في نهاية آذار/مارس، قام وزير الخارجية الصيني بزيارة للسعودية والإمارات وتركيا وإيران والبحرين وعُمان بهدف تعزيز صورة حكومته ومصداقيتها في المنطقة، وتمييزهما عن “التدخل” الأمريكي. وكررت الرحلة استراتيجية بكين المتمثلة في تضافر المبادرات التي تبدو غير جوهرية بمفردها ولكنها تهدد بشكل تراكمي بتقويض مصالح الولايات المتحدة ودول المنطقة.
في الأسبوع الأخير من آذار/مارس، بدأ وزير الخارجية الصيني وانغ يي زيارة لست دول في الشرق الأوسط – السعودية والإمارات وتركيا وإيران والبحرين وعُمان – دامت أسبوع. وكان هدف الرحلة هو تسليط الضوء على الأهمية المتزايدة للمنطقة في سياسة الصين الخارجية وتعزيز الجاذبية المحلية لبكين – ولم يكن من قبيل الصدفة أن تتزامن الرحلة مع سعي الولايات المتحدة إلى الابتعاد عن الشرق الأوسط والتركيز على المنافسة الاستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
النتائج الرئيسية
بدأ وانغ رحلته في السعودية حيث اقترح خلالها “مبادرة من خمس نقاط لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط”. وتطرقت الخطة إلى القضايا ذات الصلة مثل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، والبرنامج النووي الإيراني، والمخاوف من توسّع انتشار الأسلحة النووية، والأمن البحري، ومكافحة الإرهاب، والتنمية الاقتصادية، والتعاون في مجال التلقيح ضد فيروس كورونا، وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع. وشدّدت الصين على [معظم] هذه القضايا نفسها خلال السنوات العديدة الماضية، لذلك فإن الخطة لا تقدّم أي معلومات جديدة حول نواياها الإقليمية. ومع ذلك، فإنها تهدف إلى تصوير بكين كقوة عظمى مسؤولة تتفهم القضايا المحلية الرئيسية.
وعندما وصل وانغ إلى الإمارات، تم توقيع اتفاق يسمح للشركة الإماراتية “جي 42” بالبدء محلياً في إنتاج حوالي 200 مليون جرعة من اللقاح الصيني “سينوفارم” [المضاد لفيروس كورونا (“كوفيد-19”)]. وكانت بكين قد وزعت جرعات من اللقاح على 17 دولة في الشرق الأوسط، إلّا أن هذا المشروع يمثل أول اتفاقية للإنتاج خارج الأراضي الصينية، في خطوة تهدف إلى تحقيق ما أسماه يونغ “التزام الصين بجعل اللقاحات منفعة عامة عالمية”. ويدل هذا الاتفاق أيضاً على ثقة بكين بالإمارات باعتبارها نقطة عبور محتملة للتوسع الصيني المتزايد في قطاعات المنطقة التنموية والاستراتيجية.
بالإضافة إلى ذلك، وافق وانغ على إطلاق مبادرة تعاون في أمن البيانات مع جامعة الدول العربية من أجل تعزيز الجهود المشتركة في [معيار تكنولوجيا] الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة. ولا تزال تفاصيل الاتفاق غامضة، ولكنه يعيد إلى الذاكرة “المبادرة العالمية لأمن البيانات” التي أطلقتها بكين كردها على برنامج “الشبكة النظيفة” الذي تقوده الولايات المتحدة والذي أثار مخاوف بشأن التداعيات الأمنية للبنية التحتية للجيل الخامس لشركة “هواوي” وغيرها من الخدمات التقنية الصينية.
وعلى نطاق أوسع، شدد وانغ على هدف المواءمة بين “مبادرة الحزام والطريق” الصينية ومشاريع التنمية المحلية. كما أثار احتمال إبرام اتفاق تجارة حرة بين الصين [وبعض دول] الشرق الأوسط.
وأثناء وجوده في إيران، وقّع وانغ “خطة التعاون الشامل” التي تم الإعلان عنها كثيراً والتي تُعد بمثابة خارطة طريق للتعاون الثنائي في مجالات الأمن والاقتصاد والتبادل الثقافي. ووفقاً لـ “صحيفة الوقائع لوزارة الخارجية الإيرانية”، قد تشمل مجالات التعاون المحددة البنية التحتية، والبتروكيماويات، والطاقة، ومكافحة الإرهاب، و”مبادرة الحزام والطريق”، والتكنولوجيا.
المواضيع الرئيسية
تمحورت الرحلة حول ثلاثة مواضيع رئيسية. أولاً، أشاد وانغ باستمرار بدور الصين كمناصرة للدول النامية وكشريك في أوقات الحاجة. وفي رأيه، تفهم بكين حاجات دول الشرق الأوسط بشكل أفضل من الشركاء الآخرين لأنها تنتمي إلى نفس خلفية “دول الجنوب”.
ثانياً، شدّد وانغ على معارضة بكين للتدخل الخارجي. وفي إشارته الضمنية إلى الولايات المتحدة، قال إن “الصين تشجع دول المنطقة على مواصلة مقاومة الضغوط والتدخلات الخارجية، لكي تستكشف مسارات التنمية المناسبة لواقعها الإقليمي بشكل مستقل”. كما ناشدها أيضاً بـ “التحرر من ظلال المنافسة الجغرافية-السياسية بين القوى العظمى وحل النزاعات والخلافات الإقليمية بصفتها من أسياد المنطقة.
ثالثاً، أكّد وانغ على توقعات بكين بأن تُظهِر دول الشرق الأوسط احتراماً لمصالح الصين الجوهرية، وتتجنب التدخل في سياستها الداخلية، وتدعم “الحزب الشيوعي الصيني” عندما يواجه انتقادات من الغرب. وفي هذا السياق، أعرب عن امتنانه لدعم المنطقة لسياسة “الصين الواحدة” و”إجراءات بكين لمكافحة الإرهاب” ضد مسلمي الأويغور في شينجيانغ. وأعلن أن “وضع حقوق الإنسان في بلد ما يخضع لتقييم شعبه وليس لتقييم دول أخرى على أساس تفضيلاتها”، ثم ادّعى أن “آراء بعض الدول الغربية إزاء حقوق الإنسان لا تمثل وجهة النظر الدولية”. وجاء هذا التصريح في أعقاب فرض عقوبات غربية على خلفية القمع الذي تمارسه بكين بحق شعب الإيغور، والذي تعتبره الولايات المتحدة بمثابة إبادة جماعية. ومن جانبهم، أشاد المسؤولون العرب عموماً بإجراءات الصين باعتبارها ردعاً ضد التطرف، في حين أعرب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن “تأثر وأفكار بشأن الأتراك الأويغور”.
التداعيات على استراتيجية الصين في الشرق الأوسط
رغم أن نتائج جولة وانغ قد لا تبدو رائدة، إلا أنها أعادت التشديد على استراتيجية الصين في المنطقة في لحظة مهمة من السياسة الخارجية الأمريكية. وتستخدم بكين بشكل منهجي الفوائد الاقتصادية لتعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط في ما تسميه “نمطاً جديداً من التعاون” – أي أسلوب لا يتدخل في السياسة المحلية. وكان تركيز وانغ على اللقاحات والطاقة والتجارة والاستثمار والبنية التحتية والتكنولوجيا يهدف إلى تعزيز صورة حكومته ومصداقيتها في المنطقة، وفي الوقت نفسه تمييز الصين عن القوى العظمى الأخرى التي تتدخل في الشؤون المحلية لدول المنطقة، أي الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الحقيقة غير المعلنة هي أن مثل هذه الاستثمارات تسمح لبكين بإبراز قوتها، وجني الفوائد المالية، وتأمين إمدادات الطاقة، وتوسيع أسواق الصادرات، بغض النظر عن المصالح المحلية لكل شريك في المنطقة.
وأثبتت رحلة وانغ أيضاً كيف تُقِيم الصين توازناً بين علاقاتها الإقليمية في الوقت الذي تسعى فيه إلى تحقيق مكاسب استراتيجية. على سبيل المثال، زار كلاً من إيران والسعودية على الرغم من أنهما يكنان العداء لبعضهما البعض. كما أن مبادرة النقاط الخمس التي طرحها في الرياض أعربت عن دعمه لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أي الاتفاق النووي الإيراني الذي عارضه السعوديون عندما تم التوصل إليه في عام 2015. وعلى صعيد آخر، عرض تسهيل المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين مشجعاً تطبيق حل الدولتيْن – وهذه التزامات أعلنت عنها الصين في الماضي كلما سعت إلى إضفاء طابع إيجابي على دورها في المنطقة من دون التدخل فعلياً في النزاعات الإقليمية.
وبالتالي، بدلاً من رفض مبادرات وانغ الجديدة في الشرق الأوسط على أنها قديمة وبالية، على واشنطن أن تنظر إليها كـ”تكتيكات سلامي” تراكمية – وهي استراتيجية تساهم فيها كل “شريحة” بدعم بيئة مؤاتية لإبراز القوة الصينية في المنطقة من دون أن تنجح أي خطوة في استفزاز الولايات المتحدة وانتزاع رد منها. وتبرز “خطة التعاون الشامل” مع إيران هذه النقطة، لأن لغتها تعيد التذكير باتفاقات تعاون صينية سابقة مع دول في الشرق الأوسط. باختصار، تعمل بكين بشكل تدريجي على تعزيز وجودها وقوتها في المنطقة تماماً كما تحاول الولايات المتحدة مواجهة أعمال الصين العدائية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
إيلاري پاپا
معهد واشنطن