أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، اليوم الفائت، بأن الإدارة الأمريكية أرسلت إلى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، رسالة حاسمة بشأن إيران.وكشفت الصحيفة عن نقل الولايات المتحدة رسائل إلى إسرائيل، للتعبير عن استيائها من الهجمات المنسوبة إلى تل أبيب ضد أهداف إيرانية خلال الفترة الأخيرة، بالتزامن مع المحادثات الجارية في فيينا حول الاتفاق النووي.
وأكدت أن الإدارة الأمريكية غاضبة مما أسمته بـ “التبجح” الإسرائيلي في أعقاب الهجمات على أهداف إيرانية مختلفة، نسبت إلى تل أبيب، ما سبب بدوره الحرج إلى واشنطن، ليهدد بدوره المفاوضات الدائرة مع إيران في فيينا.
وفي تصعيد جديد وبما ينبئ بتغيير قواعد الاشتباك في سوريا بين إسرائيل وإيران، سقط في الساعات الأولى من فجر أمس صاروخ في محيط مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي في النقب في فلسطين المحتلة، وتزامن مع إطلاق قوات الاحتلال صفارات الإنذار. وجاء الرد الإسرائيلي سريعاً عبر تنفيذ 11 غارة على الأقل، فجر أمس على قاعدة للدفاع الجوي في منطقة الضمير شرقي مطار دمشق الدولي.
أهمية الصاروخ في هذا التوقيت، وأن توقيت الاستهداف يشير إلى أن الصاروخ أطلق بشكل متعمد، وليس كما تقول إسرائيل إن الصاروخ “طائش”. وأن إيران أرادت إرسال رسالة لإسرائيل بعد عدة ضربات موجعة تلقتها طهران في أكثر من مكان خلال الفترة الماضية.
إن حرب الظل بين طهران وتل أبيب متواصلة، خاصة مع حديث موقع أكسيوس الأمريكي عن خلافات إسرائيلية أمريكية بخصوص عودة واشنطن للاتفاق النووي، حيث ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية على حلفائها الإقليميين باتجاه سياسة ضبط النفس مع السلوك الإيراني، وهي السياسية نفسها التي تتبعها حاليا واشنطن مع طهران، وما أدل على ذلك تعرض المصالح الأمريكية في العراق إلى اعتداءات مستمرة من قبل حلفاء إيران في العراق لكن دون رد أمريكي. وهذا ما شجع
أن التطور الأخير يشير إلى أن ما جرى هو خطة معدة سابقاً، ما يعني أن الصراع الإيراني – الإسرائيلي والذي يستخدم الساحة السورية لتمرير الرسائل، قد وصل إلى مرحلة خطيرة. منذ عام 2013 تستخدم الساحة السورية لتمرير الرسائل، وتستهدف إسرائيل الوجود الإيراني العسكري هناك، وأيضاً شحنات السلاح لحزب الله اللبناني. أنه لا يمكن القول بأي حال إنه رد سوري، بل تصرف إيراني على الأراضي السورية وكأن إيران هي التي تملك القرار، والميل إلى الرواية الإيرانية بأنه ردة فعل إيرانية على الهجوم الإسرائيلي على نطنز في إيران.
إذن هي عديدة الخلاصات التي يُتاح استنتاجها من واقعة سقوط الصاروخ:
الخلاصة الأولى هي أنّ منشآت الاحتلال النووية لم تعد بمنأى عن الأخطار المحدقة، في عصر الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة؛ بافتراض أنّ إرادة سياسية لدى خصوم دولة الاحتلال يمكن أن تكسر قاعدة اشتباك كبرى ذات صلة بمفاعل ديمونة، أو أنّ شرارة عابرة يمكن أن تطلق اللهيب حتى بمعزل عن الإرادة والقرار والتصميم.
الخلاصة الثانية هي أنّ إطلاق الصاروخ كان، أغلب الظنّ، قراراً إيرانياً أكثر من كونه تحولاً دراماتيكياً في منهجية تعامل النظام السوري مع الغارات الإسرائيلية المتكررة؛ إذْ بات من الثابت، على مدار عقود وليس سنوات في الواقع، أنّ الأسد اعتمد ردّ فعل وحيد له طابع لفظي، يتكئ دائماً على حكاية احتفاظ النظام بحقّه في اختيار الزمان والمكان المناسبين للردّ.
الخلاصة الثالثة تتصل بالبون الشاسع، كما تشير الدلائل على الأقلّ، بين السطوة العالية التي يتمتع بها الضباط الإيرانيون في تسيير أمور جيش النظام السوري وتسخير أسلحته التقليدية، وبين القصور الهائل الأقرب إلى الانعدام في مقدار تحكّمهم بالأسلحة الروسية المتقدمة التي يستخدمها الجيش ذاته والتي تخضع ـ في أوّل الأمر وآخره، كما يلوح ـ لقرار الضباط الروس وسياسة الكرملين في العلاقة مع إسرائيل. ولا تُنسى، في هذا السياق، مسؤولية الصاروخ القديم ذاته عن إسقاط طائرة استطلاع روسية، بطريق الخطأ، في سماء اللاذقية خريف 2018، أسفرت عن مقتل 15 عسكرياً روسياً.
خلاصة رابعة تشير إلى تقارير سبق أن كشفت النقاب عنها أسبوعية «نيوزويك» الأمريكية، تفيد بأنّ طهران نجحت في تهريب عدد من الصواريخ بعيدة المدى إلى داخل اليمن، في إطار تزويد الحوثيين بأسلحة ستراتيجية التأثير قد تتيح تغيير الموازين العسكرية في الحرب الراهنة ضدّ السعودية. لكنّ بعض أنواع هذه الصواريخ يمتلك أمدية كفيلة بإصابة أهداف في العمق الإسرائيلي، وأنّ منطقة ديمونة تحديداً ليست بذلك بعيدة عن قدرات هذه الصواريخ؛ وما دامت طهران ترخّص للحوثيين قصف منشآت سعودية حيوية مثل المصافي والمطارات المدنية، وحروب الشدّ والجذب مع واشنطن حول إعادة إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات قائمة ومحتدمة؛ فما الذي يدفع المرشد الأعلى الإيراني إلى «التعقّل» في دفع الحوثي إلى استهداف إسرائيل، سوى (في طليعة أسباب أخرى متعددة) الإبقاء على قواعد الاشتباك في حدود منضبطة، لا ترقى البتة إلى المواجهة الشاملة؟
وتبقى خلاصة الخامسة تعيد الارتباط مع الخلاصة الأولى، وقد أحسن التعبير عنها المعلّق الإسرائيلي سيث فرانتزمان حين كتب، في «جيروزاليم بوست» أنّ صاروخ ديمونة «يمثّل ذلك النوع من اختزال جميع المخاوف التي ترافق الناس وهم يأوون إلى الفراش آملين ألا يستفيقوا عليها». لكنها مخاوف صوتية في نهاية المطاف، على شاكلة الرسالة الإيرانية التي حملها صاروخ ديمونة، ليس لأنّ طهران تمقت التسبب في الكوارث، فما تفعله في سوريا ضدّ الشعب السوري أفظع بكثير من صفة الكارثة؛ وإنما لأنّ أية كارثة تصيب الاحتلال الإسرائيلي يمكن أن تقذف إيران في أتون كوارث كبرى لا عدّ لها ولا حصر. خير، إذن، أن يكتفي المرشد الأعلى بالصاروخ الصوتي، ومفردات رسالته، والتوريط هنا وهناك، والزعم بأنّ ثأر نطنز قد تحقق.
إسرائيليا، ترى إسرائيل في إيران خطرا على وجودها، وقد سعت للحدّ من مسعى إيران لتوسيع نفوذها الإقليمي بمزيج من العمليات العسكرية والسرية، بما في ذلك ما تقول طهران إنها هجمات تخريبية على برنامجها النووي.وعلى رأس قائمة الأهداف الإسرائيلية أيّ بنية تحتية يمكن أن تعزز مساعي إيران لإنتاج المزيد من الصواريخ دقيقة التوجيه، التي يمكن أن تضعف التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة وليس أيّ إمكانيات عسكرية قائمة مرتبطة بإيران.
ويعتبر تطوير الصواريخ دقيقة التوجيه سرا في سوريا نشاطا أقل عرضة للهجمات الإسرائيلية من نقلها عن طريق البر أو الجو من إيران. ولا يعتقد يوسي كوبرفاسر المدير العام السابق لوزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، أن إسرائيل مهتمة بضرب كل هدف يخص القوات التي تعمل تحت قيادة إيرانية، فهذه ليست المشكلة.وقال كوبرفاسر الرئيس السابق لجناح الأبحاث في المخابرات العسكرية الإسرائيلية لوكالة رويترز “نحن نحاول ضرب الأهداف ذات الأثر الاستراتيجي.. نريد منع إيران من تحويل سوريا إلى قاعدة لها قريبة من إسرائيل ربما تحدث تغييرا استراتيجيا جذريا في الوضع، ولهذا السبب نواصل دك القواعد الإيرانية حتى لا تسيطر إيران على البلد”.
ولا تنكر طهران أنها تلعب دورا في إعادة بناء البنية التحتية، التي دمرتها الحرب في سوريا من مشاريع البناء إلى شبكات الكهرباء. لكن مصادر إيرانية تنفي تدخل إيران في ما يفعله نظام الأسد، بخصوص الأيدي العاملة الإيرانية التي يتم إرسالها إلى سوريا. وسبق أن قالت إيران إن لها مستشارين عسكريين في سوريا لمساعدة قوات الأسد، وإنها ستواصل سياسة “مقاومة” القوة الأميركية والإسرائيلية في الشرق الأوسط عموما.
يرى الخبراء في الشأن الإسرائيلي، إن اسرائيل واقعة الآن في مأزق أمني كبير وخطير حتي لم تعد تعرف كيف يمكنها الخروج منه بسلام او بأقل قدر ممكن من الخسائر والاضرار. فهي لا تعرف كيف تقنع ادارة الرئيس الامريكي بايدن بالتوقف عن المضي في نهجها التفاوضي الحالي والذي بات يؤشر بقرب عودتها للاتفاق النووي الذي سبق لادارة الرئيس ترامب الانسحاب منه ، وما سوف يترتب علي تلك العودة المحتملة من رفع العقوبات الدولية الشاملة المفروضة علي ايران، والتي كان لها دورها في عدم تمكينها من الانطلاق الي تطوير انشطتها التسليحية ، وفي تحجيم قدرنها علي التمدد والانتشار في محيطها الاقليمي الواسع بكل ما ينطوي عليه هذا التمدد الايراني من اخطار وتحديات أمنية حقيقية.
ان فشل هذا المسعي الاسرائيلي، وهو الاحتمال الأرجح ، يعني انه لم يبقي أمام اسرائيل سوي خيار اخير بالغ الجرأة والخطورة والتكلفة، وهو بمحاولة توريط حليفها الامريكي، رغما عنه ، مستغلة في ذلك علاقة الشراكة – التحالف الاستراتيجية الرسمية التي تجمعهما ببعضهما منذ انضمام اسرائيل الي عضوية القيادة المركزية الامريكية في مطلع العام الماضي، بتوجيه ضربة عسكرية مدمرة الي بعض الاهداف الاستراتيجية الايرانية الحساسة ، من مفاعلات نووية وغيرها من المواقع العسكرية المهمة أما وجه الخطورة هنا فهو انه في حالة قيام ايران بالرد عليها فسوف تشتعل حرب اقليمية واسعة لن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية ان تبقي بعيدة عنها، وإنما ستتورط فيها منذ اللحظة الاولي لاندلاعها ، وستلقي فيها بكل ثقلها العسكري الضارب الي جانب اسرائيل، ووقتها سوف نكون امام اخطر السيناريوهات واشدها دمارا وافدحها تكلفة ، وقد تفجر المنطقة برمتها بصورة غير واردة في بال احد منا الآن.
لا نعتقد ان هذه التداعيات الرهيبة المحتملة غائبة عن حسابات وتوقعات الاسرائيليين ، او عن تقديرهم من ان المجازفة بحرب كبيرة ضد ايران قد تكون مدمرة لهم الي حد الانتحار ، وبالتالي فهم الآن امام تساؤل كبير من الصعب الاجابة عليه وهو : ما هو السيناريو البديل لهذا كله ؟ والي متي تبقي اسرائيل مترددة او عاجزة عن الفعل وهي تري ايران تسرع الخطي لانتاج سلاح نووي؟ وهل هناك طريق ثالث مفتوح امام اسرائيل يمكنها التحرك فيه ويضمن لها في الوقت نفسه امنها ويوفر عليها كل هذا الدمار المحتمل ؟ وما هو السبيل لعدم تمكين ايران من حيازة السلاح النووي ولتبقي قدراتها التسليحية تحت السيطرة وضمن الحدود الآمنة التي يمكن لاسرائيل تحملها والوثوق فيها ؟