نجامينا – قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة إنه لن يسمح لأحد بتهديد تشاد، وذلك أثناء مشاركته في جنازة رئيس البلاد إدريس ديبي الذي قُتل على جبهة القتال أثناء التصدي لمتمردين هذا الأسبوع، وهو ما يعكس قلقا فرنسيا من خسارة نفوذها في البلاد بعد مقتل حليفها ديبي، لذلك ستواصل دعم ابنه محمد الذي يواجه رفضا داخل مؤسسة الجيش، لاستمرار الدور الإقليمي الذي كان يلعبه والده في حماية مصالحها.
وذكر ماكرون في كلمة خلال جنازة ديبي “لن نسمح لأحد بتهديد استقرار تشاد ووحدة أراضيها.. لا اليوم ولا غدا”. ورغم نفي باريس أن تكون هي الجهة التي قصفت طائراتها مواقع للمعارضة، فإن مراقبين لم يستبعدوا أن تكون فرنسا قد أرسلت من خلال هذا القصف رسالة دعم للحاكم التشادي الجديد وتحذير لخصومه مفادها أنها لن تتخلى عن تشاد.
وتحوم استفهامات كثيرة حول الجهة الدولية التي تقف خلف المعارضة المسلحة وسط تكهنات بوجود دور روسي تستند على انطلاق المجموعات المتمردة من ليبيا التي تحولت مناطق منها في الشرق والجنوب إلى ساحة نفوذ روسي.
وبعد وفاة إدريس ديبي أعربت فرنسا في عدة مناسبات عن قلقها بشأن “استقرار تشاد ووحدة أراضيها”.
وتساءل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الخميس “هل سيضمن المجلس العسكري الانتقالي استقرار تشاد ووحدة وسلامة أراضيها؟”. كما تساءل عن قدرته على “تطبيق عملية ديمقراطية” مع احترام التزاماته العسكرية في المنطقة.
وأبدى وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الملاحظات نفسها. وقال خلال زيارة إلى موريتانيا الخميس قبل التوجه إلى جنازة إدريس ديبي “يجب أن نساعد تشاد. يجب أن نتجاهل الاعتبارات السياسية”.
ويقول المراقبون إن ما يقلق فرنسا بالدرجة الأولى ليس وجود المعارضة المسلحة، ولكن مدى قدرة الشاب محمد إدريس ديبي (37 عاما) على ضبط الأمور بما يحفظ له خلافة والده ويحفظ لفرنسا دورها التاريخي.
ويعود مثار هذا القلق إلى أن انتقال السلطة لابن إدريس ديبي تم بشكل مفاجئ ودون استشارة واسعة لمكونات القيادة العسكرية، وفي ظل وجود شخصيات في مواقع متقدمة تبحث بدورها عن استلام السلطة.
وقال رولان مارشال المحلل في مركز الأبحاث الدولي التابع لجامعة العلوم السياسية في باريس إن الإدارة العامة للخدمات الأمنية لمؤسسات الدولة، الهيئة التي تتمتع بنفوذ كبير ويقودها الرئيس الجديد “قد تنقسم”.
وأضاف “سيحلون مشاكلهم كما فعلوا في الماضي، عن طريق محاولات القيام بتصفيات جسدية أي مع عنف مسلح في العاصمة”.
ومن شأن محدودية القبول بالقائد الجديد داخل مؤسسة الجيش أن تدفعه إلى الانكفاء لترتيب سلطته وبناء التحالفات، ما قد يعيقه عن لعب الدور الإقليمي الذي كان يقوم به والده، خاصة في الحرب على التنظيمات المتشددة.
ويرى محللون أن أكبر مستفيد من مقتل إدريس ديبي وارتباك البيت الداخلي للسلطة الجديدة هو التنظيمات المتشددة التي تحيط بتشاد من عدة جبهات.
ويقول الأستاذ الجامعي الكاميروني سيفرين تشوكونتي “عندما أصبحت جماعة بوكو حرام (الجهادية الناشطة في تشاد والنيجر والكاميرون) قادرة على إلحاق ضرر كبير، أخذ إدريس ديبي على عاتقه الذهاب إلى الجبهة”، مؤكدا أن رحيله سيؤدي بالتأكيد إلى “التراخي في الكفاح”.
وكان ديبي أرسل في فبراير الماضي 1200 جندي إلى المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو لتخفيف الضغوط على فرنسا العالقة في منطقة الساحل والتي باتت تخطط لتقليص وجودها العسكري والدفع بدول المنطقة إلى المشاركة بأكثر قوة في المعارك مع المتشددين الإسلاميين الذين باتوا أكثر قدرة على المناورة وتحقيق المكاسب الميدانية.
لكنه عاد ليلفت الأنظار إليه حين قال منذ أسبوع إن بلده لن يشارك من الآن فصاعدا في عمليات عسكرية خارج الحدود، في خطوة قال مراقبون إنها تظهر وجود توتر بين ديبي وجهات فاعلة في الحرب على الإرهاب قد تكون بينها فرنسا، وأن هذا قد يفسّر غياب تدخل فرنسي ناجع وحاسم لنجدته خلال وجوده على الجبهة.
وقال ديبي في كلمة بثتها وسائل الإعلام المحلية “شعرت تشاد أنها تقاتل بوكو حرام بمفردها منذ أن أطلقنا هذه العملية، مات جنودنا في بحيرة تشاد والساحل. واعتبارا من اليوم (الـ11 من أبريل الحالي) لن يشارك أيّ جندي تشادي في أيّ عملية عسكرية خارجية”.
وقالت مصادر عدة إن تشاديين من القوة المشتركة في بحيرة تشاد يستعدون للرحيل بعد شهرين فقط من وصولهم إلى المنطقة.
وسواء عادوا أو لم يعودوا، يرى إيفان غيشاوا الباحث في جامعة “كنت” أن ما حدث يعد “ضربة للجهود الأخيرة لسوحلة مكافحة الإرهاب” التي دفعت باتجاهها فرنسا الموجودة في منطقة الساحل حيث تنشر 5100 جندي وتريد تقليص وجودها هناك.
العرب