وساطة موسكو في أزمة سد النهضة: المكاسب أولا

وساطة موسكو في أزمة سد النهضة: المكاسب أولا

مصر تسعى إلى توظيف علاقاتها مع روسيا في البحث عن حل لأزمة سد النهضة الإثيوبي بعد فشل الرهان على الوساطة الرباعية ووجود مؤشرات على فقدان الثقة في عودة الوساطة الأميركية منفردة في هذا الملف الشائك.

القاهرة – أعادت مصر الاثنين تفعيل طلب وساطة روسية في ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي وهو ما تربطه موسكو ضمنيا بمدى تحقيق مكاسب من مصر وإثيوبيا.

وطغى ملف أزمة السد على غيره من الملفات الثنائية والإقليمية في محادثات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في القاهرة.

وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري في المؤتمر الصحافي مع لافروف أن بلاده تعول على علاقات روسيا مع إثيوبيا للتوصل إلى اتفاق لإنهاء أزمة سد النهضة.

ويشير هذا الطلب إلى فشل الرهان على نجاح طلب الوساطة الرباعية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي في هذا الملف.

وقال الخبير المصري في الشؤون الروسية نبيل رشوان إن “القاهرة تسعى إلى حلحلة الجمود في الأزمة عبر توظيف علاقات موسكو وامتلاكها أدوات ضغط على المستويين الفني والمعلوماتي، والاستفادة من الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية الروسية والتي تخدم القاهرة في توفير معلومات دقيقة عن حالة السد وحجم تخزين المياه”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “موسكو بإمكانها تغيير الوضع القائم حال تدخلت بثقلها، لكنها ترى أهمية إتاحة الفرصة للاتحاد الأفريقي أولاً، فبإمكانه أن يتعامل مع التعقيدات بين دوله، وقد يتغير ذلك إذا كان هناك تهديد حقيقي لمصالحها في القارة من خلال تقديم مشروع قرار خاص بالأزمة لمجلس الأمن”.

ويفسح توافق الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، على وجود دور روسي في الأزمة المجال أمام موسكو للقيام بدور الوساطة، بما يعزز حضورها الذي تراجع كثيراً في منطقة القرن الأفريقي منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، وتحرص إدارة الرئيس فلاديمير بوتين على استعادته في إثيوبيا والصومال، ما يجعلها تبدو متمهلة.

نهى بكر: دخول روسيا على خط أزمة السد يتوقف على الأوراق التي تمتلكها

ويوحي الطلب المصري بفقدان الثقة في عودة الوساطة الأميركية منفردة أو بشكل رباعي، وعدم توقع الحصول على نتيجة إيجابية من الإشارات الرمزية التي بعثت بها واشنطن الأيام الماضية بخصوص رفضها للحلول الأحادية.

وأوضحت عضوة الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية نهى بكر أن “نجاح روسيا من عدمه يتوقف على رغبة أديس أبابا في الوصول إلى اتفاق قانوني ومُلزم، وطالما لا توجد هذه الرغبة لن يكون هناك أثر لدورها”.

وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن “قدرة روسيا على الدخول على خط أزمة سد النهضة تتوقف على الأوراق التي في جعبتها ويمكن أن تستخدمها للضغط على الأطراف المختلفة، وهو أمر غير واضح حتى الآن، وأن فشل جهود الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة يُصعب مهمة أي أطراف أخرى قد تكون لديها رغبة في الوصول إلى حل”.

ويقول متابعون إن “القاهرة لا تتوقع ضغطا حقيقيا تقوم به إدارة الرئيس جو بايدن على أديس أبابا، والتي أعادت إليها المساعدات التي أوقفتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وربطتها بالتطورات أزمة تيغراي وليس سد النهضة”.

ويبدو أن مصر تريد العودة إلى صيغة طرحتها قبل نحو عام ونصف العام على هامش قمة أفريقية روسية، عرضت فيها طلب وساطة روسيا في أزمة سد النهضة، غير أن إثيوبيا رفضته آنذاك. ودخلت واشنطن على الخط عبر وساطة بالشراكة مع البنك الدولي، توصلت إلى مسودة اتفاق على قاعدة من التنازلات المتبادلة، وقعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى وامتنعت كل من أديس أبابا والخرطوم عن التوقيع عليه.

ويريد التوجه المصري الاستفادة من الخلافات الروسية الأميركية في بعض الأزمات الإقليمية والدولية في التعويل على موسكو، غير أن الأخيرة عادة لا تتدخل أو ترمي بثقلها في أزمة ما لم تكن ضامنة الحصول على مزايا نوعية من وراء ذلك.

ورغم أن لافروف طالب في القاهرة بضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا يضمن مصالح جميع الأطراف إلا أنه قال إن “موسكو اقترحت مساعدة فنية وتقنية في محادثات سد النهضة الإثيوبي، لكنها لم تقم بوساطة، ويجب على الاتحاد الأفريقي أن يحل الأزمة”.

وألمح شكري عشية زيارة الوزير الروسي إلى أنه سيبحث معه موضوع سد النهضة والدور الذي يمكن لروسيا أن تلعبه من خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي.

وبعد انسداد أفق المفاوضات بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة ثانية، تميل القاهرة إلى العودة لطرح الأزمة على مجلس الأمن، وكي لا تدخل في تعقيدات سياسية جديدة تعمل على ضمان أن تتعاون معها بعض القوى الإقليمية والدولية.

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن فكرة الوساطة من قبل روسيا أو غيرها لن تكون منتجة ما لم يكن هناك استعداد من جانب إثيوبيا لتقبلها، ومع تشبثها بوساطة الاتحاد الأفريقي لن تستطيع موسكو أو غيرها ممارسة دور فاعل في هذا الفضاء.

وأضافت المصادر ذاتها أن تدخل موسكو بممارسة ضغوط على إثيوبيا أو دعم للقاهرة في مجلس الأمن يتوقف على ما ستحصل عليه من مصر في المقابل، فالبراغماتية الطاغية على إدارة الرئيس بوتين تؤكد أن أي تدخل لن يكون مجانيا.

وعلى الرغم من التحسن الكبير في العلاقات بين البلدين ووصولها إلى اتفاقيات ومستوى رفيع من التحالف الإستراتيجي فإنها على الأرض تواجه مطبات ظهرت ملامحها في تعثر استئناف تدفق السياحة الروسية إلى مصر، عقب سقوط طائرة روسية فوق صحراء سيناء في أكتوبر 2015.

وتجد موسكو في الدور المحوري الذي تلعبه القاهرة في ملف غاز شرق البحر المتوسط عائقا أمام طموحاتها في استمرار احتكار الغاز ومد خطوطه إلى أوروبا، وحاولت البحث عن أطر مشتركة معها، لكن مصر بدت قريبة من التعاون مع الدول الأوروبية أكثر من روسيا.

وتطلعت روسيا إلى أن تسهم الاتفاقيات العسكرية في الحصول على تسهيلات نوعية في الموانئ البحرية بمصر، والتنسيق والتعاون معها في كل من ليبيا والسودان، لكنها لم تحصل على نتيجة إيجابية في هذه القضايا.

وأكد مراقبون أن القاهرة لا تريد التضحية بعلاقتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، وتعمل على إحداث توازن دقيق بين الجانبين، وتلويحها بوساطة روسية في أزمة سد النهضة ينطوي على رغبة في استفزاز الإدارة الأميركية كي تقوم بتحركات حقيقية للضغط على إثيوبيا قبل فوات الأوان.

وفهمت موسكو الرسالة على هذا النحو، فلم تقدم ردا واضحا بخصوص الوساطة أو الضغوط، لأنها تريد أن تحقق مكاسب من الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، حال اقترابها من أزمة السد، وهو ما يضمن لها وجودا إستراتيجيا مؤثرا في المنطقة.

العرب