باتت الكويتية أم عبد الهادي ترتاد محلات الذهب شهريا منذ أكثر من عام لاقتناء القدر الأكبر من حلي المعدن الأصفر، وكانت جائحة كورونا “الضارة النافعة” لهذه المواطنة، فالأيام العصيبة التي عاشتها في ظل حظر التجوال الكلي الذي فرض بداية الجائحة غيرت من قناعاتها، ليتولد لديها مفهوم جديد لقيمة الادخار.
تروي أم عبد الهادي بداية قصتها مع الذهب للجزيرة نت بالقول إنها ومنذ بدء الجائحة أصبحت تتوفر لديها سيولة مالية بسبب إغلاق المنافذ الجوية والبرية والبحرية وما ترتب عليها من منع للسفر، سواء كان في الكويت أو في الدول التي كانت تشكل وجهتها السياحية.
وبدلا من ادخار هذا المال في صورة أوراق مالية تتكدس في البنوك وتخسر قيمتها مع الزمن، اتجهت أم عبد الهادي إلى الذهب لأنه يحافظ على بريقه دوما، ومعه تيقنت من صدق مقولة إن الذهب “زينة وخزينة”.
وتستهوي أم عبد الهادي المشغولات الذهبية من أساور وخواتم وقلائد وأقراط وغيرها، بعكس الشابة دانة بورسلي التي تستقطبها السبائك الذهبية بمختلف أحجامها.
لكن دانة تشترك مع أم عبد الهادي في كون جائحة كورونا وتداعياتها كانت المؤثر الأكبر في تغيير نمط ادخارها، وتقول -للجزيرة نت- إنها كانت تصرف الراتب الذي تتقاضاه على الماركات العالمية من ملابس وإكسسوارات.
لكن بسبب الحظر وقلة الزيارات رأت دانة تغيير أسلوب حياتها والتوجه نحو اقتناء السبائك الذهبية.
دانة لا ترتاد محلات الذهب للشراء، لكنها تزورها فقط لاستلام السبائك التي تشتريها عبر المواقع الإلكترونية لتلك المحلات. فهذه المواقع وفرت لدانة آلية متابعة أسعار الذهب على مدار 24 ساعة، لتقوم بدورها باقتناص لحظة هبوط سعره لتنفيذ عملية الشراء التي لا تحتاج منها سوى تعبئة نموذج البيع، ووضع بيانات بطاقتها البنكية لسحب المبلغ اللازم، ومن ثم تتم العملية بنجاح، وفق ما تعتقد.
الانخفاض الطفيف في أسعار الذهب بعد أشهر من ارتفاعها الحاد شجع الكويتيين على الشراء (الجزيرة)
البيع الإلكتروني
بالحنكة المعهودة للتاجر، كان أبو راكان العجمي قد سارع فور وقوع أزمة كورونا إلى تفعيل التطبيق الخاص بمحل بيع المشغولات الذهبية الذي يمتلكه، لتوفير خدمة التسوق الإلكتروني، وذلك بعد أن كان الموقع مجرد ديكور لا غير، على حد وصفه.
يؤكد أبو راكان -للجزيرة نت- أن عمليات البيع الإلكتروني ضاعفت أرباحه، ليقوم اليوم بتوسيع تجارته عبر فتح محال جديدة، حيث لم يترك الحظر أو الإغلاقات التي رافقت كورونا أي تأثير سلبي على مسار نشاطه التجاري.
ويوضح أبو راكان آلية عملية البيع من خلال التطبيق التي تستمر على مدار 24 ساعة، مبينا أنه وبمجرد أن يكمل العميل عملية شراء القطعة التي تعجبه وإكمال الدفع عبر البطاقة البنكية، تصله رسالة بالرقم التسلسلي للقطعة، وهو رقم تنفرد بحمله عالميا.
ويعتمد أبو راكان على شركة لنقل الأموال بسياراتها المصفحة والمدججة بحراسة أمنية ومراقبة عبر الأقمار الاصطناعية لضمان توصيل المشتريات للزبائن بيسر وأمان.
ولكي تتسق عملية البيع الإلكتروني مع محددات الشريعة الإسلامية التي تقوم على نظام “التقابض يدا بيد” في عملية بيع وشراء الذهب، فإن أبو راكان لم يتح هذه الخدمة إلا بعد أن اطلع على فتوى شرعية من متخصصين في الكويت، والتي انتهوا فيها إلى اعتماد نظام “التقابض الحكمي”، وبالتالي أجازوا هذه العملية.
الإقبال على الذهب
نحو 6.5 أطنان من المشغولات الثمينة تم دمغها بشعار الكويت من قبل إدارة المعادن الثمينة في وزارة التجارة والصناعة، وطرحت للبيع في الأسواق خلال فبراير/شباط الماضي.
مدير الإدارة سعد السعيدي أوضح -للجزيرة نت- أن هذه الإحصائيات تبين تسجيل ارتفاع كبير في عمليات إدخال كميات الذهب إلى الكويت.
وتضاعفت هذه القيمة عما تم تسجيله في يناير/كانون الثاني الماضي، والذي بلغ نحو 3 أطنان و400 كيلوغرام، أما حصيلة المعادن الثمينة التي دمغت رسميا ودخلت السوق الكويتي على مدار أزمة كورونا 2020، فتقدر بـ 22 طنا و307 كيلوغرامات.
وعزا السعيدي تهافت الكويتيين على شراء الذهب في فبراير/شباط الماضي، إلى تسجيله انخفاضا ملموسا نسبيا مقارنة بما سجله من ارتفاع كبير خلال الشهور الماضية.
كما يرى أن توفر السيولة، في ظل الإغلاقات والحظر، ساهم بمضاعفة إقبال الكويتيين على شراء الذهب والمجوهرات.
من جهته يشير الخبير بالمعادن الثمينة، والرئيس التنفيذي لمجموعة سبائك رجب حامد، إلى قرار الحكومة تأجيل أقساط القروض الاستهلاكية للبنوك المحلية، وقال إن هذا القرار ساهم بتوفير السيولة المالية لدى الكويتيين، وجعلهم يغيرون من نظرتهم للمستقبل بفضل جائحة كورونا، وباتوا يتزاحمون على شراء الذهب رجالا ونساء.
ويرى حامد أنه بموازاة الأرباح الهائلة التي حققها تجار الذهب الكبار، فإن آخرين خسروا تجارتهم بداية أزمة كورونا مع ما رافقها من إغلاقات، حالهم كحال أصحاب المشاريع الصغيرة من مطاعم ومقاه أغلقت بعد أن بات أصحابها غير قادرين على دفع رواتب العاملين والإيجارات.
وأكد حامد -في حديثه للجزيرة نت- أن الشركات والمحال التجارية التي تمتلك تطبيقات للبيع أونلاين هي فقط من استطاع النجاة، إذ وفرت صورا للمشغولات الذهبية، إلى جانب فيديوهات ثلاثية الأبعاد لترتفع نسبة المبيعات إلى 25% عبرها.
ويقول حامد إن المشتري بات يلم بالأعيرة المختلفة للذهب، وأضحت لديه القدرة على التفريق بين عيار 18، و21، و24 عالي النقاوة.
ولفت إلى ارتفاع نسبة الإقبال على شراء السبائك متوسطة وكبيرة الحجم كالربع كيلو والنصف كيلو والكيلو، باعتبارها ملاذات آمنة واستثمارات طويلة الأمد.
كما يؤكد حامد أن الإقبال على المشغولات الذهبية، وخصوصا من النساء، يمر بأزهى فتراته رغم ما سجله المعدن النفيس من ارتفاع في الأسعار، ليشهد السوق انتعاشا وحركة رغم كورونا.
ويبلغ الرصيد الاحتياطي من الذهب في الكويت نحو 79 طنا من الذهب، مما يجعلها السابعة عربيا والثانية خليجيا في قائمة احتياطات الذهب، بحسب تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي.
المصدر : الجزيرة