يفترض ان تنتهي اليوم، الثلاثين من نيسان/ أبريل، المهلة التي منحتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق للأحزاب والكيانات السياسية التي ستخوض انتخابات مجلس النواب المفترضة لعام 2021، من أجل تقديم تحالفاتها (في حال رغبتها بالدخول في تحالفات) وأسماء مرشحيها. ومن خلال المعطيات، واضح أن الآليات التي حكمت تشكيل هذه التحالفات في الانتخابات الأربعة السابقة، لاتزال حاكمة، مع بعض المتغيرات التي فرضتها جملة عوامل موضوعية.
فللمرة الثانية بعد انتخابات العام 2018 لم نعد أمام تحالفات واسعة بين الأحزاب الشيعية، على عكس ما كان عليه الأمر في انتخابات العام 2005 عندما دخلت القوى الشيعية الثلاثة الرئيسية حينها (المجلس الأعلى وحزب الدعوة والتيار الصدري) فضلا على الأحزاب الشيعية الصغيرة الأخرى، ضمن تحالف واحد هو (الائتلاف العراقي الموحد) الذي حصل على 128 مقعدا حينها، أي ما نسبته 46.5٪ من مقاعد مجلس النواب (كان عدد المقاعد 275 مقعدا). والعام 2010 حين دخلت القوى الشيعية الرئيسية في تحالفين كبيرين: ائتلاف دولة القانون بزعامة حزب الدعوة الذي حصل على 89 مقعدا، والائتلاف الوطني العراقي الذي ضم المجلس الأعلى والتيار الصدري الذي حصل على 70 مقعدا، وكانت نسبة ما حصل عليه التحالفان 48.4٪ من مقاعد مجلس النواب (كان عدد المقاعد 328 مقعدا). وفي انتخابات 2014، وعلى الرغم من تشطي القوى الشيعية، استطاع تحالف دولة القانون أن يحصل على 92 مقعدا في هذه الانتخابات، في حين فضل كل من التيار الصدري (حصل على 33 مقعدا) والمجلس الأعلى (حصل على 30 مقعدا) خوض الانتخابات دون تحالفات، كما حصل تحالف الفضيلة والنخب على 6 مقاعد، وحصل تيار الإصلاح على 6 مقاعد.
اما في انتخابات 2018 فقد توزعت المقاعد على أربع قوائم شيعية رئيسية هي: سائرون (54 مقعدا) والفتح (47 مقعدا) ودولة القانون (26 مقعدا) والحكمة (19 مقعدا) مع قائمة شيعية أخرى ضمت مرشحين سنة هي تحالف النصر (42 مقعدا، كانت من بينها 12 مقعدا حصل عليها مرشحون سنة).
ومن الواضح ان القوائم الأربع هذه ستبقى نفسها في الانتخابات القادمة، مع تشظي تحالف النصر إلى تحالفين أو أكثر، سواء كانت انتخابات مبكرة ستجري في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 كما هو مفترض، أم في موعدها في منتصف العام 2022 كما نتوقع!
كرديا، من الواضح أن الحزبين الكرديين الرئيسيين سيدخلان هذه الانتخابات منفردين، تماما كما حصل في انتخابات العام 2014 و 2018، مع بقاء القوى الكردية الأخرى التي حصلت على مقاعد في انتخابات العام 2018 في دائرة المنافسة على بعض المقاعد، باستثناء التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة الذي حصل على مقعدين في العام 2018 بعد عودة رئيسه الرئيس برهم صالح إلى الاتحاد الوطني الكردستاني (في انتخابات العام 2018 حصلت حركة التغيير على 5 مقاعد فقط بعد ان كانت قد حصلت على 9 مقاعد في انتخابات العام 2014، والجيل الجديد 4 مقاعد، الجماعة الإسلامية الكردستانية على مقعدين، الاتحاد الإسلامي الكردستاني على مقعدين).
سنيا، يبدو واضحا أننا أمام متغيرات كبيرة ستلقي بظلالها على نتائج الانتخابات، المتغير الأول اختفاء أياد علاوي من الخارطة الانتخابية السنية، بعد ان ظل حاضرا فيها بقوة بداية من العام 2005، والمتغير الثاني هو حضور السلاح في مناطقهم. وسنكون في الانتخابات القادمة أمام قائمتين رئيسيتين هما تحالف العزم وحزب تقدم، فيما ستنافس قوائم أخرى على بعض المقاعد، سواء كانت قوائم ستنافس في أكثر محافظة، كما في القوائم التي سيتزعمها أسامة النجيفي وأحمد الجبوري وجمال الضاري، أو قوائم محلية كما في محافظتي نينوى وكركوك.
تتميز الانتخابات القادمة بأنها ستكون أول انتخابات تعتمد النظام الفردي، وتقسيم المحافظات إلى دوائر انتخابية متعددة بدلا من دائرة واحدة، وهو ما قد يفضي إلى نتائج غير متوقعة
حضور القوى السياسية الشيعية بقوة السلاح في المناطق ذات الغالبية السنية، كما حصل في انتخابات العام 2018 عندما حصلت على مقاعد لم تحصل عليها في الانتخابات السابقة (حصلت القوى الشيعية على 4 مقاعد في محافظة نينوى وعلى 3 مقاعد في محافظة صلاح الدين في حين لم تكن تحصل سوى على مقعد واحد في هاتين المحافظتين في انتخابات الأعوام 2005 و 2010 و 2014) سيكون هذه المرة أكثر تأثيرا، وعبر مرشحين سنة ينتمون إلى هذه المناطق، وهو ما يمكن ان يفقد التمثيل السني بعضا من مقاعده عمليا.
أما بالنسبة للقوى المدنية العابرة للهويات الفرعية، والقوى التي تستمد شرعيتها من احتجاجات تشرين، فمن الصعب عليها أن تنافس القوى المهيمنة، لاسيما مع وجود المحددات المؤثرة على نتائج الانتخابات قائمة، وهي محددات تطيح، بالضرورة، بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين.
أخيرا تتميز الانتخابات القادمة بأنها ستكون أول انتخابات تعتمد النظام الفردي، وتقسيم المحافظات إلى دوائر انتخابية متعددة بدلا من دائرة واحدة، وهو ما قد يفضي إلى نتائج غير متوقعة، على الرغم من أن القوى السياسية المهيمنة على القرار في مجلس النواب قد «رتبت» هذه الدوائر بطريقة اعتباطية لضمان النتائج فيها مقدما، وإنْ بشكل محدود، عبر إمكانية حصول بعض المستقلين الذين يخوضون الانتخابات دون الارتباط بجهة سياسية، على بعض المقاعد، إلا أن هذا الامر لن يكون له تأثير كبير، لأن هؤلاء سيضطرون للانضمام إلى الكتل الكبرى بعد إعلان النتائج لضمان الحصول على بعض المواقع داخل اللجان البرلمانية من جهة، وللحصول على الدعم السياسي وتعاون السلطة التنفيذية مع «طلباتهم» وهو الأمر الذي تضمنه الكتل الكبرى حصرا!
قلنا عندما تحدثنا عن تحالفات العام 2018، إن محددات ثلاثة هي التي تتحكم في تشكيل التحالفات السياسية؛ المال السياسي، والعلاقة بالدولة وأجهزتها ومن بينها القدرة على التأثير على نتائج الانتخابات عبر التزوير، وعدد الأصوات المحتمل التي يمكن ان يحصل عليه المرشح! خاصة وان الجميع يتعامل مع هذه التحالفات على انها مجرد وسيلة لعبور الانتخابات، وبالتالي فان ما يمكن ان يحصل عليه المرشحون من أموال لدعم حملتهم الانتخابية، حاسم هنا. والجميع مستعد للتخلي عن هذه الوسيلة وتبني أخرى بعد إعلان نتائج الانتخابات مباشرة لضمان صفقة أكثر ربحا؛ فالمصداقية والمواثيق لا مكان لها في هذا المزاد الانتخابي! صحيح أن قانون الانتخابات الأخير قد قرر أنه لا يحق لأي نائب الانتقال إلى كتلة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة (المادة 45) إلا أن الجميع يعلم أن لا قيمة، عمليا، لهذه المادة، ففي النهاية ما يحسم المفاوضات هو عدد الأصوات التي ستصوت داخل مجلس النواب، وليس الأصوات التي حصل عليها الحزب او الكيان او التحالف في الانتخابات، وبالتالي لا قيمة للعدد الذي حصلت عليه ما دمت غير قادر على ضمان تصويته معك في النهاية!
المحدد الآخر في بازار التحالفات الانتخابية هذا يكمن في علاقة زعماء هذه التحالفات بالدولة وأجهزتها، وهو ما يجعل من مبدأ «تكافؤ الفرض» مجرد خرافة في أية انتخابات عراقية! فالعلاقة بهيئة المساءلة والعدالة، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والقضاء، والسلطة التنفيذية، والمحافظين، والسلطات المحلية على مستوى القضاء والناحية، والقوات العسكرية والأمنية، ومدى قدرة الفاعل السياسي على استخدامها للتخلص من المنافسين السياسيين، أو لتصفير صفحات الحلفاء والمريدين، أو لتقديم الدعم للمرشح على الأرض لرشوة الجمهور، كل ذلك، بالنهاية، يحسم الأمر.
المحدد الأخير هو القدرة على التزوير المنهجي الذي أتاحه قانون الانتخابات عبر السماح باستخدام البطاقة الإلكترونية القابلة للتزوير، وعدم اشتراط البطاقة البايومترية غير القابلة للتزوير. فالمحصنون وحدهم، سياسيا او بالسلاح، من يستطيعون فعل ذلك من دون أي خوف من ملاحقة او محاسبة، لاسيما مع معرفة الجميع بان هناك مئات الآلاف من هذه البطاقات بحوزة الفاعلين السياسيين «المحصنين» الذين ضمنوا القدرة على استخدامها بموجب قانون الانتخابات نفسه! ففي انتخابات العام 2018 أثبتت كل أجهزة الدولة الرسمية أن ثمة تزويرا منهجيا قد حدث، ولكن لا أحد تمت ملاحقته او معاقبته، بل حصل «المزورون» على مكافآتهم، وصولا إلى تعيينهم وكلاء وزارات ومدراء عامين!
يحيى الكبيسي
القدس العربي