أوشكت تخمة النفط غير المسبوقة التي شهدتها الأسواق خلال جائحة فيروس كورونا على الانتهاء، ولكن تعافي الأسعار الذي ينقذ المنتجين يزعج المستهلكين.
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، فإنه بالكاد بقي خُمس الفائض الذي تدفق على مرافق التخزين في الاقتصادات المتقدمة عندما انهار الطلب على النفط خلال العام الماضي حتى فبراير/شباط، ومنذ ذلك الحين، تضاءلت الكميات المتبقية وسط تراجع المعروض.
وقال الكاتبان غرانت سميث وجوليا لي، في تقرير نشره موقع “بلومبيرغ” (Bloomberg) الأميركي، إن العرض والطلب على النفط يشهد حالة توازن في وقت لا تزال منظمة أوبك وحلفاؤها يتبعون سياسة كبح الإنتاج، مع انتعاش الطلب العالمي على الوقود، ونتيجة لذلك، وصلت أسعار النفط الخام الدولية إلى ما يقارب 67 دولارا للبرميل، وهي نعمة للمنتجين ولكنها مصدر قلق متزايد لسائقي السيارات والحكومات التي تخشى تضخم الأسعار.
وذكر إد مورس، رئيس أبحاث السلع في شركة “سيتي غروب” (Citigroup)، أن مخزونات النفط التجارية عبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عادت إلى المتوسط المسجل في 5 أعوام، وما تبقى من الفائض يتركز بالكامل تقريبا في الصين، التي تعمل على بناء احتياطي دائم من البترول.
وأوضح الكاتبان أن كميات النفط المتراكمة لم تنفد تماما، ويبدو أن هناك فائضا كبيرا لا يزال موجودا قبالة ساحل مقاطعة شاندونغ الصينية، والذي قد يكون تراكما بهدف تغذية مصافي التكرير الجديدة، وذلك وفقا لشركة “آي إتش إس ماركيت” (IHS Markit) المحدودة للاستشارات.
قد يستغرق التخلص مما تبقى من الفائض العالمي بعض الوقت، حيث يعمل تحالف أوبك بلس على إحياء بعض الإمدادات المتوقفة، في الأثناء يمكن لتفشي السلالات الجديدة من فيروس كورونا في الهند والبرازيل أن يهدد بتراجع الطلب، ومع ذلك، يبدو أن نهاية التخمة وشيكة.
وحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، بلغت مخزونات النفط في الاقتصادات المتقدمة أكثر من متوسط المخزونات بين 2015 و2019 بنحو 57 مليون برميل اعتبارا من فبراير/شباط، مقارنة بـ 249 مليونا المسجلة في يوليو/تموز.
تعكس هذه المعطيات تحولا ملحوظا عما كان عليه الوضع قبل عام، عندما تسببت عمليات الإغلاق في تراجع الطلب العالمي على الوقود بنسبة 20% وحذرت شركة “غانفور غروب” (Gunvor Group) المحدودة من نفاد مساحة تخزين النفط.
استنفدت الولايات المتحدة المخزون المتراكم عمليا، فقد انخفض إجمالي مخزونات النفط الخام أواخر فبراير/شباط إلى 1.28 مليار برميل، وهو مستوى سُجل قبل انتشار فيروس كورونا، ولا يزال قريبا من هذه الأرقام، وفقا لإدارة معلومات الطاقة. وفي الأسبوع الماضي، تراجعت المخزونات في الساحل الشرقي إلى أدنى مستوياتها منذ 30 عاما على الأقل.
وحسب مرسيدس مكاي، كبيرة المحللين في شركة “فاكتس غلوبال إينرجي” (FGE) للاستشارات “بدأنا نشهد انتعاش عمليات تشغيل المصافي في الولايات المتحدة، وهو ما سيكون مفيدا لتقليص مخزون الخام المحتمل”.
وسجل أيضا انخفاض في الاحتياطي البترولي الإستراتيجي للبلاد، وهو عبارة عن كهوف ملحية تستخدم لتخزين النفط للاستخدام في حالات الطوارئ، وقد سمح ترامب للتجار وشركات النفط بالاحتفاظ بفائض المعروض مؤقتا، وفي الأشهر الأخيرة أزالوا حوالي 21 مليون برميل من الموقع، حسب أشخاص مطلعين على الأمر.
كما أن فائض النفط المتجمع في بحار العالم آخذ في التناقص، فقد تم تحويل الناقلات إلى مستودعات عائمة مؤقتة عندما امتلأت مرافق التخزين البرية العام الماضي، لكن هذه الكمية في تراجع وفقا لشركة “آي إتش إس ماركيت” المحدودة، لقد تراجع الفائض بنسبة 27% الأسبوعين الماضيين إلى 50.7 مليون برميل، وهو أدنى مستوى في عام، حسب تقديرات يان لينغ وفوتيوس كاتسولاس محللي الشركة.
وهناك مؤشر آخر مهم وهو استنزاف صهاريج تخزين الخام في مركز خليج سالدانها، الذي يكتسي أهمية من الناحية اللوجستية على الساحل الغربي لجنوب أفريقيا. إنه موقع شهير للمتداولين يتيح لهم المرونة في إرسال الشحنات بسرعة إلى أسواق مختلفة، ومن المتوقع أن تنخفض المخزونات في المحطة إلى 24.5 مليون برميل، وهو أدنى مستوى في عام، وفقا لبيانات السفن التي يتابعها موقع بلومبيرغ.
وبالنسبة لتحالف أوبك بلس -الذي يضم 23 دولة بقيادة السعودية وروسيا- فإن تراجع المخزون دليل على نجاح الإستراتيجية الجريئة التي اعتمدوها قبل عام، فقد خفض التحالف الإنتاج بمعدل 10 ملايين برميل يوميا في أبريل/نيسان الماضي، أي ما يقرب من 10% من الإمدادات العالمية، وهو الآن بصدد العودة تدريجيا إلى تعويض الإنتاج.
وقد أعلنت منظمة البلدان المصدرة للبترول أن هدفها الرئيسي هو عودة المخزونات المتضخمة إلى مستوياتها المعهودة قبل الوباء، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت المنظمة ستسمح بالعودة إلى الإنتاج العادي بمجرد تحقيق هذا الهدف. ففي الماضي، شجعت الأسعار المرتفعة المجموعة على مواصلة اتباع سياسة الإنتاج المحدود حتى بعد الوصول إلى الهدف المنشود.
نعمة ونقمة
بالنسبة للدول المستهلكة، فإن التخلص من المخزون ليس نعمة، وقد أظهرت بيانات جمعية السيارات الأميركية أن السائقين في كاليفورنيا قلقون من دفع ما يقرب من 4 دولارات مقابل غالون البنزين. واشتكت الهند، وهي مستورد رئيسي للنفط، من المشاكل المالية التي قد تنجر عن عودة الأسعار إلى الارتفاع.
وفي مختلف الأحوال والظروف، يجب أن تستمر عملية موازنة العرض والطلب، ومع زيادة الطلب بشكل أكبر، ستنخفض المخزونات العالمية بمعدل 2.2 مليون برميل يوميا في النصف الثاني من العام، مما يدفع خام برنت إلى 74 دولارا للبرميل أو حتى أعلى، حسب توقعات شركة “سيتي غروب”.
المصدر : بلومبيرغ