شكّل الاتفاق النووي مع إيران ربحاً كبيراً لهدف منع انتشار الأسلحة النووية. أما حول ما إذا كانت الدول الإقليمية الأخرى ستسلك الطريق المؤدي إلى السلاح النووي فذلك يعتمد على مدى التزام طهران بهذه الشروط وعلى النظر إلى الصفقة على أنها بمثابة حاجز فعال أمام حصول الجمهورية الإسلامية على سلاح نووي. والعامل الآخر المتغير في هذه المعادلة هو سلوك إيران الإقليمي. فهل ستستغل الأرباح المفترضة من تخفيف العقوبات لدعم عملائها؟ أما العامل المتغيرالثالث فهو دور الولايات المتحدة. فهل يُنظر إلى واشنطن على أنها شريك أمني موثوق به، ملتزم التزاماً كاملاً بمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية إلى أجل غير مسمى؟
ومع ذلك، لا بد من دراسة مخاطر انتشار الأسلحة النووية على مستوى الدول بشكل فردي. ففي خمسينيات وستينيات القرن الماضي درست مصر فكرة امتلاك أسلحة نووية وشاركت في بعض الأنشطة ذات الصلة على مر السنين. أما اليوم فهي تواجه تهديدات داخلية، لذلك من الصعب تصوّر سيناريو، يَعتبر فيه القادة المصريين أن الأسلحة النووية ضرورية. بالإضافة إلى ذلك، لا تمتلك القاهرة القدرات المالية لذلك.
أما بالنسبة لتركيا فهي أقوى على الصعيد الاقتصادي من مصر ولكنها لا تزال تكافح [لتجاوز بعض المصاعب التي تواجهها]. ومثلها مثل مصر، فهي لا تشعر بأنها مهددة من إيران بشكل مباشر، حيث ترى طهران على أنها منافس إقليمي.
ومن جهتها، تمتلك المملكة العربية السعودية الحافز الأكبر للوصول إلى نفس قدرات إيران النووية. ففي السنوات الأخيرة، تراجعت ثقة السعودية في موثوقية الولايات المتحدة في الشؤون الأمنية. ومن الواضح أن المملكة تمتلك الوسائل المادية للحصول على السلاح النووي، ولكنها تفتقد إلى الخبرات والطاقم الذي يتمتع بالمهارات اللازمة من أجل إطلاق برنامج محلي. وفي حين قام السعوديون بتمويل البرنامج النووي الباكستاني كما يرجح، إلا أنه من غير المؤكد أن تخاطر إسلام آباد في المشاركة في برنامج نووي سعودي. ومن دون مساعدة باكستان، لن تتاح أمام الرياض سوى خيارات قليلة للغاية.
إن برامج الطاقة النووية المدنية في المنطقة لا تشكل خطراً يُذكر، على الرغم من أنها تؤمن مساحة لاكتساب الخبرات وتُعتبر خطوة أولى نحو إمكانية الحصول على السلاح النووي. وبالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة فقد تعهدت بعدم تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجته، لكنها لا تزال تمتلك برامج للطاقة النووية المدنية.
ونظراً لجميع هذه العوامل، هناك نتيجة واحدة أكثر ترجيحاً: فكما هناك بلداً واحداً في الشرق الأوسط يمتلك سلاحاً نووياً في يومنا هذا، سيكون هناك بلداً واحداً فقط يمتلك سلاحاً نووياً بعد عشرين عاماً.
أما بالنسبة للصواريخ، فإن البرامج قصيرة المدى ليست مقلقة إلى حد كبير من المنظور النووي، على الرغم من أنها قد تكون كذلك. إلا أن قدرات الصواريخ المتوسطة المدى هي التي تشكل مصدر قلق. إذ يبرز في الشرق الأوسط سباقاً لامتلاك الصواريخ. يُذكر أن القرارات السابقة لمجلس الأمن الدولي شملت قيوداً على تكنولوجيا الصواريخ، إلا أن إيران لم تعترف يوماً بشرعيتها. وقد تم تجديد القيود على الصواريخ الباليستية في قرار جديد من مجلس الأمن، إلا أنه لم يتم إدراجها في «خطة العمل المشتركة الشاملة»، وهي الوثيقة الوحيدة التي ترى إيران أنها ملزمة بها.
وقد أثار البرنامج الفضائي الإيراني مخاوف أيضاً؛ إذ لدى إيران صواريخ يمكن أن تعزز من حمل الأقمار الصناعية إلى مدارات، وهذه هي نفس التكنولوجيا المستخدمة لتعزيز إطلاق صاروخ باليستي. إن الأهداف مختلفة، ولكن التكنولوجيا هي نفسها [التي تتيح خيارات كثيرة]. ومن الواضح أن الإيرانيين قد يسعون إلى تطوير قدراتهم الصاروخية طويلة المدى تحت ستار برنامج فضائي. فقد سبق لهم أن أجروا عدداً من الاختبارات، ويُفترَض أنهم سيحاولون تحسين قدراتهم على إطلاق الصواريخ الفضائية.
وبغية مراقبة تصرفات إيران، يجب على جميع الأطراف أن تلعب دورها. فلا بد للمجتمع الذي يفرض العقوبات أن يكون يقظاً وعلى استعداد لإعادة فرض القيود إذا خالفت إيران شروط الاتفاق. ولكن أهم القوى الفاعلة في تحديد ما إذا كانت إيران تحصل على سلاح نووي تكمن في شخص الرئيس الأمريكي والكونغرس. فهما بحاجة إلى دعم الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة والحفاظ على التزام قوي بهذه القضية بمصداقية عالية.
لن يتم احتواء البرنامج النووي الإيراني حقاً من خلال «خطة العمل المشتركة الشاملة»، لأن بإمكانه أن يتوسع بعد خمسة عشر عاماً. وسوف يشكل خطراً على الدول الأخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ستنظر هذه الدول إلى الولايات المتحدة كمصدر لتلقّي المساعدات الأمنية أم ستحصل على قدرات نووية خاصة بها؟ هذا هو الوضع الذي يواجهه المجتمع الدولي، فالاتفاق النووي مع إيران سيجعل من اقتراح إنشاء “منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل” في الشرق الأوسط أكثر تعقيداً بكثير.
إن بناء برامج نووية يستغرق وقتاً طويلاً، لذلك لن يكون هناك أي تغييرات مفاجئة في الوضع المتعلق بانتشار الأسلحة النووية في المنطقة. وبما أن الاتفاق النووي قد رأى النور بالفعل، فبالتالي يصبح السؤال كيف يمكن الحد من مخاطر تجاوز العتبة النووية. ومع ذلك، ففي حين يمكن للتدابير المختلفة أن تساعد على التخفيف من المخاوف في المنطقة، تبرز أيضاً العديد من مخاطر انتشار الأسلحة النووية.
وقد أطلقت المملكة العربية السعودية برنامجاً طموحاً للطاقة النووية كجزء من جهودها لتطوير الاقتصاد. كما وتريد المملكة أن تكون مستعدة إذا ما احتاجت إلى بناء قدراتها المستقلة في دورة إعداد الوقود النووي. إلا أن باكستان تشترك في الحدود مع إيران، لذلك ستفكر ملياً قبل مساعدة السعودية في مواصلة برنامجها النووي.
إن المواضيع الأكثر إثارة للقلق هي “الأبعاد العسكرية المحتملة” لبرنامج إيران النووي التي ستطارد المجتمع الدولي لسنوات. فـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» ليست اتفاق لحظر انتشار السلاح النووي، وإنما هي عبارة عن اتفاق سياسي يتمتع بجانب خاص بحظر الانتشار النووي. هذا ولم تغيرّ إيران من مسارها النووي وهي تواصل تخصيب اليورانيوم، ولا تطبق سوى القيود المؤقتة. وبالإضافة إلى المخاوف القائمة منذ فترة طويلة حول الصواريخ، لا ينبغي لنا أن نستبعد المخاطر المحتملة من “سلاح النبضة الكهرومغناطيسية”، وهو نوع من جهاز نووي ينفجر في أعالي الجو من أجل تعطيل المكونات الكهربائية على الأرض. بإمكان إيران تصميم مثل هذا السلاح، على الرغم من أن التحدي الأكبر لها قد يكمن في تطوير نظام إطلاق صواريخ قادر على الوصول إلى الولايات المتحدة. إن واقع خطر “سلاح النبضة الكهرومغناطيسية” غير واضح. فكوريا الشمالية قد تكون أكثر تهديداً في هذه المسألة من إيران.
وعلى نطاق أوسع، كان يمكن لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» وإيران تجنُّب الكثير من الجدل لو أنهما لم تجعلا من اتفاقاتهما سرية. وحتى مع ذلك، لا تزال هناك آلية يمكن من خلالها إتاحة هذه المعلومات: فوفقاً للمادة الخامسة من اتفاق ضمانات «الوكالة» مع إيران، يمكن لأي عضو من أعضاء “مجلس محافظي” «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أن يطلب رؤية “ملحق الكتاب” السري، وحتى الكشف عنه علانية إذا ما اختار ذلك. وبما أن إيران والمسؤولين في «الوكالة» يتحدثون عن نظام التحقق، فلدى “مجلس المحافظين” سبباً كافياً لطلب تلك التفاصيل، ولا يستطيع مسؤولو «الوكالة» أن ينكروا مثل هذا الطلب لأن “المجلس” له سلطة عليهم. وبالتالي، إذا طلبت إحدى الدول الخمسة وثلاثين الأعضاء في “المجلس” – التي تضم الولايات المتحدة – أن ترى الاتفاق، فعندئذ يتوجّب على «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أن تريها إياه. بيد، لا يبدو حتى الآن أنها قدّمت مثل هذا الطلب، ويعود ذلك على الأرجح من أجل تجنب تأجيج المزيد من النقاش العام حول تفاصيل عملية التفتيش.
ومهما كان الوضع، ستكون واشنطن من الجهات الفاعلة الرئيسية في مراقبة سلوك إيران، وهو الأمر بالنسبة لتلك البلدان المجاورة التي ستشعر أكثر من غيرها بالآثار المترتبة عن كون إيران دولة نووية. وفي غضون عشرة إلى خمسة عشر عاماً، سيتقلص وقت الاختراق الإيراني للعتبة النووية بشكل ملحوظ ويمكن أن يصبح قصيراً لدرجة لا تتعدى بضعة أسابيع. وعندئذ سيكون السؤال حول ما إذا كانت طهران في الواقع تقوم بصنع قنبلة نووية. وستكمن الطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك في [الحصول على المعلومات] الاستخباراتية.
روبرت آينهورن
معهد واشنطن