مؤشرات كثيرة، ومعطيات عديدة ترتبط بوقائع سابقة، إلى جانب تقارير الصحافة الإسرائيلية، تؤكد جميعها مسؤولية دولة الاحتلال الإسرائيلي عن الهجوم الأخير الذي استهدف منشأة نطنز النووية الإيرانية وألحق بمعداتها المختلفة أذى ملموساً، أسفر عن تعطّل أقسام أساسية في البرنامج النووي عموماً وفي قطاع تخصيب اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي بصفة خاصة.
وليس هذا العمل الإرهابي جديداً على دولة الاحتلال أو هو ضد إيران وحدها، لأن عمليات مماثلة اعتمدت طرائق متنوعة لاستهداف برامج طاقة نووية لبلدان عربية، مثل قصف مفاعل نووي عراقي قيد الإنشاء سنة 1981، وتدمير موقع الكبر قرب مدينة دير الزور في سوريا. وعمليات الاستخبارات الإسرائيلية ضد مواقع البرنامج النووي الإيراني تعاقبت منذ العام 2010 وتنوعت أساليبها بين الهجمة الإلكترونية أو افتعال الحرائق أو قطع الكهرباء وتعطيل الحواسب. كذلك لم تفتقر تلك العمليات إلى التصفية الجسدية المباشرة لعلماء الطاقة، والتي كان آخرها اغتيال محسن فخري زادة أحد كبار العقول في البرنامج النووي الإيراني رغم أنه كان يحظى بحراسة مشددة من الحرس الثوري.
وكما هي العادة عند تعرض المصالح الإيرانية لاعتداءات إرهابية إسرائيلية، سواء داخل إيران أو خارجها في العراق وسوريا ولبنان مثلاً، تتوجه السلطات الرسمية بأصابع الاتهام إلى دولة الاحتلال، ثم تطلق الوعود بأنها سوف ترد وتنتقم في الزمان والمكان المناسبين، ثمّ تذهب التصريحات أدراج الرياح. وبصدد الهجوم الأخير على نطنز، وهي للتذكير المنشأة النووية الأكبر والأهمّ في إيران، لوحظ تخبط كبير حتى في مستوى الإعلان عن الواقعة، إذ بدأ الأمر من حديث عن عطل كهربائي، ثم إشارات إلى حادثة غامضة، قبل أن يعلن وزير الخارجية الإيراني أن الواقعة عمل تخريبي و«الصهاينة يريدون الانتقام من الشعب الإيراني للنجاحات التي حققها في مسار رفع الحظر الظالم».
وليس من الواضح طبيعة النجاحات التي حققتها أو تحققها إيران خلال جولات التفاوض التي شهدتها فيينا حول طرائق عودة الولايات المتحدة إلى الالتزام بالاتفاق النووي لسنة 2015 مع مجموعة الـ5 + 1 وانسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالنظر إلى أن هذه الجولات لم تسفر عن نتائج ملموسة حتى الساعة. وأما تلميح بعض المسؤولين الإيرانيين إلى «انتصارات» جديدة في استخدام أجهزة متطورة للطرد المركزي تكفل تخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪، فإن عملية الاستخبارات الإسرائيلية الأخيرة في نطنز أعادت البرنامج سنتين إلى الوراء كما يساجل بعض الأخصائيين.
صحيح في المقابل أن الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لمنشأة نطنز لن يعيق إيران عن تشغيل مفاعلات أخرى مثل فوردو وبوشهر وأراك وأصفهان بوتائر أعلى وأوسع نطاقاً، أو اللجوء إلى إقامة منشآت أخرى سرية وغير معلنة أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا تشملها بالتالي بنود اتفاق 5 + 1 القديم أو أي اتفاق جديد. لكن هذا ليس «الانتقام» الذي تحدث عنه المسؤولون الإيرانيون، أو هو على الأقل ليس جديراً بقوة إقليمية تتفاخر بأنها تبسط نفوذاً سياسياً وعسكرياً وأمنياً ومذهبياً في أربع دول عربية على الأقل.
القدس العربي