منذ أن أعلنت الولايات المتحدة عزمها إحياء الاتفاق النووي مع إيران قادت إسرائيل حملة ضغوط شديدة على حليفتها واشنطن من أجل ثنيها عن المضي قدما في ذلك الاتجاه، إلا أن الضغوط الإسرائيلية تجاوزت الجهود الدبلوماسية إلى التلويح بالحل العسكري ضد طهران.
القدس – حذر أكثر من ألفي ضابط إسرائيلي متقاعد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، في وقت لا يستبعد فيه خبراء عسكريون توجيه تل أبيب ضربة عسكرية جوية إلى المنشآت النووية الإيرانية إذا مضت واشنطن في إحياء الاتفاق النووي مع طهران دون الأخذ بعين الاعتبار المخاوف الإسرائيلية.
ووقّع الضباط الإسرائيليون المتقاعدون على رسالة صاغها “منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي”، ووجهها إلى البيت الأبيض. والمنتدى هو مؤسسة غير حكومية تضم ضباطا متقاعدين في الجيش وأجهزة مخابرات إسرائيلية.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية، الثلاثاء، إن الموقعين “أعربوا عن قلقهم من مساعي واشنطن وعدّة دول أوروبية لإنعاش الاتفاق النووي، وسط تجاهل مخاوف دول في الشرق الأوسط من الصفقة المحتملة”.
وأضافت أن الموقعين “أشاروا إلى أن النظام الإيراني يسعى بشكل صريح وعلني إلى تدمير إسرائيل، معتبرين أن منعه من امتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية هو أمر أساسي لمنع حدوث كارثة”.
وكانت إسرائيل عبرت في الأسابيع الأخيرة عن قلقها من نية إدارة بايدن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015 والذي انسحبت منه إدارة دونالد ترامب في عام 2018 وصعّدت مؤخرا لهجتها تجاه أي اتفاق محتمل قائلة على لسان رئيس وزرائها المكلف بنيامين نتنياهو “أي اتفاق مع إيران لن يكون ملزمنا لنا”.
وقال نتنياهو الأسبوع الماضي في مؤتمر صحافي جمعه بوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في القدس إن “إيران لم تتخل قط عن سعيها لامتلاك أسلحة نووية” وإن “إسرائيل لن تسمح لها أبدا بصنعها”.
وكشفت تقارير إعلامية إسرائيلية أن إيران اتخذت مؤخرا عدة خطوات قد تسمح لها بأن تختصر بشكل كبير الوقت الذي سيستغرقه تطوير سلاح نووي، إذا قرر النظام الاندفاع إليه، رغم إعلانها عن رغبتها في التفاوض بشأن اتفاق نووي جديد.
وأشارت التقارير إلى أن تحركات إيران الأخيرة، بما في ذلك تكديس اليورانيوم المخصب منخفض الدرجة وتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة وتوسيع العديد من المنشآت النووية ومتابعة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 في المئة ومؤخرا الإعلان عن خطط لإنتاج معدن اليورانيوم لوقود المفاعل، تعني أن توجّه إيران نحو الأصول النووية آخذ في الازدياد.
وفي وقت سابق قال داني ياتوم، الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، إن “على تل أبيب منع إيران من الحصول على السلاح النووي، حتى لو اضطرت إلى استخدام القوة العسكرية”.
وذكر ياتوم، الذي ترأس جهاز الموساد ما بين 1999 و2001، أن على إسرائيل إبقاء الخيار العسكري “على الطاولة” في ما يتعلق بمواجهة سعي طهران للحصول على السلاح النووي.
وتابع “إذا واجهت إسرائيل تهديدا وجوديا فإن عليها استعمال كل الوسائل المطلوبة، بما في ذلك القوة العسكرية، من أجل الدفاع عن مواطنينا في مواجهة تهديد وجودي”.
وكشفت مصادر إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يناقش ثلاثة خيارات عسكرية لمواجهة محتملة مع إيران.
وأفادت مصادر سياسية في تل أبيب بأن الجيش الإسرائيلي تقدم إلى الحكومة لطلب زيادة كبيرة في ميزانيته تقدر بعدة مليارات، وذلك لكي يمول “الخطة المعدلة للتعامل مع التهديدات في الشرق الأوسط؛ خصوصاً التهديد النووي الإيراني”.
وقالت صحيفة يسرائيل هيوم، المقربة من نتنياهو، إن “الجيش الإسرائيلي يعمل على إعداد خطة عملية جديدة تتعامل مع التهديدات الإيرانية في الشرق الأوسط، وتتطلع إلى تقويض جهود طهران النووية”، مشيرة إلى أن هناك نقاشا يدور حول “خطة مركبة تتضمن ثلاثة خيارات سيتم إعدادها خلال الفترة القريبة قبل أن تعرض على الجهات السياسية”.
ولا يستبعد مراقبون، بناء على تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، أن تقوم تل أبيب باعتداء جوي وصاروخي بعيد المدى، تستهدف من خلاله نقاطا محددة داخل إيران، ومنها أهداف معدّة لمواقع ومنشآت نووية تشترك أو اشتركت سابقا مع الولايات المتحدة في كشفها، فتدمر بهذه الضربة المنشآت النووية الإيرانية الأكثر قدرة في الإمكانية وفي التوقيت على تصنيع قنبلة نووية، وبعد ذلك ستجد أن عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي لن تكون مزعجة لها، على الأقل في المدى المنظور.
وفي عهد إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي باراك أوباما التي قادت الجهود الدبلوماسية مع إيران كانت إسرائيل تهدد بين الحين والآخر بشن ضربات جوية وقائية على مواقع نووية إيرانية.
وشكك بعض المسؤولين الأميركيين آنذاك في قدرة إسرائيل، التي يتردد أن ترسانتها العسكرية تشمل أسلحة نووية، على توجيه ضربات فعّالة ضد الأهداف الإيرانية البعيدة والمتناثرة وشديدة التحصين، لكن المعطيات تغيّرت اليوم.
والأسبوع الماضي انطلقت في فيينا مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي بين إيران وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا وبمشاركة غير مباشرة للولايات المتحدة.
وتهدف المفاوضات إلى إعادة واشنطن للاتفاق، وتمهيد الطريق لتراجع إيران عن تملصها من القيود التي فرضت عليها بموجبه، حيث زادت عمليات تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة ثم إلى 60 في المئة، متجاوزة نسبة 3.67 في المئة المسموح بها.
العرب