعة هذه المراقبة، وقد تم تحسينها مؤخّراً. فتكنولوجيا الاستشعار عن بُعد هي أكثر تطوّراً، كما أنّ تقنيّات المصدر المفتوح هي أكثر فعاليّة، في حين أنّ شبكات الاستخبارات الماليّة هي أفضل بكثير مما كانت عليه سابقاً. وقد اكتسبت وزارة الخزانة الأمريكية بشكل خاص خبرات كبرى في تعقّب المعاملات غير المشروعة. ونشرت موظّفين في مناطق تكثر فيها التبادلات التجارية الإيرانية، وقد أصبح “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع للوزارة مصدراً مهمّاً للاستخبارات حول السلوك الإيراني.

وفي المقابل، ستواجه وزارة الخزانة الأمريكية تحدّياً كبيراً في المستقبل. ففي الماضي، كانت جميع المعاملات مع إيران محظورة أساساً، لكن اليوم سيتمّ حظر بعضها فقط في ظل «خطة العمل المشتركة الشاملة» [الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني]- مما سيشكّل وضعاً أكثر صعوبة بكثير لمراقبته.

أمّا بالنسبة إلى تعقّب نشاط النظام النووي، فإنّ الوصول المعزّز إلى إيران يشكل تحدياً وفرصة في آن واحد. فالولايات المتحدة لن تكون اللاعب الوحيد المعني بهذه الجهود؛ بإمكان أطراف أخرى إضافة خبراتها وقيمها، ليصبح جمع المعرفة والتعاون مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أساسيّاً. وسيتغيّر دور “الوكالة” بوجود المزيد من الموظّفين ونشاط أكبر ومسؤوليّات جديدة. وتُعدّ “لجنة الأمم المتحدة الخاصة للعراق” [“أونسكوم” – لجنة أنشئت لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية] سابقة ذات صلة. ومع مرور الوقت، أصبحت “أونسكوم” و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أكثر تمرّساً في العراق وحقّقتا قدراتهما الاستخباريّة الخاصّة بشكل مستقلّ عن الولايات المتحدة، بينما تعاونتا مع واشنطن أيضاً. إلّا أنّه برز احتكاك عندما أراد مجتمع الاستخبارات الأمريكي بروتوكولات أحاديّة الجانب لمنتجات الاستخبارات الخاصّة به في حين جمعت المؤسسات متعددة الأطراف معلوماتها الخاصّة.

ليست إيران لاعباً غير فاعل في هذه العمليّة. فقد كانت جِد شرسة في استخدام الاستخبارات لمضايقة الموظّفين من خارج نطاق أجهزة الاستخبارات، لذلك على الوكالات الأمريكية وشركائها توخّي الحذر. وسوف تكون طهران حازمة في تطوير قدراتها الخاصّة، بما في ذلك نطاق الاستخبارات البشرية.

ستكون إحدى أكثر النواحي صعوبة في المراقبة هي التغيّرات في سلوك إيران السياسي وصنع القرار، لا سيّما أنّ صانعي القرار الأمريكيين مهتمّون جدّاً بتأثير الاتّفاق النووي على النخبة الإيرانية. ويستلزم العمل الاستخباراتي إدراكاً واعياً جدّاً للتحيّزات والتأثيرات. ويُعدّ خبراء الاستخبارات قريبين من صنّاع القرار بحكم الضرورة والتخطيط، لذا من الصعب عدم التدخّل والحفاظ على الاستقلالية مما يريد سماعه صنّاع القرار. كما يستطيع الموظّفون الانجرار إلى حلقات تقييماتهم الخاصّة، وإلى تأكيد معتقداتهم الخاصّة. بالإضافة إلى ذلك، يتلقّى مختلف صنّاع السياسة معلومات بطرق مختلفة، لذلك ستكون هناك أهمية كبرى في الحفاظ على قنوات اتّصال واضحة حول الاستنتاجات التي يتمّ التوصّل إليها.

عاموس يادلين

إنّ الاستخبارات هي دائماً مسألة أولويّات. فقد تبقى إيران أولويّة قصوى بالنسبة للولايات المتحدة، لكنّ واشنطن تواجه عدداً من التحدّيات العالمية الأخرى. وفي المقابل، سوف تستمر إسرائيل في النظر إلى إيران على أنّها التهديد الأساسي لها. فخلال 15 عاماً، ستكون إيران دولة على العتبة النووية. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، إنّها النتيجة المتوافق عليها للاتفاقية التي وقّعت عليها، لكن بالنسبة إلى إسرائيل، إنّ هذا السيناريو غير مقبول.

لدى إسرائيل أربع مخاوف استراتيجية رئيسية في المرحلة القادمة. أولاً وقبل كل شيء تأتي أي محاولة إيرانية لتطوير سلاح نووي بشكل سرّي. ثانياً، كيفيّة تأثير الاتفاق النووي على نشاطات إيران الإقليمية الأخرى، بما في ذلك دعمها لـ «حزب الله» وحركة «الجهاد الإسلامي الفلسطيني». ثالثاً، ما قد تستعد إيران للقيام به بعد انتهاء تاريخ صلاحية أحكام معينة من «خطة العمل المشتركة الشاملة». رابعاً، احتمال سعي دول إقليمية أخرى على إنشاء بنية تحتيّة نووية شبيهة بتلك الإيرانية.

وفي البداية، يمكن توقع تصرُّف إيران بشكل جيّد للاستفادة من منافع «خطة العمل المشتركة الشاملة». وحتّى في تلك المرحلة، من المحتمل أن تبرز مشاكل- فالقضايا المثيرة للقلق تتعلق بتطوير عسكري سابق وبدور إيران في جمع نماذج في مواقع نوويّة. إلّا أنّ ما يثير المزيد من المخاوف هو أن تمنح اتفاقية «خطة العمل المشتركة الشاملة» العديد من المخارج للإيرانيين، لا سيّما بعد حصولهم على تخفيف للعقوبات. إنّ القيادة الإيرانية قد وافقت على «خطة العمل المشتركة الشاملة» إلّا أنّها لم تدعمها أبداً.

ولا تشكل منشآت إيران النووية – التي تمّ الإفصاح عنها والتي من السهل مراقبتها نسبيّاً – القلق الأكبر على الإطلاق، بل تأتي أعظم المخاوف من المنشآت التي لم يتمّ الإفصاح عنها، ويُعتبر بعضها صغيراً. وإذا قرّرت إيران تجاوز العتبة النووية، ستستعمل موقعاً خفيّاً، ولن تكون هناك عمليّة تجميع واضحة للمعلومات الاستخباراتية للتصدّي لذلك. فإيران قد أظهرت أنّها تجيد الغشّ والكذب.

إنّ أي استراتيجية ترتكز على التصدّي لسيناريو اختراق العتبة النووية تستلزم معرفة شاملة عن إيران. وتُعتبر مثل هذه التحليلات ضروريّة لإعلام عمليّة صنع القرار، وتأمين تحذير مبكر حول نزاعات محتملة، وتوفير [المساعدة] لصنّاع القرار في مجال نشر الوعي بالأوضاع القائمة والمعلومات الاستهدافية التي هم بحاجة إليها لتتبُّع هذه النزاعات وتخفيفها وإنهائها. وستلعب القدرات السيبرانية دوراً أكبر ليس في جمع المعلومات الاستخباراتية فحسب، بل في تحديد الأهداف ومهاجمتها أيضاً. لذا، من المهمّ التذكر أنّه ليس كل نزاع حرباً- هناك العديد من الإجراءات الهجومية الأخرى بفترات مختلفة ومحدودة. وفي ظلّ هذه السيناريوهات، قد تكون الخيارات الدبلوماسية (على سبيل المثال، اللجوء الى مجلس الأمن الدولي) فعّالة جدّاً لإنهاء الأعمال العدائية؛ وسيكون هناك احتمال ضئيل بنشوب حرب. وبالتالي، على الموظفين المقتدرين في أجهزة الاستخبارات إعطاء صنّاع السياسات نظرة شاملة لتوجيه المواجهة مع إيران في حال تجاوزها العتبة النووية.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أنّ العمل الاستخباراتي هو غير مثالي، أمام إسرائيل والولايات المتحدة الكثير من أعمال جمع المعلومات في إيران. وتُعدّ هذه الجهود أصعب بقليل في بعض النواحي نظراً لقيود «خطة العمل المشتركة الشاملة»، لكنّها سهلة أيضاً في نواحٍ أخرى نظراً لوجود شفافيّة أكبر في الوقت الحالي. ويكمن التحدّي في المكوّن التحليلي. فحتّى أفضل الاستخبارات لا تستطيع قراءة المستقبل. بالاضافة الى ذلك، يكمن فنّ الاستخبارات في التمييز بين الإشارات الصائبة والخاطئة. ويجب أن تُسمع وجهات النظر المتباينة؛ إن الحوار المفتوح والاضطلاع بالدور المناسب سيساعدان هذه الجهود. يتعيّن على موظّفي الاستخبارات الحفاظ على مهنيّتهم في جميع مراحل العمليّة، بدءاً من جمع المعلومات ووصولاً إلى تحليل تداعيات درجات مختلفة من المواجهة.

هناك دائماً خطر محاولة مسؤولي الاستخبارات إرضاء صنّاع القرار. ومن مسؤولية [أعضاء] المجتمع الاستخباراتي إبلاغ المراقبين السياسيين الذين يشرفون عليهم حتّى وإن كانت نتائجهم لا تتطابق مع آمال السياسيين وتوقّعاتهم. إنّ تسييس العمل الاستخباراتي أمراً خطيراً. فكما كان عليه الحال في أسلحة الدمار الشامل في العراق، لا يستطيع أخصّائيو الاستخبارات المبالغة بنوايا العدّو أو قدراته أو التقليل من أهمّيتها. على صنّاع السياسات وجامعي المعلومات الاستخباراتية فتح حوار، لكن عليهم أيضاً رسم خطّ فاصل وواضح للأدوار. إنّ الثقة هي الأساس- ويتعيّن على القادة السياسيين أن يثقوا بأنّ المجتمع الاستخباراتي لن يتلاعب بالنتائج أو يشفّيها. لذلك يُعتبر السلوك المهني والأخلاقي الذي يعتمده المسؤولون الاستخباراتيون ومراقبوهم السياسيون أمراً بالغ الأهمية.

وتصبح هذه القضايا أكثر تعقيداً عندما يتمّ إشراك الحلفاء. فالعلاقات الإسرائيلية – الأمريكية وثيقة وتشمل الكثير من التواصل وتبادل النتائج الاستخباراتية. إلّا أنّه سيكون لدى البلدَين قواعد ارتباط مختلفة حول درجة المجازفة أثناء جمع المعلومات الاستخباراتية داخل إيران ومن الإيرانيين. وفي ظلّ إطار العمل الحالي، ستميل إسرائيل إلى خوض مجازفات لا يقوم الأمريكيّون بخوضها، لذا ستكون قادرة على جمع معلومات بمغامرة أكبر من الولايات المتحدة. وبالنسبة لواشنطن، إنّ الاستهداف هو أمر حسّاس جدّاً وسيصبح أكثر حساسيّة مع تنفيذ «خطة العمل المشتركة الشاملة».

وأخيراً، على المجتمع الاستخباراتي تحليل إيران ليس انطلاقاً من المقاربة التقليدية «من الأعلى إلى أسفل» (أي النظر إلى قيادتها) فحسب، بل من مقاربة «من الأسفل إلى الأعلى» أيضاً من خلال مراقبة الديناميكيات في الشارع، وبين الطلّاب، وفي الاقتصاد الإيراني. وإذا حصل تغيير في إيران، قد يحصل من الأسفل إلى الأعلى.

للمزيد على الرابط التالي:http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/beyond-the-vote-part-1-implications-for-u.s.-and-allied-intelligence

إيلين ليبسون و عاموس يادلين

معهد واشنطن