طالبان تريد تحويل الانسحاب الأميركي من أفغانستان إلى نصر كامل

طالبان تريد تحويل الانسحاب الأميركي من أفغانستان إلى نصر كامل

تعكس هجمات طالبان على أجزاء واسعة من أفغانستان خلال الأيام القليلة الماضية وسيطرتها على عدة أقاليم لطالما كانت معقلا لها أن الحركة المتشددة التي دخلت في مفاوضات سلام مع الحكومة في كابول ولم تحقق نتائج تذكر حتى الآن رغم وساطة الولايات المتحدة تريد أن تقلب الطاولة في اللحظات الأخيرة على إدارة الرئيس بايدن وتحويل انسحاب القوات الأميركية الذي بدأ في الأول من مايو الجاري إلى نصر كامل لها.

لندن – أصبح الطريق أمام سيطرة طالبان على أفغانستان مفتوحا مرة أخرى بعد أن خسرت أطراف داخلية وخارجية رهانها على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والذي يبدو أنه خيّب الآمال عندما بدأ فعليا في تنفيذ قرار سحب القوات الأميركية من البلاد مطلع هذا الشهر، وهو ما شجع الحركة المتطرفة على استغلال هذه الفرصة الثمينة.

واعتبر المحللون أن انتصارات الحركة المتشددة كبيرة ومهمة، ففي بضعة أيام اجتاح مسلحو طالبان أقاليم قندهار وغزنة وزابل وهلمند الولاية الجنوبيّة التي تعد أحد أبرز معاقل الحركة حيث تقع قاعدة كامب أنتونيك العسكرية، وسيطروا على أنحاء من مقاطعة بوركا في ولاية بغلان شمال البلاد وهم يسعون بلا هوادة للتوسع.

ومن الواضح أن مقاتلي طالبان إذا استمروا على هذا النهج وكثفوا من عملياتهم فإنهم على استعداد للسيطرة على العاصمة كابول كما فعلوا في العام 1996 ما يشي بعودة البلاد إلى مربع الفوضى مجددا ويجعلها بؤرة للجهاديين من مختلف أنحاء العالم خاصة وأن القاعدة وداعش لا يزالان ينشطان في البلد.

بعد عشرين عاما من غزو أفغانستان لطرد طالبان من السلطة وملاحقة فلول القاعدة أمر بايدن الشهر الماضي بانسحاب 2500 من أفراد القوات الأميركية و16 ألفا من المتعاقدين المدنيين نهائيا من هذا البلد. وأهدى الرئيس الأميركي بإعلانه، الذي يبدو أن حكومة كابول لم تكن مستعدة بعد له، متمردي طالبان نصرا دون مقابل كما يصفه الداخل الأفغاني.

وكان من المقرر أن تكون الولايات المتحدة قد انتهت من سحب جميع القوات في الأول من مايو الجاري بموجب اتفاقها مع طالبان العام الماضي، لكن واشنطن أرجأت الخطوة حتى 11 سبتمبر المقبل، ما أثار غضب الحركة. ويقول منتقدو القرار إن المتشددين سيحاولون العودة للحكم، فهو يأتي وسط تعثر جهود التوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان.

ويتبنى بايدن وجهة نظر مختلفة تماما عن نهج الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن، ولكنه يتبع نهجا يبدو مشابها للذي اتبعه الرئيس السابق دونالد ترامب عندما أعلن أن جميع القوات الأميركية ستنسحب بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر. وقد تبعه حلف شمال الأطلسي (ناتو) بالإعلان عن أن 7 آلاف جندي غير أميركي في أفغانستان سيغادرون في غضون بضعة أشهر.

وبالنسبة إلى الكثيرين يبدو السلام وكأنه بات حلما بعيد المنال، ويتابع المراقبون وحتى الأفغان أنفسهم كيف أن بلدهم قد تنجرف في دوامة من الانحدار مجددا، وبعد أن كانت تحدث الانفجارات بشكل شبه يومي في العاصمة كابول، سيكون عليهم الآن التعايش مع خطر عودة طالبان في أغلب مدن وأقاليم البلاد مع جيش ضعيف لا يمكنه مواجهة الجهاديين دون دعم غربي.

ويعتقد خبراء أنه إذا اشتد القتال أكثر ليصل إلى مناطق متباعدة بدرجة كبيرة عن العاصمة مثل قندوز في الشمال وفارياب على الحدود مع تركمانستان وهرات في غرب البلاد، ستكون القوات الأفغانية أمام واقع لا مفر منه وسوف تعيش تحت ضغوط بدرجة متزايدة في الأسابيع القادمة.

إصرار طالبان على تحقيق مكاسب على الأرض سيعيد البلاد إلى مربع الفوضى ويجعلها بؤرة لتمركز الجماعات الجهادية

والآن مع مرور عقدين من الزمن على انهيار نظامها الإسلامي المتشدد، تسعى الحركة المتمردة بقوة للعودة إلى الحكم، خاصة بعد توقيعها اتفاقا تاريخيا لسحب القوات الأجنبية مع الولايات المتحدة وإجراء مباحثات سلام مع الحكومة الأفغانية.

وشهدت أفغانستان خلال أسبوع واحد سلسلة من الأحداث التي تشي بأن طالبان مصرة على تنفيذ مخططها وأن مفاوضات السلام ما هي إلا واجهة لذلك، فالخميس الماضي استولت الحركة على ثاني أكبر سد بالبلاد بعد أشهر من القتال العنيف في معقلها السابق بولاية قندهار. وأكد مسؤولون محليون أن سد دحلة الذي يوفر مياه الري للمزارعين عبر شبكة قنوات وكذلك مياه الشرب لعاصمة الولاية أصبح الآن تحت سيطرة الجهاديين.

وقبل ذلك بيوم أعلنت مصادر أمنية أفغانية سقوط أنحاء من مقاطعة بوركا في ولاية بغلان شمالي أفغانستان بيد حركة طالبان إثر اشتباكات في وقت متأخر الثلاثاء. ونقلت قناة طلوع نيوز المحلية عن المصادر الأمنية قولها إن المسؤولين المحليين نقلوا مكاتبهم إلى أماكن أخرى في مقاطعة بوركا بعد سيطرة طالبان على أنحاء من المقاطعة.

وتمكنت طالبان من تحقيق انتصارات كبرى على القوات الأفغانية وتقدمت بقوة صوب عاصمة إقليم هلمند الجنوبي الاثنين الماضي. وقال عطاالله أفغان رئيس المجلس المحلي للإقليم إن المسلحين شنوا هجوما واسعا من عدة اتجاهات وهاجموا نقاط تفتيش على مشارف لشكركاه وسيطروا على عدد منها.

قلّلت وزارة الدفاع الأميركيّة من أهمّية القتال الذي دار طيلة الأسبوع الفائت بين القوّات الحكوميّة الأفغانيّة وحركة طالبان في أجزاء كثيرة من البلاد، مؤكّدةً أنّه لن يكون له أيّ تأثير على انسحاب القوّات الأجنبيّة من أفغانستان. وقد اعتبر جون كيربي المتحدّث باسم الوزارة أن “ما شهدناه كان مضايقات صغيرة لم يكُن لها تأثير كبير على رجالنا ومعدّاتنا وقواعدنا”. وأضاف “لم نرَ حتّى الآن أيّ شيء يمكن أن يؤثّر في الانسحاب”.

ويدرك وزير الدفاع لويد أوستن الدعم الذي تلقّته الولايات المتحدة على مدى السنوات العشرين الماضية من جانب أفغان في مختلف الأدوار. كما يدرك تمامًا المخاطر التي تعرّض لها هؤلاء الأشخاص وما زالوا يتعرّضون لها وكذلك عائلاتهم من خلال دعمهم لواشنطن وحلفائها في الناتو.

ومن منطلق الحرص على إبقاء العيون مفتوحة على البلد وإن كان ذلك من بعيد، أمر لويد أوستن بإرسال المزيد من التعزيزات إلى دول مجاورة لأفغانستان لتأمين انسحاب القوات الأجنبية الذي قال إنه يجري “كما هو مخطّط له”. لكن ليس من المعروف ما إذا كانت ستنجح هذه الخطة مع السيناريوهات الغامضة التي باتت تلف المشهد الأفغاني.

ومع ذلك يخشى البعض داخل البنتاغون ومجتمع المخابرات الأميركية من أن يعرض إعلان النجاح المبكر والانسحاب السريع بايدن لنفس الانتقادات التي عانى منها الرئيس السابق باراك أوباما عندما انسحب من العراق في عام 2011 بناءً على نصيحة بايدن نفسه. وشهد بعد ذلك ظهور تنظيم داعش الذي لا تزال شظاياه منتشرة في كثير من مناطق العالم.

وليس ذلك فحسب، بل يخشى آخرون من أن قرار بايدن قد يترك الولايات المتحدة في مكان مشابه لما كانت عليه قبل 11 سبتمبر 2001، أي مواجهة دولة مضيفة للقاعدة تهيمن عليها طالبان. فرغم وعودها بخلاف ذلك، يعتقد العديد من الخبراء أن طالبان تواصل رعاية علاقة وثيقة مع ما تبقى من الجماعة الإرهابية.

ويبقى الداخل الأفغاني المتخوف من سياسات الحركة المتشددة الجزء الأهم في إستراتيجية طالبان الداخلية، حيث سعت في السنوات الأخيرة إلى تهدئة الخواطر والانفتاح أكثر على المجتمع الأفغاني في جزء من مطالبه على الأقل، لكن يبدو أنها لم تفلح، فقد انقلبت على موقفها وهوما يبرز اليوم بوضوح على الساحة الأفغانية.

وفي مقابلة مع وكالة رويترز في مطلع 2019 قال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد “إذا حل السلام وعادت طالبان فلن تكون بنفس الأساليب القاسية كما كانت في 1996”. لكن يبدو أن هذا الكلام الذي اعتادت عليه طالبان ليس جديا، وهي تناقض نفسها اليوم فعليا فعقيدتها تمنعها من أن تحيد على مسار رسمته من أجل إقامة إمارة إسلامية في قلب آسيا الوسطى.

العرب