في تصريح له مع بدء العدوان على غزة قال بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي إن الهجمات على غزة لن تتوقف حتى يحصل «هدوء تام» في القطاع، وقد استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جملة أن «الهدوء يستغرق وقتا» في تعليقه على استمرار الهجمات.
من الواضح أن هذا التعبير الإسرائيلي شديد الغطرسة مستحيل عملياً طالما أن مشروع الاستيطان والاحتلال واضطهاد الفلسطينيين مستمرّ، وهو يشبه في صلافته (وبلاهته) الاعتقاد أن الشعب الفلسطيني سيتوقف يوما عن الوجود، أو يتوقف عن الدفاع عن حقوقه الإنسانية في أرضه وحريته، وهو غير ممكن ولا قابل للضمان حتى إن كان المقصود هو وقف صواريخ «كتائب القسام» و«سرايا القدس» أو وقف المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني وبلدان الشتات.
تظهر تصرفات إسرائيل أن «طموح» قيادتها الجنونية في «إسكات» الفلسطينيين تشمل إسكات العالم أيضا، فأحد الأهداف التي قامت طائراتها الحربية بقصفها قصف ثلاثة مبان تضم أكثر من 14 وسيلة إعلامية بينها كان «برج الجلاء» الذي كان يضم مكاتب لوسائل الإعلام العالمية، حيث دمّر مكاتب وكالة الأنباء الأمريكية إسوشييتدبرس، التي قالت إن موظفيها «تجنبوا الموت بصعوبة» وأن «العالم لن يعرف الكثير مما يحدث في غزة بسبب ما حصل اليوم» وهو ما تعرضت له مكاتب قناة «الجزيرة» التي كانت موجودة في المبنى ذاته، والتي اعتبرت تدمير مكاتبها «جريمة حرب» وقد انتبه مدير مكتب القناة القطرية في الأراضي الفلسطينية، وليد العمري، للمسألة التي أشرنا إليها، فقال إن محاولة إسرائيل «إسكات الأصوات الإعلامية أمر مستحيل».
إضافة إلى استهداف وسائل الإعلام التقليدية فإن نظرية «الهدوء التام» الإسرائيلية وجدت محاولات حثيثة لتطبيقها، بالتواطؤ مع إدارات بعض وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك قبل بدء انطلاق صواريخ من القطاع، حيث لاحظ المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن مواقع فيسبوك وتويتر وانستغرام حذفت حسابات على خلفية أنشطتها في تغطية أحداث القدس، وهي فعاليات احتجاج سلميّة.
مع بدء الغارات الهمجية الإسرائيلية قام وزير الحرب والقضاء الإسرائيلي بلقاء إدارات عدد من منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما اعتبره مركز «صدى سوشال» للدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية محاولة من تل أبيب لفرض هيمنتها على منصات التواصل، وقد تابع المرصد حصول انتهاكات بحق المحتوى الرقمي الفلسطيني بعد ساعات فقط من اجتماع غانتس مع إدارات بعض تلك المنصات.
وإذا كانت السطوة الالكترونية للجيش الإسرائيلي وللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية معلومة، وقادرة، بالتالي، على تفسير العداء للمحتوى الفلسطيني حتى عندما يعرض أنشطة احتجاج سلميّة، فإن المستجد في الموضوع أن تطبيق «تيك توك» الذي يتمتع بجمهور واسع يقدر بنحو 700 مليون مستخدم ناشط شهريا في جميع أنحاء العالم، أصبح منتدى متميزا للتعبير عن هذا المحتوى الفلسطيني، ومن المؤسف أن يتأثر الموقع الصيني الشهير بضغوط وزير الحرب الإسرائيلي، أو يقبل بوجهة النظر الإسرائيلية الرسميّة على حساب وجهة النظر الفلسطينية.
والحال أن هذا تمكّن هذه المحاولات من منع بعض محاولات الناشطين المتعاطفين مع قضية الفلسطينيين العادلة والمنتقدين للعدوانية الإسرائيلية الفجة سيكون مؤقتا فالفجور في العدوان والاستماتة في إسكات الأصوات المناهضة لإسرائيل سيخلق ردود فعل معاكسة بدأنا نرى آثارها في الصحافة العالمية، كما في وسائل التواصل، التي يبتكر الناشطون عليها وسائل جديدة وإبداعية لإيصال محتواهم وكسر الحظر على آرائهم.
القدس العربي