الحريري الفائض عن الحاجة في كل شيء

الحريري الفائض عن الحاجة في كل شيء

غير كونه الابن الأكبر لرئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، ما الذي يملكه سعد الحريري من الصفات التي تؤهله ليكون رئيس وزراء مزمنا على مستوى الترشيح أو التكليف؟

الرجل ليس جديدا على المنصب. لمرتين كان هناك ولم يهب المنصب شيئا من الخصوصية والتميز والأثر الخاص. لا يذكره اللبنانيون بأي موقف إيجابي يمكن أن يضموه إلى دفاتر ذكرياتهم. لم يكن هناك إلا بصفته وارث أبيه الذي لم يرث عنه علما أو كفاءة أو مهارة أو قدرة على التمييز بين ما يضره وما ينفعه، وأخيرا فإن واحدة من صفات القيادة السياسية التي كان الحريري الأب يتمتع بها لم تنتقل إلى الحريري الابن الذي كان من اليسير الحكم عليه، باعتباره رجلا طارئا على السياسة، أنه لم يحظ بشيء من الثقافة السياسية ولا يتميز بأية قدرة استثنائية تجعله محط اهتمام الآخرين.

كان موجودا على رئاسة تيار المستقبل لأسباب لا تتعلق بشخصيته.

ولكن قد يكون الرجل سيء الحظ لأنه ظهر في وقت عصيب هو أكبر من أن يصمد فيه سياسي مهما كانت كفاءته. ذلك كلام ليس صحيحا تماما.

لقد أثبت سعد الحريري عبر كل سنواته القيادية أنه لا ينتمي إلى فصيلة السياسيين التقليديين الذين يقومون بتصريف شؤون شعبهم بطريقة يغلب عليها الحذر والحيطة والبطء والدقة التي تكون أحيانا مزعجة كما أنه لم يكن سياسيا متمردا، مستقلا وغاضبا يقول كلمته العاصفة في وجه القوى التي كانت في طريقها إلى الاستيلاء على لبنان، دولة وثروة وموقعا وموقفا.

وأيضا لا يمكن أن يوصف الحريري بأنه رجل البين بين.

لذلك فإنه من الصعب أن يوضع في قائمة رؤساء الحكومات الذين تركوا أثرا لهم في الحياة العامة. فهو رجل يُمكن أن يُنسى لولا الأضرار الكبيرة التي خلفها وراءه بسبب فشله الذي يمتد من الاقتصاد إلى السياسة مرورا بصلته بالجمهور الذي أُجبر على القبول به باعتباره ممثلا وحيدا للطائفة السنية في نظام طائفي حصل السنة من خلاله على منصب رئيس الحكومة.

رجل أعمال فاشل قاد كل مشاريعه الاقتصادية إلى الإفلاس. رجل سياسة فاشل توفرت بين يديه كل أسباب النجاح بعد أن اغتيل أبوه غدرا غير أنه لم يقف في وجه قتلة أبيه، بل بالعكس سمح وجوده الباهت والمائع لأولئك القتلة بأن يحققوا ما لم يتمكنوا من تحقيقه بوجود الحريري الأب. لقد تمددوا من مناطقيتهم الطائفية إلى الحكومة التي صار دورها يتراجع ومن خلالها إلى الدولة التي تم تحويلها إلى ملعب مضاف لآيات الله القادمين من طهران.

واقعيا فإن وجود سعد الحريري على رأس الطائفة السنية باعتباره ممثلها السياسي في النظام الطائفي قد سبب كوارث كثيرة لها، ما أدى إلى انحسار دورها في الحياة السياسية اللبنانية ولم تكن ردود الأفعال المتشددة والمتشنجة والطائشة التي قامت بها بعض الجماعات السنية إلا نوعا من المحاولة لاسترداد ذلك الدور من غير أي نفع يُذكر.

كانت الصلة بين الحريري وبين الجمهور الذي يمثله مقطوعة تقريبا فهي تمر من خلال مستشارين ومعاونين نفعيين لا غاية لهم سوى زيادة ثرواتهم من خلال تلك الواجهة السياسية.

غير أن الرجل لم يكن ضحية مستشاريه. فبعد أن أغدقت عليه المملكة العربية السعودية أيام الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز الكثير من الأموال وذلك من أجل تعزيز مكانته السياسية ودعم وجوده السياسي على رأس الطائفة السنية حفاظا على تركيبة لبنان الطائفية، تبين أن تلك الأموال ذهبت إلى حساباته الشخصية وقد أنفقت بطريقة شخصية لم ينل منها اللبنانيون شيئا لا على المستوى الاقتصادي ولا على المستوى السياسي. لقد أهدر السعوديون أموالهم على رجل لا يستحقها.

بعد كل هذا يمكن القول إن الرجل الذي وضعته الوراثة في مكان غير مناسب له لم يتعلم عبر أكثر من خمسة عشر عاما شيئا يجعله أهلا لذلك المكان. وقد يكون من المضحك أن يدعو ذلك الرجل إلى قيام حكومة تكنوقراط برئاسته. كيف يستقيم ذلك الأمر وصاحب الدعوة نفسه لا ينتمي إلى فئة التكنوقراط؟ الحريري لا يملك أية موهبة أو كفاءة ولا يتقن عملا. ناهيك عن أنه يفتقد إلى نوع من الخيال السياسي.

من سوء حظ لبنان أن خياره قد وقع على رجل فاشل في حياته الشخصية ليقوده إلى حتفه. مَن يقدم الحريري باعتباره منقذا إنما يضحك على الشعب اللبناني في أشد أوقاته حرجا.

العرب